وَفَائِدَتُهُ كَمَا قَالَ دَفْعُ إيهَامِ الْعِبَارَةِ بِدُونِهِ أَنَّ الْإِعْجَازَ بِكُلِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ وَبِالْمُتَعَبَّدِ بِتِلَاوَتِهِ أَيْ أَبَدًا مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ كَمَا قَالَ مِنْهُ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّا قَدْ قَرَأْنَاهَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ، وَلِلْحَاجَةِ فِي التَّمْيِيزِ إلَى إخْرَاجِ ذَلِكَ زَادَ الْمُصَنِّفُ عَلَى غَيْرِهِ الْمُتَعَبَّدُ بِتِلَاوَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهِيَ لَا تَدْخُلُ الْحُدُودَ.
(وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقُرْآنِ (الْبَسْمَلَةُ أَوَّلُ كُلِّ سُورَةٍ غَيْرَ بَرَاءَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَفَائِدَتُهُ) أَيْ فَائِدَةُ حِكَايَةِ أَقَلِّ مَا وَقَعَ بِهِ الْإِعْجَازُ أَيْ مِنْ فَوَائِدِهِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَمِنْهَا التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِلْكُلِّ دُونَ أَبْعَاضِهِ.
(قَوْلُهُ: كَمَا قَالَ) أَيْ فِي مَنْعِ الْمَوَانِعِ دَفْعُ إيهَامٍ إلَخْ أَيْ لِلِاحْتِرَازِ وَلَا لِلْبَيَانِ، فَإِنَّ الْقُيُودَ فِي التَّعْرِيفِ تَكُونُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ.
(قَوْلُهُ: أَيْ أَبَدًا) إنَّمَا زَادَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ تَعَبَّدَ بِهِ فِيمَا مَضَى، وَأَوْرَدَ النَّاصِرُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ التَّأْبِيدَ إلَّا بِوَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يُسَمَّى قُرْآنًا فِي حَيَاتِهِ لِجَوَازِ نَسْخِهِ.
وَأَجَابَ سم بِأَنَّ التَّعْرِيفَ لِلْقُرْآنِ بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَا يَضُرُّ أَنْ يُذْكَرَ فِيهِ قُيُودٌ لَمْ تَكُنْ فِي زَمَانِهِ، فَإِنَّ التَّعَارِيفَ تُعْتَبَرُ فِيهَا حَالُ مَنْ أُلْقِيَتْ إلَيْهِ أَوْ أَنَّ الْأَبَدِيَّةَ شَرْطٌ لِاسْتِمْرَارِ الْقُرْآنِيَّةِ لَا لِثُبُوتِهَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الثُّبُوتِ حَاصِلٌ بِنُزُولِهِ.
(قَوْلُهُ: مَا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ) أَيْ بَعْدَ أَنْ تَعَبَّدَ بِهَا (قَوْلُهُ: وَلِحَاجَةٍ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ زَادَ.
(قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَحْكَامِ) لِأَنَّ التَّعَبُّدَ هُوَ الطَّلَبُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ بِالْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ.
(قَوْلُهُ: وَهِيَ لَا تَدْخُلُ الْحُدُودَ) ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لِإِفَادَةِ التَّصَوُّرِ وَالْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ فَرْعُ تَصَوُّرِهِ، فَلَوْ تَوَقَّفَ تَصَوُّرُهُ عَلَيْهِ يَلْزَمُ الدُّورُ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ الْحَدَّ كَمَا يُرَادُ بِهِ تَحْصِيلُ التَّصَوُّرِ قَدْ يُرَادُ بِهِ تَمْيِيزُ تَصَوُّرٍ حَاصِلٍ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ بِاللَّفْظِ مِنْ بَيْنِ التَّصَوُّرَاتِ وَالْمُرَادُ بِتَحْدِيدِ الْقُرْآنِ تَمْيِيزُ مُسَمَّاهُ عَمَّا عَدَاهُ بِحَسَبِ الْوُجُودِ وَالشَّيْءُ قَدْ يُمَيَّزُ بِذِكْرِ حُكْمِهِ لِمَنْ تَصَوَّرَهُ بِأَمْرٍ شَارَكَهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَالْمُرَادُ هُنَا هَذَا، فَإِنَّ تَحْدِيدَ الْقُرْآنِ بِاللَّفْظِ الْمُنَزَّلِ إلَخْ حَدَّ لَهُ بِمَا يُمَيِّزُهُ عَمَّا لَيْسَ بِقُرْآنٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ عَرَفَ الْإِنْزَالَ وَالْإِعْجَازَ مَعَ بَقِيَّةِ الْقُيُودِ وَلَمْ يَعْلَمْ عَيْنَ الْقُرْآنِ اهـ. زَكَرِيَّا
(قَوْلُهُ: وَمِنْهُ الْبَسْمَلَةُ) عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ فَهِيَ آيَةٌ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَمِنْ كُلِّ سُورَةٍ وَعَلَيْهِ قُرَّاءُ مَكَّةَ وَالْكُوفَةِ وَفُقَهَاؤُهُمَا وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَخَالَفَهُمْ قُرَّاءُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالشَّامِ وَفُقَهَاؤُهَا وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ.
وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ: إنَّهَا آيَةُ الْفَاتِحَةِ فَقَطْ. وَلَمْ يَنُصَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِيهِ بِشَيْءِ وَإِنَّمَا قَالَ: يَقْرَؤُهَا الْمُصَلِّي وَيُسِرُّهَا.
وَقَالَ يَعْلَى سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ عَنْهَا فَقَالَ: مَا بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ قُرْآنٌ، فَقُلْت فَلِمَ سَرَّهُ؟ فَلَمْ يُجِبْنِي. قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: تَوَرَّعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ عَنْ الْوُقُوعِ فِيهَا، فَإِنَّ خَطَرَهَا عَظِيمٌ.
وَقَالَ الْفَنَاِريُّ الْكَبِيرُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ: لَعَلَّ عَدَمَ إجَابَتِهِ لِظُهُورِ وَجْهِهِ، فَإِنَّ أَصْلَ الْحَنَفِيَّةِ الْإِخْفَاءُ فِي الْأَذْكَارِ، وَقَدْ قَالَ جَمْعٌ غَفِيرٌ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْآنِ فَالِاحْتِيَاطُ فِي إخْفَائِهَا اهـ.
قِيلَ وَالْأَصَحُّ الْمَقْبُولُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهَا آيَةٌ فَذَّةٌ وَلَيْسَتْ جُزْءًا مِنْ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ وَالتَّبَرُّكِ بِالِابْتِدَاءِ بِهَا فَلِذَلِكَ أُخِّرَتْ عَنْ الِاسْتِعَاذَةِ وَكُتِبَتْ بِقَلَمِ الْوَحْيِ وَحَبَّرَهُ وَخَطَّهُ فِي الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ الِاسْتِعَاذَةِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى الصَّحِيحِ) أَيْ مِنْ الْخِلَافِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ أَوْ مِنْ الْخِلَافِ عِنْدَنَا لَكِنْ بِتَغْلِيبٍ، فَإِنَّ الْبَسْمَلَةَ أَوَّلُ الْفَاتِحَةِ قُرْآنٌ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَهَلْ هِيَ فِي أَوَائِلِ بَقِيَّةِ السُّوَرِ قُرْآنٌ قَطْعًا أَوْ حُكْمًا لَا قَطْعًا وَجْهَانِ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ كَمَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى الثَّانِي.
وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَمَعْنَى الْحُكْمِ هُنَا أَنَّ لَهَا حُكْمَ الْقُرْآنِ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهَا أَوَّلَ الْفَاتِحَةِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ قَارِئًا لِلسُّورَةِ بِكَمَالِهَا إلَّا إذَا ابْتَدَأَهَا بِالْبَسْمَلَةِ مَعَ تَسْلِيمِ أَنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ قُرْآنًا بِقَاطِعٍ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْحِجْرُ، فَإِنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ حُكْمًا مِنْ حَيْثُ إنَّ الطَّوَافَ لَا يَصِحُّ إلَّا خَارِجَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ مِنْهُ بِقَاطِعٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنَّهَا أَوَائِلُ السُّوَرِ قُرْآنٌ قَطْعًا لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِيمَا بَعْدُ لَا مَا نَقَلَ آحَادًا وَلِاقْتِصَارِ الشَّارِحِ فِي الِاسْتِدْلَالِ هُنَا عَلَى مَا يُفِيدُ الْقَطْعَ وَهُوَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ إلَخْ وَبِكَوْنِهَا قُرْآنًا حُكْمًا يَنْدَفِعُ مَا يُقَالُ: إنَّ الْقُرْآنَ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ التَّوَاتُرِ فَمَنْ زَادَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ يُكَفِّرُ وَمَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْهُ يُكَفِّرُ مَعَ أَنَّهُ لَا تَكْفِيرَ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَمُحَصِّلُ الْجَوَابِ أَنَّ قُرْآنِيَّتَهَا حُكْمِيَّةٌ لَا قَطْعِيَّةٌ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضٌ: إنَّ الْمَسْأَلَةَ ظَنِّيَّةٌ