يرد أنّ تبديل الشيء لا يكون إلا بعد معرفته فالاستدراك بحاله. قوله: (فيعاقبه الخ) إشارة إلى أنّ قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} أقيم مقام الجواب فإنه لا يترتب على الشرط ولا يتسبب عنه بحسب الظاهر وقيل: إنه من جهة انّ التبديل سبب للإخبار بأنه شديد العقاب كقوله تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [سورة النحل، الآية: 53] . قوله:

(حسنت في أعينهم وأشربت محبتها الخ) في الكشاف المزين هو الشيطان زين لهم الدنيا وحسنها في أعينهم بوساوسه وحببها إليهم فلا يريدون غيرها، ويجوز أن يكون الله قد زينها لهم بأن خذلهم حتى استحسنوها وأحبوها أو جعل إمهال المزين تزيينا فجعل المزين هو الشيطان ليكون المسند والإسناد حقيقة أو المزين هو الله تعالى بمعنى أنّ خذلانه إياهم صار سببا لاستحسانهم الحياة الدنيا وتزيينها في أعينهم فيكون الإسناد مجازا كما في أقدمني بلدك حق أو بأن يكون التزيين عبارة عن إمهال المزين الحقيقي الذي هو الشيطان فيكون المسند مجاراً هنا معنى كلامه فالمزين الحقيقي عنده الشيطان والله مزين مجازاً والمصنف رحمه الله عكس ذلك ورده بعض المحققين المتأخرين فقال: التزيين هو التحسين المدرك بالحس دون المدرك بالعقل ولهذا جاء في بعض أوصاف الدنيا وأوصاف الآخرة والمزين في الحقيقة هو الشيطان فإنه حسن الدنيا في أعينهم وحببها إليهم، وقراءة زبن معلوما على الإسناد دلّه والقاضي أخطأ في المدعي وما أصاب في الدليل، أمّا الأوّل فلأن التزيين صفة تقوم بالشيطان والفاعل الحقيقي لصفة ما تقوم به تلك الصفة وليت شعري ما يقول هذا القائل في الكفر والضلالة وأمّا الثاني فلأنّ مبناه عدم لفرق بين الفاعل النحوي الذي كلا منافيه والفاعل الكلامي الذي بمعزل عن هذا المقام وهذا كله من عدم التأمل لأن الله تعالى نسب التزيين إلى نفسه في مواضع كقوله: {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} [سورة النحل، الآية: 4] وفي مواضع إلى الشيطان كقوله: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} [سورة الأنفال، الآية: 48] وفي مواضحع ذكره غير مسمى فاعله كما هنا فالتزيين إن كان بمعنى إيجادها وابداعها ذات زينة كما في قوله تعالى: {زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} [سورة الصافات، الآية: 6] فلا شك أنّ فاعله هو الله عند النحويين والمتكلمين وان كان بمعنى التحسين بالقول ونحوه من الوسوسة كقوله تعالى: {لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ} [سورة الحجر، الآية: 39] فلا شك أنّ فاعله عندهما الشيطان وظاهر كلام الراغب أنه حقيقة في هذين المعنيين فحيث فسره الزمخشرقي بالمعنى الثاني تعين أن يكون مجازاً إذا أسند إليه تعالى وحقيقة إذا أسند إلى الشيطان، وحيث فسره المصحنف رحمه الله بإيجادها حسنة وجعلها محبوبة في قلوبهم لزم العكس وليس هذا مبنياً على الاعتزال كما زعمه صاحب الانتصاف ولا من عدم الفرق بين الفاعل الحقيقي عند أهل العربية وعند المتكلمين فإنّ الفرق بينهما مشهور وتفصيله في حواشي العضد للأبهري لكن يبقى النظر في عدول المصنف رحمه الله عن المعنى الذي فسره به الزمخشرفي فإن كان بناء على ما توهمه صاحب الانتصاف، وهو المتبادر من كلامه فغير وارد وان كان لمعنى آخر فلينظر وسيأتي لهذا مزيد تفصيل في سورة الأنعام، وقوله: وأعرضوا عن غيرها هو معنى قول الزمخشرفي لا يريدون غيرها حيث زين لهم بحيث اقتصرت

همتهم ووفر حظهم منها فهم يسخرون ممن ليس كذلك أما من جهة عدم الحظ منها أو من جهة اهتمامهم بغيرهما كالمؤمنين ويسخرون إمّا حالية بتقدير وهم يسخرون أو معطوفة على زين وعدل إلى المضارع لقصد الاستمرار، وقوله: يسترذلونهم أي يعدونهم أراذل وعطف الاستهزاء عليه والواو وفي نسخة باً وإشارة إلى أنهما معنيان والثاني وان كان حقيقياً لكنه قذم الأوّل لعمومه، والفوقية إقا مكانية وأشار إليها بقوله: {لَفِي عِلِّيِّينَ} أسورة المطففين، الآية: 18] الخ أو معنوية بمعنى كرامتهم أو التسليط عليهم بالسخرية جزاء لما فعلوه في الدنيا ووضع المظهر موضع المضمر لمدحهم بصفة التقوى مع الإيمان أو ليفيد أنها علة الاستعلاء والاستدراج بالنظر إلى غير المؤمنين والابتلاء بالنسبة إلى المؤمنين وقوله: بغير تقدير أي تضييق وهو بمعنى التقتير وهو المتبادر منه، وقيل: المراد أنه لا يحاسبهم عليه لأنهم يكسبونه حلا وينفقونه طيباً كما قيل: من حاسب نفسه في الدنيا أمن الحساب يوم القيامة. قوله: (متفقين على الحق الخ) قدم هذا الوجه لرجحانه لكن فيه أنّ الاختلاف كان في زمن آديم عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015