فهو واجب وردّ بأنّ وجوب الذكر مقيد كما تقول إذا حصل لك مال فزك وهو لا يدل على وجوب القيد بل الوجوب عند حصول القيد، وتحقيقه أنّ الإفاضة قيد للوجوب لا للواجب كأنه قيل: ائتوا بذكر
كائن عند الإفاضة الثاني أنّ في ثم أفيضوا دلالة على تقدير أمر يعطف هو عليه كأنه قيل: أفيضوا من عرفات ثم لتكن إفاضتكم من حيث أفاض الناس الثالث أن الفاء في فإذا أفضتم لتعلقها بقوله: فمن فرض تدل على ترتب الإفاضة على الحج من غير مهلة وتراخ وهو معنى وجوبها المقتضي لوجوبه وفيه بحث. قوله: (وفيه نظر الخ) يعني أنّ الذكر بمزدلفة غير واجب حتى تكون الإفاضة مقدمة للواجب ويكون الوقوف بعرفات مقدمة للإفاضة وأيضا الأمر بالذكر غير مطلق بل مقيد بقوله: فإذا أفضتم الخ فلم يكن الوقوف بعرفة مقدمة للواجب المطلق ليتصف بالوجوب لأنّ الواجب المقيد بقيد لا يجب تحصيله فلا يكون الموقوف عليه واجباً، وقوله: بصلاة العشاءين لأنّ الصلاة تسمى ذكرا وهي تصلى ثمة. قوله: (جبل يقف عليه الإمام الخ) قزح بوزن عمر اسم جبل بمزدلفة ممنوع من الصرف والمأزم بالهمز وكسر الزاي مضيق بين جبلين ومحسر بكسر السين المهملة المشددة واد معروف، والغلس ظلمة آخر الليل والحديث صحيح رواه مسلم ووجه التأييد أنه ذلك الموضع بعينه لا مطلق مزدلفة كما في الثاني وقوله: فإنه أفضل إشارة إلى أنّ الأمر ليس للوجوب وأمّا قوله: إلا وادي محسر فلأنّ آخره أوّل منى كما ذكره الطحاوي فليس كله موقفا فلا يرد نظر النحرير عليه. قوله: (كما علمكم الخ) الوجهان مطردان إن جعلت ما كافة أو مصدرية والفرق بين الوجهين أنّ الأول للتقييد أي على النحو الذي هداك إليه ولا تعدل عما هديت إليه كما تقول افعل كما علمتك والثاني للتشبيه كما تقول! خدمه كما أكرمك يعني لا تتقاصر خدمتك عن إكرامه، قيل: مبني الفرق على أنّ الهداية الدلالة الموصلة أو المطلقة وقيل: الكاف للتعليل وأيضا الهداية في أحدهما مطلقة وفي الآخرة مقيدة، وقيل: محل كما هداكم النصب على المصدرية بحذف
الموصوف وعلى الكافة لا عامل له كما أنه لا معمول له لأنه لم يبق حرفا بل يقيد من جهة المعنى فقط وهذا الذي ذكره من كون حرف الجرّ إذا كف عن العمل لا متعلق له ظاهر. قوله: (أي من عرقة لا من المزدلفة الخ) المراد بالناس الجمهور والتعريف للجنس وإفاضتهم من عرفة وجمع اسم مزدلفة لاجتماع آدم وحوّاء بها أو لغير ذلك. قوله: (وثم لتفاوت ما بين الإفاضتين الخ) قال النحرير: لما توجه أنّ الإفاضتين من عرفات فما وجه العطف بثم الدالة على التراخي عن الأمر بالذكر المقارن لها بل المتأخر عنها فأجاب بأنّ موقعها موقع ثم في قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير الكريم لما مرّ من دلالة إذا أفضتم الخ على وجوب الإفاضة من عرفات وأنّ معنى ثم أفيضوا لتكن إفاضتكم منه لا من المزدلفة فكأنه قيل: أفيضوا من عرفات ثم لا تفيضوا من المزدلفة لأنّ الأولى صواب والثانية خطأ وبينهما بون بعيد وهذا مما يقرّر تفاوت المرتبة وتباعدها وهو وان كان إنما يعتبر بين المتعاطفين وهو عدم الإحسان إلى غير الكريم وعدم الإفاضة من المزدلفة لكن قد جرت عادته أن يعتبر التفاوت بين المعطوف عليه وما دخله حرف النفي من المعطوف لا نفسه، وأمّا الاعتراض بأنّ التفاوت يفهم من كون أحدهما مأمورا به والآخر منهياً عنه سواء كان العطف بثم أو بالفاء أو بالواو فليس بشيء نعم يرد أنّ هذا إنما يطابق المثال لو أريد أفيضوا إلى منى من غير تعيين عرفات أو أريد في المثال أحسن إلى الناس الكرام وأمّا إذا أجرى الناس على الإطلاق وقد تقرّر أن فإذا أفضتم يدل على وجوب الإفاضة من عرفات فلا مطابقة إلا أنه لا يضر بالمقصود في موقع ثم والحاصل أنّ أفيضوا عطف على فاذكروا قصداً إلى التفاوت بينه وبين ما يتعلق باذكروا وهو إذا أفضتم الخ وهذا من دقيق هذا الكتاب ويؤخذ منه أن التفاوت يكون بتفضيل أحد المتعاطفين سواء كان الأوّل أو الثاني كما أشار إليه في الكشف وأنّ التفاوت يكون بينهما بالذات وبين متعلقيهما فافهم.
تنبيه: ذكر ابن إسحق في سيرته أن قريشاً كانت تسمي الحمس لتشدّدهم في الدين وكانوا لتعظيمهم الحرم تعظيما زائداً ابتدعوا أنهم