والاستفهام إنكاريّ وهو نفي في المعنى فلذا وقع بعده الاستثناء المفرغ ولما كان الإتيان لا يسند حقيقة إليه أوّل بأنّ المراد يأتي حكمه وأمره أو المراد يأتيهم الله ببأسه أي يوصله إليهم لأن أتى قد يتعدى للثاني بالباء فالمأتي محذوف لدلالة ما قبله عليه من التلويح للانتقام، وقوله: بقوله تعالى: {أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} بفتح الهمزة على الحكاية ولم يقل فاعلموا أنّ الله عزيز حكيم لأنّ الدال عليه وصفه بذلك ولا دخل لقوله اعلموا فيه فلا يرد عليه أنّ الصواب أن يقال فاعلموا الخ وهو ظاهر، وجعل ظللاً وظلالاً لا جمع ظلة وإن جاز أن يكون ظلالاً لا جمع ظل ما في الكشاف لتتوافق القراءتان معنى، وقوله: السحاب الأبيض هو أحد القولين فيه وبعضهم فسره بمطلق السحاب ولعله أنسب هنا، وقوله: أو الآتون على الحقيقة إشارة إلى وجه آخر وهو أنّ نسبة الإتيان إلى الله وذكره لأنّ الآتي ملائكته وجنده وذكر الله توطئة لذكرهم

كما في قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [سورة البقرة، الآية: 9] كما مر. واختير التعبير بالماضي في قضاء الأمر دون إتيان البأس للاهتمام به، وقوله: قرأ الخ إشارة إلى أن رجع يكون متعديا ومصدره الرجع قال تعالى: {فَإِن رَّجَعَكَ اللهُ} [سورة التوبة، الآية: 83] وعليه قراءة المجهول ولازما ومصدره الرجوع وعليه قراءة المعلوم والتذكير والتأنيث لأنه مؤنث مجازي ولم يجعل المجهول من أرجع لأنها لغة ضعيفة قوله: (أمر للرسول صلى الله عليه وسلم الخ) قدم كونه أمرا للرسول لكون الأصل في الأمر والخطاب أن يكون لمعين وقد يكون لغير معين كما في قوله ولو ترى قيل: والنكتة فيه إذا صدر منه تعالى أنّ المخلوقات في عظمته سواء وجوّز في الآية أن تكون المعجزة لأنها علامة النبوّة وأصل معنى الآية في اللغة العلامة ومن جملتها الكتب الإلهية والعرف خصها به عند الإطلاق فلذلك حملها عليها ثانياً وأصل سل إسأل فخفف وعلى كل حال فالمراد تقريع بني إسرائيل وكم خبرية أو استفهامية، فإن قيل: على تقدير الخبرية ما معنى السؤال وعلى تقدير الاستفهام كيف يكون السؤال للتقريع والاستفهام للتقرير ومعنى التقريع الإنكار والاستبعاد ومعنى التقرير التحقيق والتثبيت قيل: على تقدير الخبرية، فالسؤال عن حالهم وفعلهم في مباشرة أسباب التقريع أو عن الآيات الكثيرة ما فعلوا بها على تقدير الاستفهام فمعنى التقرير الحمل على الإقرار فإنّ التقرير له معنيان هذا والتثبيت والأوّل لا ينافي التقريع وكم آتيناهم في موضع المفعول به وقيل: في موضع المصدر أي سلهم هذا السؤال وقيل: بيان للمقصود أي سلهم جواب هذا السؤال وقيل: في موضع الحال أي سلهم

قلآ كما آتيناهم وأمّا كلمة كم فمفعول ثان لآتيناهم وليس من الاشتغال كما قال أبو البقاء رحمه الله، ومن آية تمييز على زيادة من وقالوا إذا فصل بين كم ومميزها حسن أن يؤتى بمن الزائدة وإلا فلا وهذا معنى قول المصنف رحمه الله للفصل ويحتمل أنه يريد أنه زيد للفصل بين المفعول والتمييز إذا وقع بعد الفعل المتعذي سواء كانت كم استفهامية أو خبرية وأنكر الرضي زيادة من في مميز الاستفهامية وقال: إنه لم يوجد في كتب العربية ولا في الاستعمال وحمل بعضهم كلام الرضي على ما إذا لم يكن بينهما فاصل وكلام الزمخشريّ وغيره على ما إذا وقع بينهما فاصل وكلام النحاة مخالف له، قال السمين: في إعرابه يجوز دخول من على مميز كم استفهامية كانت أو خبرية مطلقا أي سواء وليها مميزها أو فصل بينهما بجملة أو ظرف أو جار ومجرور على ما قرّره النحاة اهـ. وكذا في البحر فما جمع به غير صحيح وكان الظاهر كم آتاهم لكنه روعي حال المتكلم وهو جائز كما مرّ. قوله: (أي آيات الله فإنها الخ) التبديل التغيير وذلك يكون في الذات نحو بدلت الدراهم دنانير وفي الأوصاف نحو بدلت الحلقة خاتما، والوجه الأوّل ناظر إلى تفسير الآية قبله بالمعجزة والثاني: إلى تفسيرها بالكتب وهذا ناظر إلى معنى التبديل، فالأوّل تبديل ما هو حقه، والثاني تبديل أنفسها بالتحريف والتأويل والنعمة حينئذ من وضع المظهر موضع المضمر ليدل على أنها نعمة إلهية جليلة. قوله:) من بعد ما وصلت إليه الخ الما ذكر أنّ نعمة الله هي الآيات وقد وصفت بالإيتاء فذكر المجيء بعده مع أنّ التبديل لا يتصوّر بدون المجيء وكونه نعمة يقتضي الوصول إليه مستدرك جعل المجيء مجازاً عن معرفتها أو التمكن منها لأنّ ما لم يعلم كالغائب والمراد بالمعرفة معرفة أنها آية ونعمة لا معرفة ذاتها حتى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015