دُنْيَوِيَّةٌ بِخِلَافِ النَّدْبِ وَقَدَّمَهُ هُنَا بَعْدَ أَنْ وَضَعَهُ عَقِبَ التَّأْدِيبِ لِقَوْلِهِ الْآتِي وَقِيلَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْخَمْسَةِ الْأُوَلِ فَإِنَّهُ مِنْهَا (وَإِرَادَةُ الِامْتِثَالِ) كَقَوْلِك لِآخَرَ عِنْدَ الْعَطَشِ اسْقِنِي مَاءً (وَالْإِذْنِ) كَقَوْلِك لِمَنْ طَرَقَ الْبَابَ اُدْخُلْ (وَالتَّأْدِيبِ) «كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ دُونَ الْبُلُوغِ وَيَدُهُ تَبْطِشُ فِي الصَّحْفَةِ كُلْ مِمَّا يَلِيك» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
أَمَّا أَكْلُ الْمُكَلَّفِ مِمَّا يَلِيهِ فَمَنْدُوبٌ وَمِمَّا يَلِي غَيْرَهُ فَمَكْرُوهٌ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى حُرْمَتِهِ لِلْعَالِمِ بِالنَّهْيِ عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْإِيذَاءِ (وَالْإِنْذَارِ) {قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ} [إبراهيم: 30] وَيُفَارِقُ التَّهْدِيدَ بِذِكْرِ الْوَعِيدِ (وَالِامْتِنَانِ) {كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} [الأنعام: 142] وَيُفَارِقُ الْإِبَاحَةَ بِذِكْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ (وَالْإِكْرَامِ) {ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ} [الحجر: 46] (وَالتَّسْخِيرِ) أَيْ التَّذْلِيلِ وَالِامْتِهَانِ نَحْوُ {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: 65] (وَالتَّكْوِينِ) أَيْ الْإِيجَادِ عَنْ الْعَدَمِ بِسُرْعَةٍ نَحْوُ كُنْ فَيَكُونُ (وَالتَّعْجِيزِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُهَدَّدَ عَلَيْهِ لَا يَكُون إلَّا حَرَامًا وَكَذَا الْإِنْذَارُ كَيْفَ وَهُوَ مُقْتَرِنٌ بِذِكْرِ الْوَعِيدِ اهـ. قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ ظَاهِرٌ بِحَسَبِ الِاسْتِقْرَاءِ.
(قَوْلُهُ: دُنْيَوِيَّةٌ) أَيْ فَلَا ثَوَابَ فِيهِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ الِامْتِثَالَ وَالِانْقِيَادَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أُثِيبَ عَلَيْهِ لَكِنْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ وَكَذَا إنْ قَصَدَهَا لَكِنَّ ثَوَابَهُ فِيهِ دُونَ مَا قَبْلَهُ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ النَّدْبِ) أَيْ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَصْلَحَتُهُ دِينِيَّةً وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَكُونُ دُنْيَوِيَّةً.
(قَوْلُهُ: بَعْدَ أَنْ وَضَعَهُ) أَيْ فِي نُسْخَةٍ رَجَعَ عَنْهَا إلَى هَذِهِ.
(قَوْلُهُ: كَقَوْلِك لِآخَرَ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا غَرَضَ مِنْ الْأَمْرِ هُنَا إلَّا إرَادَةُ الِامْتِثَالِ مَا لَمْ يَكُنْ الْقَائِلُ مِمَّنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ كَالسَّيِّدِ وَإِلَّا كَانَتْ الصِّيغَةُ لِلْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ بِمَعْنَى الطَّلَبِ الْجَازِمِ أَوْ غَيْرِهِ لَا الْوُجُوبُ الشَّرْعِيُّ وَتَحْرِيمُ الْمُخَالَفَةِ لِطَلَبِ الشَّارِعِ الِامْتِثَالَ.
(قَوْلُهُ: وَالْإِذْنُ) فِيمَا إذَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الشَّارِعِ بِخِلَافِ النَّدْبِ وَأَيْضًا الْإِذْنُ مَا سَبَقَهُ اسْتِئْذَانٌ وَبَعْضُهُمْ أَدْرَجَهُ فِي قِسْمِ الْإِبَاحَةِ.
(قَوْلُهُ: وَالتَّأْدِيبُ) هُوَ تَهْذِيبُ الْأَخْلَاقِ وَإِصْلَاحُ الْعَادَاتِ بِخِلَافِ النَّدْبِ فَإِنَّهُ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ.
(قَوْلُهُ: كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمَرَ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِالْمَنْدُوبِ وَالْمَكْرُوهِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ خِلَافُهُ.
وَفِي الْبُرْهَانِ أَنَّ الْمَقُولَ لَهُ ذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَلَعَلَّ الْوَاقِعَةَ تَعَدَّدَتْ.
قَوْلُهُ {قُلْ تَمَتَّعُوا} [إبراهيم: 30] إلَخْ فِيهِ أَنَّ الْإِنْذَارَ مِنْ الْقَرِينَةِ وَهِيَ ذِكْرُ الْمَصِيرِ.
(قَوْلُهُ: وَيُفَارِقُ التَّهْدِيدَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ الْوَعِيدَ خَارِجٌ عَنْ مَدْلُولِ الصِّيغَةِ فَمَتَى وُجِدَتْ الْقَرِينَةُ مَعَ كُلٍّ كَانَ تَهْدِيدًا وَإِنْذَارًا عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ الْوَعِيدُ فِي التَّهْدِيدِ.
(قَوْلُهُ: يَذْكُرُ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ) أَيْ يَحْتَاجُ الْخَلْقُ إلَيْهِ كَالرِّزْقِ فَإِنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى تَحْصِيلِهِ وَقَدْ يُقَالُ إنَّ ذِكْرَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ خَارِجٌ عَنْ الصِّيغَةِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ التَّذْلِيلُ وَالِامْتِهَانُ) دَفَعَ بِهِ مَا يُقَالُ إنَّ اللَّائِقَ أَنْ يُسَمَّى سِخْرِيَّةً بِكَسْرِ السِّينِ لَا تَسْخِيرًا لِأَنَّ التَّسْخِيرَ النِّعْمَةُ وَالْإِكْرَامُ قَالَ تَعَالَى {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [الجاثية: 13] وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ التَّسْخِيرَ يُسْتَعْمَلُ أَيْضًا بِمَعْنَى التَّذْلِيلِ وَالِامْتِهَانِ قَالَ تَعَالَى {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا} [الزخرف: 13] وَيُقَالُ فُلَانٌ سَخَّرَهُ السُّلْطَانُ أَيْ امْتَهَنَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ بِلَا أَجْرٍ اهـ. زَكَرِيَّا.
(قَوْلُهُ: نَحْوُ {كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] تَلْمِيحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40] قَالَ فِي التَّلْوِيحِ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ إلَى أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَجَازٌ عَنْ سُرْعَةِ الْإِيجَادِ وَسُهُولَتِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ تَمْثِيلًا لِلْغَائِبِ أَعْنِي تَأْثِيرَ قُدْرَتِهِ فِي الْمُرَادِ بِالشَّاهِدِ أَعْنِي أَمْرَ