(من أجل العلوم قدرا وأدقها سرّا إذ به) أى: بعلم البلاغة وتوابعها لا بغيره من العلوم كاللغة والصرف والنحو (تعرف دقائق العربية وأسرارها) ...
===
موضوع علم البلاغة بالحيثية المعتبرة فى موضوعات العلوم وله غاية أيضا؛ فجعله علما مستقلا من العلوم الأدبية أوجه، ولما كان تابعا للمعانى والبيان غلبا عليه فى الحكم بالأجلية والأدقية، وأجرى التعليلين بناء على ذلك.
(قوله: من أجل العلوم) أتى ب" من" للإشارة إلى أنه ليس أجل العلوم على الإطلاق بل من الطائفة التى هى من أجل العلوم، وهذا لا ينافى أن من تلك الطائفة ما هو أجل منه كعلم التوحيد وعلم الشرائع.
(قوله: قدرا) أى: منزلة ومرتبة، وهو تمييز محول عن الفاعل وهو اسم كان أى: لما كان قدر علم البلاغة وسره من أجل أقدار العلوم ومن أدق أسرارها، وقال عبد الحكيم: إنه تمييز من نسبة الأجل إلى العلوم محول عن الفاعل أى: فلما كان علم البلاغة من طائفة علوم أجل قدرها من العلوم، وكذا قوله: " سرّا" أى: من علوم أدق سرها من المعلوم، ولا يلزم عمل اسم التفضيل فى الظاهر، فإنّ التقدير مجرد اعتبار لا استعمال.
(قوله: سرّا) أى نكات فأسراره ونكاته من جملة الدقيق من أسرارها، وفى الأجل والأدق صنعة الطباق، وفى" قدرا" و" سرّا" من عيوب القافية المطلقة الاختلاف بالتخفيف والتشديد.
(قوله: إذ به تعرف ... إلخ) هذا الدليل على غير ترتيب اللف، وإنما لم يسلك ترتيب اللف لكون الكشف عن وجوه الإعجاز متوقفا على معرفة دقائق العربية المذكور فى هذا الدليل.
(قوله: لا بغيره) إشارة إلى الحصر المستفاد من تقديم المعمول، وقوله: " من العلوم" إشارة إلى أن الحصر إضافي، وإلا فقد تعرف دقائق اللغة العربية بغير علم كإلهام أو سليقة كالعرب.
(قوله: دقائق العربية) أى دقائق اللغة العربية ونكاتها.
(قوله: وأسرارها) عطف تفسير إن كان الضمير فيه راجعا إلى العربية أى دقائق العربية وأسرار العربية، والمراد بهما المعانى المدلول عليها بخواص التراكيب من التقديم والتأخير والتأكيد وعدمه، وهى مقتضيات الأحوال، وعطف مغاير إن كان الضمير راجعا للدقائق أى دقائق العربية وأسرار تلك الدقائق، وعلى هذا فيراد بالدقائق الأحوال وبالأسرار النكات التى تقتضيها تلك الأحوال، والأول: كالشك وخلو الذهن، والثاني: كالتأكيد وعدمه.