قول الزمخشرقي فكأنهن امتثلن الأمر بالتربص فهو يخبر عنه موجودا والداعي إلى اعتبار هذا أنه لو كان خبراً لزم تخلف إخباره تعالى فيمن خالف ذلك فحمل على ما ذكر لأنه وجه بليغ معروف مثله في كلام العرب ومنهم من قال إنه خبر بمعنى أنه هو المشروع الذي تفعله النساء إذا امتثلن فهو مقيد معنى فلا يلزم تخلف خبره تعالى وهكذا كل ما ورد منه ولا حاجة إلى تأويله وليس التخصيص أقرب من التأويل المذكور نعم له وجه لكن الأوّل أولى. قوله: (تهيج وبعث الخ (بيان لنكتة ذكر الأنفس هنا وعدم ذكرها في الإيلاء لأن في الإيلاء لم يحصل لهن المفارقة وحرمة القربان ليتحقق لهم طموح يحتاج إلى تأكيد بذكر النفس كما هو المعهود في ذكرها والطموج الميل إلى الشيء ومنازعة النفس. قوله: (نصب على الظرف أو المفعول به الخ) تربص بمعنى انتظر يتعدى لمفعول واحد فإن كان هذا ظرفآ فمفعوله مقدر تقديره مضيها أيضا فلذا لم يبينه لأنه يدل عليه ما ذكر أو يتربص الأزواج أو التزويج أو هو المفعول بتقدير مضاف أي مضيّ ثلاثة قروء. قوله: (وقروء جمع قرء الخ (بفتح القاف وضمها وأهل اللغة على أن القرء مشترك بين الطهر والحيض ووروده لكل منهما في الاستعمال والحديث مفروغ عنه وكلام الزمخشريّ مشعر بأنهم اختلفوا في معناه ووضعه، وتعقبه في الكشف بأن الخلاف إنما هو في الأكثر والراجح وما المراد به في هذه الآية واليه أشار المصنف رحمه الله بقوله: وهو يطلق للحيض أي يستعمل له وإلا فالظاهر على الحيض وأثبته بهذا الحديث وهو صحيح أخرجه أبو داود والنسائي " عن عائشة رضي الله عنها وهو صريح في إرادة الحيض " لأن ترك الصلاة فيه ثم أثبت استعماله في الطهر أيضا لكن لا فيه مطلقا بل إذا عقب حيضا بقول الأعشى من قصيدة يمدح بها هوذة أوّلها:
أجئتك تيا أم تركت ندائكا وكانت قتولا للرجال كذلكا
حتى أتى إلى قوله في مدحه:
ولم يسع في العلياء سعيك ماجد ولاذوأنا في الحيّ مثل أنائكا
وفي كل عام أنت جاشم رحلة تشد لأقصاها عزيم عزائكا
مورّثة مالاً وفي المجد رؤحة لما ضاع فيها من قروء نسائكا
يعني أنّ الغزو شغله عن وطء نسائه في الأطهار إذ لا وطء في الحيض فهو متعين كما
في قوله:
قوم إذا حاربوا شذوا مآزرهم دون النساء ولو باتت باطهار
وأمّا تأويل الزمخشري له بأنه مجاز عن العدّة لتصير كناية عن طول المدة أو يراد به الوقت فإنه يرد بمعنا. كقوله:
قرء الثريا أن يكون لها قطر
وقيل: أصل معناه الوقت فلذا يستعمل للحيض والطهر فلا يخفى بعده ولدّا لم يلتفت
إليه المصنف رحمه الله. قوله: (وأصله الانتقال من الطهر إلى الحيض الخ) هذا استدلال بالمعقول في جواب استدلال الحنفية به حيث قالوا لأنّ الحيض هو الدال على براءة الرحم المقصودة من العدّة بأنه بمعنى الانتقال من الطهر إلى الحيض لأنه الدال على براءة الرحم لا الحيض لكنه قيل: إنه مكابرة وقوله: لا الحيض يصح رفعه عطفا على هو ونصبه عطفاً على اسم إن وهذا لا ينافي قوله فيما مضى طهر بين حيضتين لما فيه من الانتقال أيضاً وهو أحد قولي الشافعيّ رحمه الله، قال في المنهاج: وهل يحسب طهر من لم تحض قرأ قولان بناء على أن القراء انتقال من طهر إلى حيض. قوله تعالى: ( {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [سورة الطلاق، الآية: ا] (فاللام هنا للتوقيت كما في قوله: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [سص رة الإسراء، الآية: 78] والمعنى فطلقوهن وقت عدتهن فيعلم منه أن المراد من العدة الطهر لا الحيض إذ الطلاق إنما يشرع فيه والطلاق في الحيض منهيّ عنه وهم أجابوا عنه بأنّ المراد فطلقوهن مستقبلات لعدتهن كما يقال: ألقيته لثلاث من الشهر أي مستقبلات منه، وقيل: إنه لا يدفع التمسك بل يقويه لأنه إنما يقال: ذلك حيث يتصل الفعل بأوّل الثلاث وإذا اتصل التطليق بأوّل العدّة كان بقية الطهر الذي وقع فيه التطليق محسوبا من العذة وفيه المطلوب، وأما الاستقبال لا على وجه الاتصال بل مع تخلل الفصل فليس مدلول اللفظ