فَقَطْ (لُغَةً أَوْ شَرْعًا أَوْ عَقْلًا مَذَاهِبُ) وَجْهُ أَوَّلِهَا الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ يَحْكُمُونَ بِاسْتِحْقَاقِ مُخَالِفِ أَمْرِ سَيِّدِهِ مَثَلًا بِهَا لِلْعِقَابِ.

وَالثَّانِي الْقَائِلُ بِأَنَّهَا لُغَةٌ لِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ وَإِنْ جَزَمَهُ الْمُحَقِّقُ لِلْوُجُوبِ بِأَنَّ تَرْتِيبَ الْعِقَابِ عَلَى التَّرْكِ إنَّمَا يُسْتَفَادُ مِنْ الشَّرْعِ فِي أَمْرِهِ أَوْ أَمْرِ مَنْ أَوْجَبَ طَاعَتَهُ أَجَابَ بِأَنَّ حُكْمَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْمَذْكُورِ مَأْخُوذٌ مِنْ الشَّرْعِ لِإِيجَابِهِ عَلَى الْعَبْدِ مَثَلًا طَاعَةَ سَيِّدِهِ.

وَالثَّالِثُ قَالَ إنَّ مَا تُفِيدُهُ لُغَةً مِنْ الطَّلَبِ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الْوُجُوبَ لِأَنَّ حَمْلَهُ عَلَى النَّدْبِ يُصَيِّرُ الْمَعْنَى افْعَلْ إنْ شِئْت وَلَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ مَذْكُورًا وَقُوبِلَ بِمِثْلِهِ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ يُصَيِّرُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQفَإِنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ مُشْعِرٌ بِالْعِلِّيَّةِ فَخَوْفُهُمْ وَحَذَرُهُمْ مِنْ إصَابَةِ الْفِتْنَةِ فِي الدُّنْيَا أَوْ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِسَبَبِ مُخَالَفَتِهِمْ الْأَمْرَ وَهِيَ تَرْكُ الْمَأْمُورِ بِهِ كَمَا أَنَّ مُوَافَقَةَ الْأَمْرِ الْإِتْيَانُ بِهِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ لَا عَدَمُ اعْتِقَادِ حَقِيقَتِهِ وَلَا حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ لِلْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ مَثَلًا فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي التَّلْوِيحِ وَمِنْهَا انْتِفَاءُ الْخِيرَةِ عَنْ الْمَأْمُورِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36] لِأَنَّ الْقَضَاءَ هُنَا إتْمَامُ الشَّيْءِ قَوْلًا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [الإسراء: 23] أَيْ حُكْمًا لَا فِعْلًا كَمَا فِي قَوْلِهِ {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [فصلت: 12] بِدَلَالَةِ عَطْفِ الرَّسُولِ وَكَذَا الْأَمْرُ هُوَ الْقَوْلُ مَصْدَرًا أَوْ تَمْيِيزًا أَوْ حَالًا لَا الْفِعْلُ وَإِلَّا لَزِمَ تَقْدِيرُ الْبَاءِ وَهُوَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَمِنْهَا الذَّمُّ وَالتَّوْبِيخُ وَالْإِنْكَارُ عَلَى تَرْكِ السُّجُودِ فِي {مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12] عَلَى زِيَادَةِ لَا أَوْ بِمَعْنَى مَا دَعَاكَ إلَى أَنْ لَا تَسْجُدَ إذْ الْمَانِعُ مِنْ الشَّيْءِ دَاعٍ إلَى تَرْكِهِ وَالْمُرَادُ بِإِذْ أَمَرْتُك قَوْله تَعَالَى اُسْجُدُوا فَلَوْلَا أَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ مُطْلَقًا لِلْوُجُوبِ لَأَمْكَنَهُ أَنْ يَقُولَ مَا أَلْزَمْتنِي فَعَلَامَ الْإِنْكَارُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ جَارِيَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ لِلْأَمْرِ النَّفْسِيِّ صِيغَةً تَخُصُّهُ وَكَذَلِكَ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي فَهَذَا اخْتِلَافٌ فِي مَدْلُولِ الصِّيغَةِ حَقِيقَةً وَقَوْلُهُ وَتَوَقَّفَ الْقَاضِي وَمَا بَعْدَهُ مَا عَدَا قو وَعَبْدَ الْجَبَّارِ، وَالْمُخْتَارُ جَارٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صِيغَةٌ تَخُصُّهُ بَلْ تَتَجَاوَزُهُ فَهُوَ اخْتِلَافٌ فِيمَا تَتَجَاوَزُ إلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُ عَبْدِ الْجَبَّارِ فَدَخِيلٌ بَيْنَهُمَا لِابْتِنَائِهِ عَلَى إنْكَارِ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ وَقَدْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ قَوْلًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِي الْإِبَاحَةِ لِأَنَّهَا الْمُتَيَقَّنَةُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الطَّلَبِ.

(قَوْلُهُ: فَقَطْ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ إذْ الْمَعْنَى عَلَى الْحَصْرِ.

(قَوْلُهُ: مَثَلًا) أَيْ وَكُلُّ ذِي وِلَايَةٍ كَالزَّوْجِ.

(قَوْلُهُ: بِهَا) أَيْ بِصِيغَةِ افْعَلْ أَوْ بِاللُّغَةِ وَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ مُتَعَلِّقٌ بِأَمَرَ وَعَلَى الثَّانِي بِتَحْكُمُونَ بِجَعْلِ الْبَاءِ لِلسَّبَبِيَّةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْمُدَّعَى اهـ.

(قَوْلُهُ: لِلْعِقَابِ) لَمْ يُرِدْ خُصُوصَ الْعِقَابِ الْأُخْرَوِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ الشَّرْعِ بَلْ أَرَادَ مُطْلَقَ الِانْتِقَامِ وَاسْتِعْمَالُ الشَّارِعِ لَهَا عَلَى قَانُونِ اللُّغَةِ.

(قَوْلُهُ: وَالثَّانِي) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أَجَابَ.

(قَوْلُهُ: لِمُجَرَّدِ الطَّلَبِ) أَيْ الطَّلَبِ الْمُجَرَّدِ عَنْ التَّحَتُّمِ فَالطَّلَبُ جِنْسٌ وَجَزْمُهُ الْفَصْلُ الْمُقَوِّمُ لَهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: الْمُحَقَّقِ لِلْوُجُوبِ، وَقَوْلُهُ بِأَنْ يَتَرَتَّبَ الْعِقَابُ إلَخْ أَيْ اسْتِحْقَاقُ الْعِقَابِ مُتَعَلِّقٌ بِالْمُحَقَّقِ، وَقَوْلُهُ إنَّمَا يُسْتَفَادُ خَبَرُ إنَّ فَقَوْلُهُ وَإِنَّ جَزْمَهُ أَيْ الطَّلَبِ، وَقَوْلُهُ الْمُحَقَّقَ بِالنَّصْبِ صِفَةٌ لِلْجَزْمِ.

(قَوْلُهُ: مَأْخُوذٌ مِنْ الشَّرْعِ) لَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ شَرِيعَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَبْقِ اللُّغَةِ لَهُ.

(قَوْلُهُ: يَتَعَيَّنُ) أَيْ عَقْلًا فَيَكُونُ حَقِيقَةً لِلْوُجُوبِ فِي اللُّغَةِ وَالْعِلْمُ بِذَلِكَ طَرِيقُهُ الْعَقْلُ.

(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ إلَخْ) أَيْ وَالْأَصْلُ عِنْدَ الْعَقْلِ عَدَمُ الْقَيْدِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015