لما تحققت من الفرق الذي بينهما كذا قيل، ومن الناس من اتبعه فيما ذكر الآ أنه جعله مع ما قبله وجهاً واحداً ولا وجه له، وقيل يرجع معطوف على يجازيهم والاستعارة معتبرة في المسند إليه بأن شبه بالمستهزىء بسبب رجوع وبال الاستهزاء إليهم، ويجوز أن يكون من المجاز المرسل لإطلاق اسم السبب على المسبب فإنّ استهزاءهم سبب لرجوع وباله عليهم، وقيل: إنه كناية عن اختصاص ضرر الاستهزاء بهم كما في قوله تعالى {وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم} [البقرة: 9] وقيل: هدّا تجوّز في الإسناد وما قبله في المسند، فالاستهزاء مجاز فيه، وفي هذا على حقيقته غير أنه أسند إلى غير ما هو له تشبيهاً لمن يردّ وبال الاستهزاء على المستهزىء بالمستهزىء، لكن قوله: أو ينزل بهم الحقارة إلخ لا يلائص4 لأنه أيضا تجوز في المسند فيجعل ردّ وبال الاستهزاء أيضا معنى مجازياً للاستهزاء لشبهه به، والحق أنه على هذا فيه استعارة مكنية، وتخييلية بجعل الله جل جلاله كالمستهزىء بهم، واثبات الاستهزاء له تخييلاً، وعبارة المصنف رحمه الله نص فيه، ولا بأس عليه وهذا أحسن مما ذكروه لما فيه من التكلف والتعسف، فإن قلت: إذا لم يتصف البارىء بالاستهزاء حقيقة لا يطلق عليه المستهزىء وتشبيهه تعالى بغيره لا يخلو من الكدر قلت: إذا صح تشبيه، فعله تعالى، وهو العقاب ورد وبال الأفعال الرديئة على أصحابها بالاستهزاء، فلا مانع من إطلاق المستهزىء عليه، كما أطلق الخادع ونحوه في قوله {وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142] {اللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30] ورب شيء يصح تبعاً ولا يصح قصدا، وله تعالى أن يطلق على ذاته المقدسة ما يثاء تفهيما للعباد وتجليا لعيون المعاني في مرائي الألفاظ. وقوله: (يرجع) معطوف على فوله مقابلة اللفظ باللفظ كما في قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ} [الملك: 9 ا] والوبال بالفتح من وبل المربع بالضم إذا وخم ولما كان عاقبة المرعى الوخيم إلى الشرّ صار خقيقة في؟ ل شرّ وسوء عاقبة وهو المراد. قوله: (أو ينزل بهم الحقارة إلخ) البوار كالهلاك وزنا ومعنى، وينزل مضارع انزل الغائب، وعلى هذا هو مجاز
مرسل بعلاقة انلزوم العادي، أو السببية في التصوّر والمسببية في الوجود وفائدته التنبيه على أنّ حالهم حقيق بأن يسخر منه ويهزأ به. وقوله: (والنرض! منه الخ) وجه آخر وعلاقة أخر! ، أو هو تفسير للازم وهو الأظهر الذي مشى عليه ا! ئر، فسمي لازم الاسنهزاء استهزاء وعطف هذا كالذي فبله، وفي شرح الكشاف يعني أنه مجاز عما هو بمنزلة الغاية للاستهزاء، فيكون من إطلاق المسبب على السبب نظرا إلى التصوّر وبالعكس نظرا إلى الوجود. قوله: (أو يعاملهم معاملة المستهزىء إلخ) أي يفعل بهم فعله وأصل المعاملة التصرّف في الأمور، وهذا هو الجواب الأخير وهو الذي ذكره في انكشاف بقوله، ويجوز أن يراد به ما مرّ في يخادعون من أنه يجري عليهم أحكام المسلمين في الظاهر، وهو مبطن بادّخار ما يراد بهم، وهو محتمل للاستعارة التبعية والتمثيلية، وأمّا كلام المصنف فنص في التمثيل لا يكاد يحتمل خلافه لذكره أوّلاً التجوّز في الطرفين، ومن لم يتنبه لهذا اغتر بقول بعض شرّاح الكشاف أنّ الاستعارة تبعية، فتوهم اتحاد كلام المصنف، وما في الكشاف فقال: إنها استعارة تمثيلية، أو تبعية تخييلية شبه صورة صنع الله معهم في الدنيا بإجراء أحكام الإسلام واستدراجهم بإدرار النعم، والإمهال مع أنهم من أهل الدرك الأسفل بالاستهزاء إلى آخر ما ذكروه والاستدراج الإدناء من الشيء درجة، وسيأتي تحقيقه في قوله تعالى {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [القلم: 44] وقوله بالإمهال متعلق بقوله بالاستدراج، والزيادة بالجر معطوف عليه. وقوله: (على التمادي إلخ) ظرف مستقرّ في موضع الحال قال المرزوقي: قولهم على أنه يكون كذا يجري في كلام العرب مجرى الاستدراك، وهو في موضع نصب على الحال وهذا كما تقول ما أترك حقه على ظلع بي أي أؤدّيه ظالعاً فمن قال: إنه متعلق باستدراجهم لم يصب، والتمادي في الشيء اللجاج والمداومة عليه، وأصله تمادد فأبدل أحد المثلين حرف علة للتخفيف وقيل: المدى الغاية والتمادي بلوغها. قوله: (فبأن يفتح لهم الخ) بيان لاسنهزاء الله بهم في الآخرة، وقد مرّ أن الاستهزاء والسخرية، كما يكون بالكلام يكون بالفعل، وهذا من الثاني، وهذا مأخوذ من حديث أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت عن الحسن قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إنّ المستهزئين بالناس يفتح لأحدمم باب إلى الجنة فيقال هلم هلم فيجيء بكربه وغمه فإذا جاء