(إلا) إذا أراد السفر (في قربة) أي لعبادة كحج وغزو (فيقرع) بينهما أو بينهن، فمن خرج سهمها أخذها معه لأن الرغبات تعظم في العبادات.
ولما فرغ من الكلام على أحكام القسم، أخذ يتكلم على أحكام النشوز فقال: (ووعظ) الزوج (من نشزت): أي خرجت عن طاعته بمنعها التمتع بها أو خروجها بلا إذن لمكان لا يجب خروجها له، أو تركت حقوق الله كالطهارة والصلاة، أو أغلقت الباب دونه أو خانته في نفسها أو ماله. والوعظ ذكر ما يقتضي رجوعها عما ارتكبته من الأمر والنهي برفق واختلف في وجوب نفقة الناشز والذي ذكره المتيطي ووقع به الحكم وهو الصحيح أن الزوج إذا كان قادراً على ردها ولو بالحكم من الحاكم، ولم يفعل فلها النفقة، وإن غلبت عليه لحمية قومها، وكانت ممن لا تنفذ فيهم الأحكام فلا نفقة لها.
(ثم) إن لم يفد فيها الوعظ (هجرها) في المضاجع فلا ينام معها في فرش، ولا يباشرها لعلها ترجع عن نشوزها.
(ثم) إن لم يفد الهجر (ضربها) ضرباً غير مبرح ولا يجوز الضرب المبرح وهو الذي يكسر عظماً أو يشين لحماً، ولو علم أنها لا ترجع عما هي فيه إلا به، فإن وقع فهو جان فلها التطليق والقصاص ومحل جواز الضرب (إن ظن إفادته) وإلا فلا يضرب، فهذا قيد في الضرب دون ما قبله لشدته (وبتعديه) أي الزوج على الزوجة بضرب لغير موجب شرعي، أو سب كلعن ونحوه، وثبت ببينة أو إقرار (زجره الحاكم بوعظ فتهديد) إن لم ينزجر بالوعظ، (فضرب إن أفاد) الضرب أي ظن إفادته وإلا فلا، وهذا إن اختارت البقاء معه (ولها التطليق) بالتعدي إذا ثبت (وإن لم يتكرر) التعدي منه عليها، وليس من الضرر منعها من الحمام والنزاهة وضربها ضرباً غير مبرح على ترك الصلاة ونحوها، بخلاف المبرح كما تقدم، (وإن) كانت (صغيرة وسفيهة) ولا كلام لوليها في ذلك.
(وإن أشكل) الأمر فلم يعلم هل الضرر منها أو منه بأن ادعت الضرر وتكررت شكواها، ولم تثبت ذلك أو ادعى كل منهما الضرر، وتكررت منه الشكوى ولم يكن له بينة (أسكنها) الحاكم: أي أمر بسكناها (بين) قوم (صالحين إن لم تكن بينهم) ليظهر لهم الحال، فيخبروا الحاكم بذي الضرر.
(ثم) إن استمر الإشكال والنزاع (بعث) الحاكم (حكمين من أهلهما) أي حكماً من أهله وحكماً من أهلها (إن أمكن)، فإن لم يمكن فأجنبيين.
(وندب كونهما جارين) لأن الجار أدرى بحال الجار (وصحتهما) أي الحكمين أي: شرط صحتهما (بالعدالة) فلا يصح حكم غير العدل، سواء حكم بطلاق أو إبقاء أو بمال، وغير العدل صبي أو مجنون أو فاسق، (والذكورة) فلا يصح حكم النساء (والرشد) فلا يصح حكم سفيه،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
قوله: [إلا إذا أراد السفر في قربة]: أي وهذا هو اختيار ابن القاسم من أقوال أربعة، وهي الاختيار مطلقاً، القرعة مطلقاً، القرعة في الحج والغزو فقط، القرعة في الغزو فقط.
قوله: [ووعظ الزوج من نشزت]: أي إذا لم يبلغ نشوزها الإمام أو بلغه ورجي صلاحها على يد زوجها وإلا وعظها الإمام.
قوله: [ذكر ما يقتضي رجوعها]: أي بما يلين القلب من الوعد بالثواب والتخويف بالعقاب، المترتبين على طاعة الزوج ومخالفته.
قوله: [هجرها في المضاجع]: وغاية الهجر المستحسن شهر ولا يبلغ به أربعة أشهر.
قوله: [غير مبرح) بكسر الراء المشددة. اسم فاعل من برح به الضرب تبريحاً: شق عليه، فالمبرح هو الشاق، وإن ضربه فادعت العداء وادعى الأدب، فإنها تصدق ما لم يكن معروفاً بالصلاح وإلا قبل قوله.
قوله: [دون ما قبله]: أي وهو الوعظ والهجر، فإنه يفعله ولو لم يظن الإفادة، ولا يقال هما من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيشترط فيهما ظن الإفادة، لأنه يقال بل هما من باب رفع الشخص الضرر عن نفسه، بدليل أن في الآية تقدير مضاف وهو: {واللاتي تخافون نشوزهن} [النساء: 34]، أي ضرر نشوزهن، والخوف يصدق ولو بالشك.
قوله: [فضرب إن أفاد]: أي على طبق ما تقدم في وعظ الزوج لها. والحاصل أنه يعظه أولاً إذا جزم بالإفادة أو ظنها، أو شك فيها، فإن لم يفد ذلك هدده بالضرب، فإن لم يفد ذلك ضربه إن جزم بالإفادة أو ظنها.
قوله: [ولا كلام لوليها]: قال المؤلف في تقريره: هذا ظاهر في السفيهة فهو راجع لها دون الصغيرة فالكلام لوليها اهـ.
قوله: [حكمين من أهلهما]: أي لأن الأقارب أعرف ببواطن الأحوال، وأطيب للإصلاح، ونفوس الزوجين أسكن إليهما، فيبرزان ما في ضمائرهما من الحب والبغض، وإرادة الفرقة أو الصحبة.
قوله: [فإن لم يمكن فأجنبيين]: فإن بعث أجنبيين مع الإمكان ففي نقض حكمهما تردد، والظاهر نقضه لأن ظاهر الآية أن كونهما من أهلهما واجب شرط كما في التوضيح.
قوله: [سواء حكم بطلاق]: أي بغير مال، وقوله: [أو بمال] أي في خلع.
قوله: [فلا يصح حكم النساء]: لأن الحكم حاكم وإمام مقتدى به، ولا يصح الحكم من النساء ولا الاقتداء بهن لنقصهن في العقل والدين.
قوله: [فلا يصح حكم سفيه]: اعلم أن السفيه إذا كان مولى عليه كان غير عدل، وإن كان أصلح أهل زمانه لأن شرط العدل أن لا يكون مولى عليه، وإن كان مهملاً فإن اتصف بما اعتبر في العدل فعدل وإلا فلا؛ فقول الشارح فلا يصح حكم