عَنْ مَدْلُولِ ذَلِكَ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا حَدُّوا الْقُرْآنَ مَعَ تَشَخُّصِهِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ أَوْصَافِهِ لِيَتَمَيَّزَ مَعَ ضَبْطِ كَثْرَتِهِ عَمَّا لَا يُسَمَّى بِاسْمِهِ -
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا بِالدَّلَالَةِ الْوَضْعِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ فِي حَقِّهِ تَعَالَى غَيْرَ الْكَلَامِ النَّفْسِيِّ فِي حَقِّنَا وَوَجْهُ إضَافَتُهُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَهُ تَعَالَى أَنَّهُ صِفَتُهُ وَبِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ تَعَالَى أَنْشَأَهُ بِرُقُومِهِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَمَنَعَ السَّلَفُ مِنْ إطْلَاقِ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ بِهَذَا الْمَعْنَى أَدَبًا وَتَحَرُّزًا عَنْ ذَهَابِ الْوَهْمِ إلَى الْمَعْنَى النَّفْسِيِّ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا حَدُّوا إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ: الْأَشْخَاصُ لَا تُحَدُّ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِّ هُنَا التَّعْرِيفُ وَالْأُصُولِيُّونَ كَثِيرًا مَا يَسْتَعْمِلُونَهُ فِيهِ وَالْمَحَافِظُ عَلَى التَّفْرِقَةِ الْمَنَاطِقَةُ.
(قَوْلُهُ: مَعَ تَشَخُّصِهِ) أَيْ وَذَلِكَ مُغْنٍ عَنْ حَدِّهِ إذْ لَا يَقَعُ فِيهِ اشْتِرَاكٌ وَإِنَّمَا تُعْرَفُ حَقِيقَتُهُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ بِأَنْ يَقْرَأَ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ وَيُقَالُ هُوَ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ بِهَذَا التَّرْتِيبِ وَالْحَدُّ إنَّمَا هُوَ لِلْمَاهِيَّاتِ الْكُلِّيَّةِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الِاشْتِرَاكُ وَكَوْنُ الْقُرْآنِ وَاحِدًا بِالشَّخْصِ وَإِنَّ لَفْظَ الْقُرْآنِ عَلَمٌ شَخْصِيٌّ هُوَ مَا حَقَّقَهُ التَّفْتَازَانِيُّ فِي التَّلْوِيحِ قَالَ: إنَّ الْقُرْآنَ عِبَارَةٌ عَنْ هَذَا الْمُؤَلَّفِ الْمَخْصُوصِ الَّذِي لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُتَلَفِّظِينَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ مَا يَقْرَؤُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا هُوَ الْقُرْآنُ الْمُنَزَّلُ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِلِسَانِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَوْ كَانَ عِبَارَةٌ عَنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْقَائِمِ بِلِسَانِ جِبْرِيلَ لَكَانَ هَذَا مُمَاثِلًا لَهُ لَا عَيْنَهُ ضَرُورَةً أَنَّ الْأَعْرَاضَ تَتَشَخَّصُ بِمُحَالِهَا فَتَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْمُحَالِ اهـ.
أَيْ فَهَذَا التَّعَدُّدُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لُغَةً؛ لِأَنَّ اللُّغَةَ تَنْبَنِي عَلَى الظَّاهِرِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْكَلَامِ الْمُلْتَزَمِ فِيهِ نِظَامٌ وَاحِدٌ، فَإِنْ اُعْتُبِرَ هَذَا التَّعَدُّدَ كَانَ عِلْمَ جِنْسٍ فَلَا مُنَافَاةَ حِينَئِذٍ بَيْنَ مَا قَالَهُ الشَّارِحُ وَقَوْلِ الْكُورَانِيِّ إنَّ الْقُرْآنَ وَالْكِتَابَ لَفْظَانِ مُشْتَرَكَانِ بَيْنَ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَبَيْنَ اللَّفْظِ الْمَتْلُوِّ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعِبَادِ الْحَادِثِ وَعَلَى الْأَوَّلِ كُلٌّ مِنْهُمَا عِلْمُ شَخْصٍ لِذَلِكَ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِذَاتِهِ تَعَالَى وَعَلَى الثَّانِي عِلْمُ جِنْسٍ لِاخْتِلَافِ الْمُحَالِ وَهِيَ أَلْسِنَةُ الْعِبَادِ إذْ اخْتِلَافُ الْمُحَالِ يُنَافِي التَّشَخُّصَ.
(قَوْلُهُ: بِمَا ذَكَرَ) مُتَعَلِّقٌ بِحَدُّوا.
(قَوْلُهُ: لِيَتَمَيَّزَ) أَيْ لَا لِتَصَوُّرِ مَاهِيَّتِه.
(قَوْلُهُ: مَعَ ضَبْطِ كَثْرَتِهِ) أَيْ مَعَ مَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ مِنْ ضَبْطِ كَثْرَةِ أَجْزَائِهِ بِبَيَانِ اشْتِرَاكِهَا فِي الِاتِّصَافِ بِمَا ذَكَرَ، وَهَذَا إشَارَةٌ لِفَائِدَةٍ ثَانِيَةٍ لِحَدِّهِ.
(قَوْلُهُ: عَمَّا لَا يُسَمَّى) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لِيَتَمَيَّزَ أَيْ لِيَحْصُلَ امْتِيَازُ مَدْلُولِ عَمَّا لَيْسَ قُرْآنًا بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ عَرَفَ الْإِنْزَالَ