يُتَعَرَّفُ مِنْهَا أَحْكَامُ جُزْئِيَّاتِهَا نَحْوُ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً.
وَالْعِلْمُ ثَابِتٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَالْقَاطِعَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِعَدَمِ الْحُكْمِ بِالْإِثْبَاتِ وَالْحَمْلِيَّةُ السَّالِبَةُ لَا تَسْتَدْعِي وُجُودَ الْمَوْضُوعِ وَلَكِنَّ الْفَاضِلَ السَّيَالَكُوتِيَّ فِي حَوَاشِي الرَّازِيّ عَلَى الشَّمْسِيَّةِ صَرَّحَ بِأَنَّ الْقَضَايَا السَّالِبَةَ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ اسْتِنْبَاطَ الْفُرُوعِ كَمَا يَكُونُ مِنْ الْمُوجِبَاتِ يَكُونُ مِنْ السَّوَالِبِ قَالَ سَمِّ وَلَا يَكْفِي فِي كُلِّيَّةِ الْقَضِيَّةِ هُنَا مُجَرَّدُ كُلِّيَّةِ مَوْضُوعِهَا كَمَا قَدْ يُتَوَهَّمُ وَإِلَّا لَدَخَلَ فِيهَا الْجُزْئِيَّةُ وَالطَّبِيعِيَّةُ لِكُلِّيَّةِ الْمَوْضُوعِ فِيهِمَا وَحِينَئِذٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ قَوْلِهِمْ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ مَثَلًا قَاعِدَةُ " مَنْ " حَمْلَ أَلْ فِي الْأَمْرِ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ.
وَأَقُولُ هَذَا تَوَهُّمٌ بَعِيدٌ جِدًّا فَإِنَّهُ مَتَى قِيلَ قَضِيَّةٌ كُلِّيَّةٌ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ إلَّا مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ عِنْدَهُمْ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا عَلَى سَائِرِ الْأَفْرَادِ لَا مَا مَوْضُوعُهَا كُلِّيٌّ.
(قَوْلُهُ: يَتَعَرَّفُ فِي صِيغَةِ التَّفَعُّلِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ تِلْكَ الْمَعْرِفَةِ بِالْكُلْفَةِ وَالْمَشَقَّةِ فَخَرَجَ مِنْ التَّعْرِيفِ الْقَضِيَّةُ الْكُلِّيَّةُ الَّتِي تَكُونُ فُرُوعُهَا بَدِيهِيَّةً غَيْرَ مُحْتَاجَةٍ إلَى التَّخْرِيجِ فَيَكُونُ ذِكْرُ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ فِي الْفَنِّ عَلَى سَبِيلِ الْمَبْدَئِيَّةِ لِمَسَائِلَ أُخَرَ وَطَرِيقُ التَّعَرُّفِ أَنْ يَحْمِلَ مَوْضُوعَ الْقَاعِدَةِ كَالْأَمْرِ فِي مِثَالِنَا عَلَى جُزْئِيٍّ مِنْ جُزْئِيَّاتِهِ كَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ فَيَحْصُلُ قَضِيَّةٌ صُغْرَى وَتُجْعَلُ الْقَاعِدَةُ الْكُبْرَى فَيُقَالُ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً يَنْتِجُ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ لِلْوُجُوبِ حَقِيقَةً فَالْقَاعِدَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تِلْكَ الْأَحْكَامِ بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَةِ مِنْ الْفِعْلِ وَتَعَرُّفُهَا مِنْهَا بِإِبْرَازِهَا مِنْ الْقُوَّةِ إلَى الْفِعْلِ وَيُقَالُ لِذَلِكَ الْإِبْرَازِ تَفْرِيعٌ.
(قَوْلُهُ: جُزْئِيَّاتِهَا) أَيْ جُزْئِيَّاتِ مَوْضُوعِهَا فَإِنَّ مَوْضُوعَهَا أَمْرٌ كُلِّيٌّ كَالْأَمْرِ فِيمَا قِيلَ فَإِنَّهُ يَنْدَرِجُ فِيهِ جَمِيعُ جُزْئِيَّاتِهِ مِنْ نَحْوِ قَوْله تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] .
(قَوْلُهُ: وَالْعِلْمُ ثَابِتٌ لِلَّهِ) مِثَالٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ لِلْقَاعِدَةِ قَالَ الْكَمَالُ وَالتَّمْثِيلُ بِهِ مَحَلُّ نَظَرٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قَضِيَّةً كُلِّيَّةً إذْ كُلٌّ مِنْ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَسَائِرِ صِفَاتِ الذَّاتِ أَمْرٌ وَاحِدٌ لَا تَكْثُرُ لَهُ فِي نَفْسِهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِلْقَضِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ فَإِنْ قِيلَ إنَّهُ يَتَكَثَّرُ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّقَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ قُلْنَا التَّكَثُّرُ فِي الْحَقِيقَةِ لِلتَّعَلُّقَاتِ لَا لِلصِّفَةِ ذَاتِ التَّعَلُّقِ فَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ مَسْأَلَةٌ مِنْ مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ لَا قَاعِدَةٌ وَاللَّائِقُ لِلْمِثَالِ أَنْ يُقَالَ لِلْمُشَابَهَةِ مُحَالٌ فِي حَقِّ الْبَارِئِ وَأَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَأَجَابَ سَمِّ بِأَنَّ التَّمْثِيلَ بِهِ لَا بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ مِنْ قَضِيَّةٍ كُلِّيَّةٍ قَائِلَةٍ كُلُّ شَيْءٍ مَعْلُومٌ لِلَّهِ وَالْحَامِلُ لِلشَّارِحِ عَلَى ذَلِكَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ كَغَيْرِهِ أَرَادَ بِالْقَوَاعِدِ أَعَمَّ مِمَّا كَانَتْ قَاعِدَةً بِنَفْسِهَا أَوْ بِمَا تَؤَوَّلُ إلَيْهِ اهـ.
وَأَقُولُ الْحَقُّ مَعَ الْكَمَالِ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّا نَمْنَعُ أَنَّ قَوْلَنَا الْعِلْمُ ثَابِتٌ لِلَّهِ إلَخْ يَسْتَلْزِمُ مَا ذُكِرَ فَإِنَّ ثُبُوتَ الْعِلْمِ مُطْلَقًا لَا يَسْتَلْزِمُ مَعْلُومِيَّةَ كُلِّ شَيْءٍ وَلِذَلِكَ احْتَاجَ الْمُتَكَلِّمُونَ بَعْدَ إثْبَاتِ صِفَةِ الْعِلْمِ إلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى شُمُولِ عِلْمِهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ فِي إثْبَاتِ الْقُدْرَةِ احْتَاجُوا إلَى الِاسْتِدْلَالِ عَلَى شُمُولِ تَعَلُّقِهَا بِكُلِّ مُمْكِنٍ وَقَدْ وَقَعَ النِّزَاعُ بَيْنَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِي أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لَهُمْ أَوْ لِلَّهِ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَخْلُقُ الشَّرَّ كَمَا يَخْلُقُ الْخَيْرَ أَوْ لَا فَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ مُسْتَلْزِمًا لِتَعَلُّقِهَا بِكُلِّ مُمْكِنٍ لَكَانَ الْخُلْفُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى ثُبُوتِ الْقُدْرَةِ لَهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَإِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ مَوْضُوعَ قَوَاعِدِ الْعِلْمِ يَرْجِعُ لِنَفْسِ مَوْضُوعِ الْعِلْمِ عَلَى تَفْصِيلٍ مَشْهُورٍ مُبَيَّنٍ فِي كُتُبِ الْمَنْطِقِ وَمَوْضُوعُ عِلْمِ الْكَلَامِ ذَاتُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُنَا الْعِلْمُ ثَابِتٌ