وَلِبُعْدِ انْجِلَائِهِ عِنْدَ الْمُحِبِّ حَتَّى كَأَنَّهُ لَا طَمَعَ فِيهِ كَانَ مُتَمَنِّيًا لَا مُتَرَجِّيًا (وَالِاحْتِقَارِ) {أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} [الشعراء: 43] إذْ مَا يُلْقُونَهُ مِنْ السِّحْرِ وَإِنْ عَظُمَ مُحْتَقَرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُعْجِزَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (وَالْخَبَرِ) كَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ «إذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْت» أَيْ صَنَعْت.

(وَالْإِنْعَامِ) بِمَعْنَى تَذْكِيرِ النِّعْمَةِ نَحْوُ {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 57] (وَالتَّفْوِيضِ) {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72] (وَالتَّعَجُّبِ) {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ} [الإسراء: 48] (وَالتَّكْذِيبِ) {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران: 93] (وَالْمَشُورَةِ) {فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى} [الصافات: 102] (وَالِاعْتِبَارِ) {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ} [الأنعام: 99] (وَالْجُمْهُورُ) قَالُوا هِيَ (حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ)

ـــــــــــــــــــــــــــــQبَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ.

(قَوْلُهُ: وَلِبُعْدِ انْجِلَائِهِ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ إنَّ اللَّيْلَ وَإِنْ كَانَ طَوِيلًا يُرْجَى انْجِلَاؤُهُ فَالْأَنْسَبُ الْحَمْلُ عَلَى التَّرَجِّي وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْمُبْتَلَى بِلَوَاعِجِ الْأَشْوَاقِ وَشَدَائِدِ الْفِرَاقِ قَدْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ مَقَاسَاتِ الْهُمُومِ لَا تَنْقَطِعُ كَمَا قِيلَ:

رَقَدْت وَلَمْ تَرْثِ لِلسَّاهِرِ قَوْلَهُ ... وَلَيْلُ الْمُحِبِّ بِلَا آخِرِ

فَكَأَنَّهُ لَا يُرْتَقَبُ انْجِلَاؤُهُ وَلَيْسَ لَهُ طَاعِيَةٌ فِيهِ فَلِذَا حُمِلَ عَلَى التَّمَنِّي وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ انْجِلَاؤُهُ فِي وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ وَأَمَّا إنْ أُرِيدَ انْجِلَاؤُهُ قَبْلَ وَقْتِهِ فَمُحَالٌ.

(قَوْلُهُ: مُتَمَنِّيًا) بِالْكَسْرِ اسْمُ فَاعِلٍ وَاسْمُ كَانَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ عَظُمَ) أَيْ فِي نَفْسِهِ كَمَا هُوَ مَحْمَلُ {وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 116] وَقَوْلُهُ: مُحْتَقَرٌ أَيْ بِالنَّظَرِ لِمُعْجِزَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ.

(قَوْلُهُ: كَحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ) يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا لِلتَّهْدِيدِ وَبَعْضُهُمْ فَرَّقَ بِأَنَّ التَّهْدِيدَ فِيهِ قَرِينَةٌ نَحْوُ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ لِاقْتِرَانِهِ بِقَوْلِهِ إنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ بِخِلَافِ هَذَا.

(قَوْلُهُ: بِمَعْنَى تَذْكِيرِ النِّعْمَةِ) وَحَقِيقَتُهُ إسْدَاءُ النِّعْمَةِ لِلْمُنْعَمِ عَلَيْهِ وَكَانَ التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ لِمُوَافَقَةِ غَرَضِ مَنْ عَدَّ الْإِنْعَامَ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي وَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ اتِّحَادُهُ مَعَ الِامْتِنَانِ إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ تَذْكِيرَ النِّعْمَةِ مُجَرَّدٌ عَنْ ذِكْرِ الشَّيْءِ مِنْ أَفْرَادِهَا وَلَا كَذَلِكَ الِامْتِنَانُ وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَعْضُهُمْ بِاخْتِصَاصِ الْإِنْعَامِ بِذِكْرِ إعْلَاءِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ كَمَا فِي الْمِثَالِ بِخِلَافِ الِامْتِنَانِ لَا يَظْهَرُ فِي جَمِيعِ الْمَوَارِدِ.

قَوْلُهُ {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} [طه: 72] فِيهِ أَنَّ هَذَا مِنْ التَّحْقِيرِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِدَلِيلِ إنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَلْيُنْظَرْ الْفَرْقُ.

(قَوْلُهُ: وَالتَّعَجُّبِ) الْأَوْلَى التَّعْجِيبُ لِمُوَازِنَةِ مَا قَبْلَهُ وَمَا بَعْدَهُ.

(قَوْلُهُ: قُلْ فَأْتُوا إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى التَّكْذِيبِ إنَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الأنبياء: 38] وَالْمُرَادُ حَقِيقَةُ الطَّلَبِ.

(قَوْلُهُ: وَالْمَشُورَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّهَا رَاجِعَةٌ لِلطَّلَبِ لِأَنَّ الْمُرَادَ طَلَبُ النَّظَرِ فِي الَّذِي يَرَاهُ (قَوْلُهُ وَالِاعْتِبَارِ) فِيهِ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ طَلَبُهُ رَجَعَ لِلنَّدَبِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَخْلُو عَدُّ هَذِهِ الْمَعَانِي مِنْ تَسَامُحٍ.

(قَوْلُهُ: وَالْجُمْهُورُ إلَخْ) غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ مَوْضُوعِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْقَائِلُونَ بِالنَّفْسِيِّ لِذِكْرِ عَبْدِ الْجَبَّارِ وَهُوَ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ النَّافِينَ لِلْكَلَامِ النَّفْسِيِّ.

وَفِي الْبُرْهَانِ نِسْبَةُ هَذَا الْقَوْلِ لِلْفُقَهَاءِ فَقَالَ.

وَأَمَّا جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الصِّيغَةَ الَّتِي فِيهَا الْكَلَامُ لِلْإِيجَابِ إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ الْقَرَائِنِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا مُجْمِعُونَ عَلَى اتِّبَاعِ أَبِي الْحَسَنِ فِي الْوَقْفِ وَلَمْ يُسَاعِدْ الشَّافِعِيُّ مِنْهُمْ إلَّا الْأُسْتَاذَ أَبُو إِسْحَاقَ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَلَا أَرَى لَهُمْ كَلَامًا مَرَضِيًّا يُعَوَّلُ عَلَى مِثْلِهِ فِي انْتِفَاءِ الْقَطْعِ وَلَكِنْ مَنْ أَظْهَرَ مَا ذَكَرُوهُ أَنَّ الصَّحَابَةَ الْمَاضِينَ وَالْأَئِمَّةَ الْمُتَقَدِّمِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ - كَانُوا يَتَمَسَّكُونَ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ فِي طَلَبِ إثْبَاتِ الْإِيجَابِ وَلَا يَنْزِلُونَ عَنْهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ تُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَسْلَكُ لَا يَصْفُو عَنْ شَوَائِبِ النِّزَاعِ وَيَتَطَرَّقُ إلَيْهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِيمَا اقْتَرَنَ بِهِ اقْتِضَاءُ الْإِيجَابِ وَكُلُّ مَسْلَكٍ فِي الْكَلَامِ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ إمْكَانٌ لَمْ يُفْضِ إلَى الْقَطْعِ اهـ.

(قَوْلُهُ: قَالُوا هِيَ إلَخْ) قَدَّرَهُ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْحَمْلِ عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: حَقِيقَةٌ فِي الْوُجُوبِ) احْتَجُّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015