ومن خطه نقله قونه على المكان: كأنه أخذه من قول العربي لأهزأنّ على مكاني، وهذا لا يقتضي أنّ المكان داخل في تفسير هذا وأدخل نون التأكيد لأنّ هذه الأفعال تتلقى بما يتلقى به القسم قال: ولقد علمت لتأتين منيتي.

وظن كعلم اهـ. والهزء في قوله: من الهزء بزنة الضرب، وما اعترض به من عدم التدبر، فإن قوله على مكانه بمعنى فجاة كأنه لم يمهل حتى ينتقل عن مكانه إلى محل آخر، خلا بد من دخوله في تفسيره وهو كأاية كما ذكر. قوله: (يجازيهم على استهزائهم) بيان لحاصل

المعنى والمجازاة المكافأة والمقابلة ويتعدى بالباء وعلى، وقال الراغب: جزيته بكذا وجازيته ولم يجيء في القرآن إلا جزى دون جازى وذلك لأنّ المجازاة هي المكافاة والمكافاة مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها ونعمة الله تتعالى عن ذلك، ولهذا لا يستحمل لفظ المكافة في الله تعالى. اهـ ويرد عليه قوله تعالى {وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ: 7 ا] وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى. قوله: (سمى جزاء الاستهزاء باسمه إلخ) قيل لما كان الاستهزاء بمعنى السخرية محالا على الله تعالى لكونه جهلا لقول موسى عليه الصلاة والسلام {أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة: 67] في جواب {؟ أتتخذنا هزؤا} [القرة: 67] أحتيج إلى التأويل، فذكر المصنف رحمه الله وجوها مدار الأوّلين منها على اعتبار الاستهزاء في جانب المستهزأ بهم، وجعل المذكور جزاء له على الأوّل، وارجاع وباله عليهم على الثاني، ومدار الأخيرين على اعتبار الاستهزاء المذكور في جانب المستهزىء وجعله مجازاً عن إنزال الغرض! منه بهم على الأوّل وعن المعاملة معهم معاملة المستهزىء على الثاني.

(أقول) تبع في هذا الإمام ومن حذا حدّوه وفي مدعاه ودليله ما لا يخفى أمّا الأول: فلأنّ

حقيقة الاستهزاء التحقير على وجه من شأنه أنّ من اطلع عليه غيره يتعجب منه ويضحك، وأيّ استح لله لة في وقوع هذا من الله وأمّا الثاني: فلأنه لا وجه لكونه جهلاً، وأمّا الآية فسيأتي تأويلها ولو سلم فامتناعه من البشر لا يقتضي إمتناعه من الله على ما فصله علم الهدى في التاويلات، وقال السمرقندي في تفسيره ذهب الحسين بن النجار، وطائفة من أهل التأويل أنّ الاستهزاء هنا على حقيقته وهو مما يوصف به الله من غير مانع واليه ذهب أهل الحديث قالوا: وإنما لم يجز من الخلق لما فيه من النقص والجهل، وهذا مما لا يتصوّر في حقه، فليس في الوصف به ضير كالتكبر، ومنعه من قياس الغائب على الشاهد، وذهب كثير من أهل السنة والجماعة إلى أنه لا يوصف به الله تعالى حقيقة لما فيه من تقرير المستهزأ به على الجهل الذي فيه ومقتضى الحكمة والرحمة أن يريه الصواب، فإن كان عنده أنه ليس متصفاً بالمستهزأ به، فهو لهو ولعب لا يليق بكبريائه فلذا أولوا هذه الآية بما ذكره المصنف كغيره. قوله: (إمّا لمقابلة اللفظ باللفظ إلخ) هذا بناء على أنّ الاستهزاء لا يليق به تعالى ولا يجري عليه حقيقته، ولا بذ من تأويله واقترانه بمسوغ له كأن يقال أطلق على مجازاة الله لهم لما بين الفعل وجزائه من الملابسة القوية، ولما في الأوّل من السببية مع وجود المشاكلة المحسنة، ولذا تعدى بما تعدى به الآخر، فالمراد بالمقابلة المشاكلة، وأمّا تحقيقها من أي أنواع المجاز هي وهل تجامع الاسنعارة أم لا فسيأتي عن قريب، وهذا هو الوجه الأوّل من وجوه التأويل. قوله: (أو لكونه مماثلاَ له (يعني أنه استعارة تبعية بعلاقة المشابهة في المقدار، وقيل: إنه مجاز مرسل بجعل جزاء الاستهزا، تابعاً له مترتبا عليه مناسباً له في القدر وفيه نظر وعليهما فقد أطلق عليه تنبيها على عدله في الجزاء كما قال تعالى {جَزَاء وِفَاقًا} [النبأ: 26] وهذا هو الوجه

الثاني. قوله: (أو يرجع وبالى الاستهزاء عليهم) يرجع بضم الياء من الإرجاع مبنياً للفاعل أو المفعول، أو بفتحها من الرجع أو الرجوع، لأنّ رجع يكون متعدّيا ولازما كما ذكره شراح الحماسة في قوله:

عسى الأيام أن يرج! ش قوماً كالذي كانوا

وقيل: إنه من المتعدي وليس بلازم. وقوله: (فيكون افلأ تقدس وتعالى كالمستهزىء

بهم) في صدوا ما يترتب على الاستهزاء فيكون الاستهزاء استعارة لردّ وخامة استهزائهم عليهم للمشابهة في ترتب الأثر، فيكون يستهزىء استعارة تبعية أيضا لكن بوجه يغاير الوجه الأوّل، فبطل ما قيل إنّ العطف بأو في قوله: أو يرجع ليس كما ينبغي لأنّ مؤدّى المعطوفين واحد اللهمّ إلا أن يحمل الأوّل على الجزاء الأخروي، والثاني على الدنيوي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015