أَيْ إظْهَارِ الْعَجْزِ نَحْوُ {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} [البقرة: 23]
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُطَاعِ لِلْمُطِيعِ فِي حُصُولِ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ غَيْرِ امْتِنَاعٍ وَتَوَقُّفٍ وَلَا افْتِقَارٍ إلَى مُزَاوَلَةِ عَمَلٍ وَاسْتِعْمَالِ آلَةٍ وَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْلٌ وَلَا كَلَامٌ وَإِنَّمَا وُجُودُ الْأَشْيَاءِ بِالْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ مَقْرُونًا بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَجْرَى سُنَّتَهُ فِي تَكْوِينِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَكُونَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ تَكْوِينُهَا بِغَيْرِهَا وَالْمَعْنَى يَقُولُ لَهُ اُحْدُثْ فَيَحْدُثُ عَقِيبَ هَذَا الْقَوْلِ لَكِنَّ الْمُرَادَ الْكَلَامُ الْأَزَلِيُّ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ تَعَالَى لَا الْكَلَامُ اللَّفْظِيُّ الْمُرَكَّبُ مِنْ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ لِأَنَّهُ حَادِثٌ فَيَحْتَاجُ إلَى خِطَابٍ آخَرَ فَيَتَسَلْسَلُ وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ قِيَامُ الصَّوْتِ وَالْحُرُوفِ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمَّا لَمْ يَتَوَقَّفْ خِطَابُ التَّكْوِينِ عَلَى الْفَهْمِ وَاشْتَمَلَ عَلَى أَعْظَمِ الْفَوَائِدِ وَهُوَ الْوُجُودُ جَازَ تَعَلُّقُهُ بِالْمَعْدُومِ بَلْ خِطَابُ التَّكْلِيفِ أَيْضًا أَزَلِيٌّ فَلَا بُدَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمَعْدُومِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الشَّخْصَ الَّذِي سَيُوجَدُ مَأْمُورٌ بِذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَزَلِ لَا يُسَمَّى خِطَابًا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى مُخَاطَبٍ بِهِ اهـ.
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَوْ كَانَ أَمْرُ كُنْ لِطَلَبِ وُجُودِ الْحَادِثِ وَإِرَادَةِ تَكْوِينِهِ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّفٍ وَتَرَاخٍ وَكَانَ أَزَلِيًّا يَلْزَمُ قِدَمُ الْحَادِثِ وَأَيْضًا إذَا كَانَ أَزَلِيًّا لَمْ يَصِحَّ تَرَتُّبُهُ عَلَى تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِوُجُودِ الشَّيْءِ عَلَى مَا تُنْبِئُ عَنْهُ الْآيَةُ فَالْأَوْلَى أَنَّ الْكَلَامَ مَجَازٌ وَتَمْثِيلٌ لِسُرْعَةِ التَّكْوِينِ مِنْ غَيْرِ قَوْلٍ وَلَا كَلَامٍ اهـ.
وَقَوْلُهُ فِي التَّلْوِيحِ وَلَمَّا لَمْ يَتَوَقَّفْ خِطَابُ التَّكْوِينِ إلَخْ انْحَلَّ قَوْلُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ
عَجَبِي مِنْ قَائِلٍ كُنْ لِعَدَمٍ ... وَاَلَّذِي قِيلَ لَهُ لَمْ يَكُ ثَمَّ
إلَى آخِرِ الْأَبْيَاتِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ
كَيْفَ لِلْقَوْلِ دَلِيلٌ وَاَلَّذِي ... قَدْ بَنَاهُ الْعَقْلُ بِالْكَشْفِ انْهَدَمَ
وَفِي حَاشِيَةِ عَبْدِ الْحَكِيمِ عَلَى الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ شُبِّهَتْ هَيْئَةُ حُصُولِ الْمُرَادِ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِلَا مُهْمَلَةٍ وَامْتِنَاعٌ بِطَاعَةِ الْمَأْمُورِ الْمُطِيعِ عَقِيبَ أَمْرِ الْمُطَاعِ بِلَا تَوَقُّفٍ وَإِبَاءُ تَصْوِيرِ الْحَالِ الْغَائِبِ فِي أَمْرِ الشَّاهِدِ فَلَا بُدَّ فِي كِلَا الطَّرَفَيْنِ مِنْ مُلَاحَظَةِ أُمُورٍ مُتَعَدِّدَةٍ ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ الْكَلَامُ الْمَوْضُوعُ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الْمُشَبَّهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ اسْتِعَارَةٍ فِي مُفْرَدَاتِهِ كَمَا شَبَّهَ هَيْئَةَ اسْتِقْرَارِهِمْ وَتَمَكُّنِهِمْ عَلَى الْهُدَى بِاسْتِعْلَاءِ الرَّاكِبِ عَلَى الْمَرْكُوبِ وَاسْتِقْرَارِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 5] فَكَانَ أَصْلُ الْكَلَامِ هَكَذَا إذَا قَضَى أَمْرًا فَيَحْصُلُ عَقِيبَهُ دُفْعَةً فَكَأَنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ثُمَّ حَذَفَ الْمُشَبَّهَ وَاسْتَعْمَلَ الْمُشَبَّهَ بِهِ مَقَامَهُ وَلَيْسَ اسْتِعَارَةً تَحْقِيقِيَّةً مَبْنِيَّةً عَلَى تَشِبِّيهِ حَالٍ بِمَقَالٍ عَلَى مَا تُوُهِّمَ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَشِبِّيهِ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِقَوْلِ كُنْ كَيْفَ وَهُوَ مَذْكُورٌ صَرِيحًا بِقَوْلِهِ إذَا قَضَى أَمْرًا وَالِاسْتِعَارَةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا طَيُّ ذِكْرِ الْمُشَبَّهِ اهـ.
1 -
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَمْرِ التَّكْوِينِيِّ وَالتَّسْخِيرِيِّ أَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ يَقْصِدُ تَكْوِينَ الشَّيْءِ الْمَعْدُومِ وَفِي الثَّانِي صَيْرُورَتَهُ مُنْتَقِلًا مِنْ صُورَةٍ أَوْ صِفَةٍ إلَى أُخْرَى فَفِيهِ زِيَادَةُ اعْتِبَارٍ.
(قَوْلُهُ: أَيْ إظْهَارُ الْعَجْزِ) أَيْ لَا إيجَادُهُ الَّذِي هُوَ أَصْلُ مَعْنَى التَّعْجِيزِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَقْدُورٍ لِلْمُكَلَّفِ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْإِفْحَامُ نَحْوَ فَأْتِ بِهَا مِنْ الْمَغْرِبِ وَقَدْ عَدَّهُ فِي فُصُول الْبَدَائِع نَوْعًا مُسْتَقِلًّا فَارِقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعْجِيزِ بِاخْتِصَاصِهِ بِمَوْضِعِ الْمُنَاظَرَةِ بِخِلَافِ التَّعْجِيزِ.
(قَوْلُهُ: