فصل في الوليمة وأحكامها
(الوليمة وهي طعام العرس) بضم العين المهملة (مندوبة) للقادر عليها ولو قبل البناء سفراً وحضراً فلا يقضى بها، وقيل: واجبة فيقضى بها (ككونها) أي كما يندب كونها (بعد البناء) فهو مندوب ثان على المعتمد، وقيل إنما تكون بعد البناء، فإن قدمها لم يكن آتياً بالمندوب.
(تجب إجابة من عين لها) بالشخص صريحاً أو ضمناً ولو بكتاب أو رسول ثقة، يقول له ربها: ادع فلاناً وفلاناً وكذا ادع محلة كذا أو العلماء أو المدرسين وهم محصورون، لا إن لم يحصروا، ولا إن قال له: ادع من لقيته؛ فلا تجب كما لا تجب دعوة لطعام ختان، أو قدوم من سفر، أو لبناء دار، أو لصرفة صبي، أو لختم كتاب ونحو ذلك.
(وإن) كان المدعو (صائماً) فيجب (لا الأكل) وإن لمفطر فلا يجب (إن لم يكن) في المجلس (من يتأذى منه) لأمر ديني، كمن شأنه الخوض في أعراض الناس أو من يؤذيه (أو منكر كفرش حرير) يجلس عليه، هو أو غيره بحضرته (وآنية نقد) من ذهب أو فضة لأكل أو شرب أو تبخير أو نحو ذلك، ولو كان المستعمل غيره بحضرته، (وسماع غانية) ورقص نساء (وآلة لهو) غير دف وزمارة وبوق، (وصور حيوان) كاملة (لها ظل) لا منقوشة بحائط أو فرش، إذا كانت تدوم كخشب وطين، بل (وإن لم تدم) كما لو كانت من نحو قشر بطيخ.
والحاصل أن تصاوير الحيوانات تحرم إجماعاً إن كانت كاملة لها ظل مما يطول استمراره، بخلاف ناقص عضو لا يعيش به لو كان حيواناً، وبخلاف ما لا ظل له كنقش في ورق أو جدار. وفيما لا يطول استمراره خلاف، والصحيح حرمته والنظر إلى الحرام حرام، وأما تصوير غير الحيوان كالسفن والأشجار فلا حرمة فيه، وليس من المنكر ستر الجدران بحرير إذا لم يستند إليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في الوليمة وأحكامها
الوليمة مشتقة من الولم: وهو الاجتماع لاجتماع الزوجين والناس فيها، ومنها أولم الغلام إذا اجتمع عقله وخلقه.
قوله: [وهي طعام العرس]: أي خاصة ولا تقع على غيره إلا بقيد، بأن تقول وليمة الختان مثلاً.
واعلم أن طعام الختان يقال له إعذار، وطعام القادم من سفر يقال له نقيعة، وطعام النفاس يقال له خرس بضم الخاء وسكون الراء، والطعام الذي يعمله الجيران والأصحاب لأجل المودة يقال له مأدبة بضم الدال وفتحها، وطعام بناء الدور يقال له وكيرة، والطعام الذي يصنع في سابع الولادة يقال له عقيقة، والطعام الذي يصنع عند حفظ القرآن يقال له حذاقة، ووجوب إجابة الدعوة والحضور إنما هو لوليمة العرس، وأما ما عداها فحضوره مكروه إلا العقيقة فمندوب كذا في الشامل، والذي لابن رشد في المقدمات: أن حضور الكل مباح إلا وليمة العرس فواجب، وإلا العقيقة فمندوب، والمأدبة إذا فعلت لإيناس الجار ومودته فمندوبة أيضاً، وأما إذا فعلت للفخار والمحمدة فحضورها مكروه.
قوله: [وقيل إنما تكون بعد البناء]: أي وقيل قبل البناء أفضل، وكلام مالك يحتمل أن يكون قاله لمن فاتته قبل البناء لأن الوليمة لإشهار النكاح، وإشهاره قبل البناء أفضل كذا في (بن)، قال البدر: الذي يظهر من كلام ابن عرفة أن غايتها للسابع بعد البناء، فمن أخرها للسابع كانت الإجابة مندوبة لا واجبة.
قوله: [ولو بكتاب]: أي هذا إذا كانت الدعوة مباشرة بأن خاطبه صاحب العرس بنفسه، بل وإن أرسل له كتاباً.
قوله: [ونحو ذلك]: أي من باقي السبعة التي قدمناها لك.
قوله: [وإن كان المدعو صائماً]: محل وجوب إجابة الصائم ما لم يبين له وقت الدعوة أنه صائم، وكان وقت الاجتماع والانصراف قبل الغروب وإلا فلا تجب إجابته.
قوله: [وإن لمفطر فلا يجب]: أي على الراجح لرواية محمد أنه يجيب، وإن لم يأكل، ولقول الرسالة وأنت في الأكل بالخيار وفي الترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من دعي فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك»، وقال ابن رشد الأكل مستحب لقوله - عليه السلام -: «فإن كان مفطراً فليأكل وإن كان صائماً فليصل»، أي يدع، فحمل مالك الأمر على الندب للحديث المتقدم، لأن إعمال الحديثين أولى من طرح أحدهما.
قوله: [وسماع غانية]: بمعنى مغنية إذا كان غناؤها يثير شهوة، أو كان بكلام قبيح، أو كان بآلة من ذوات الأوتار، لأن سماع الغناء إنما يحرم إذا وجد واحد من هذه الثلاثة، وإلا كان مكروها إن كان من النساء لا من الرجال فلا كراهة ما لم يكونوا متشبهين بالنساء، وإلا كان حراماً.
قوله: [وصور حيوان]: في (عب) نقلا عن (ح) أنه يستثنى من المحرم تصوير لعبة على هيئة بنت صغيرة تلعب بها البنات الصغار، فإنه جائز ويجوز بيعها وشراؤها لتدريب البنات على تربية الأولاد، وظاهر هذا أنه يجوز تصويرها واللعب بها للبنات، وبيعها وشراؤها وإن كانت كاملة الخلقة فانظره، مع قول الشارح تحرم إجماعاً إن كانت كاملة.
قوله: [بخلاف ناقص عضو]: مثله ما إذا كان مخروق البطن، وإنما حرمت الصور لما ثبت أن المصورين يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم أحيوا ما كنتم تصورون.
قوله: [والنظر إلى الحرام حرام]: أي كمشي على حبل وكالنط من الطارة واللعب بالسيف للخطر والغرر في السلامة، وفي (بن) عن ابن رشد أن المشهور أن عمل ذلك وحضوره جائز للرجال والنساء