لكونه منعما، سواء كان باللسان أو بالجنان أو بالأركان، ...

===

فتحصل من هذا أن اعتقاد الشاكر اتصاف المنعم بصفات الكمال يدل على الشاكر وغير الشاكر ممن له اطلاع عليه بإلهام أو بزوال المانع، واطلاع على السرائر أو بقول أو بفعل من الشاكر على تعظيم المنعم، ولا يقال: إن الاطلاع على ذلك الاعتقاد إذا كان بقول أو فعل من الشاكر، فالمنبىء عن التعظيم حينئذ إنما هو ذلك القول أو الفعل لا الاعتقاد؛ لأنا نقول الموجود من الشاكر حينئذ شكران: أحدهما بالجنان والآخر باللسان أو بالأركان، والذى بالأركان أو اللسان دال على الجنان، وكل من الجنان وغيره دال على تعظيم المنعم الأول بواسطة، والثانى بدونها، فظهر لك أن حصر المعترض الإنباء فى القول الذى هو الشكر اللساني، والفعل الذى هو الشكر الأركانى ممنوع؛ بقى شىء آخر، وهو أن الشكر الجنانى هو اعتقاد عظمة المنعم، وهو لا يصح إنباؤه عن تعظيم المنعم؛ لأن المراد بالتعظيم المذكور التعظيم عند الشاكر لا بحسب نفس الأمر، وهو اعتقاد العظمة أيضا، والشيء لا ينبئ عن نفسه، وأجيب بأن الشكر الجنانى اعتقاد اتصاف المنعم بصفات الكمال، وهو مغاير لاعتقاد العظمة؛ لأنه أعم منه والعام ينبىء عن الخاص أى يدل عليه.

(قوله: بسبب كونه منعما) متعلق ب" تعظيم"، وفيه أن هذا معلوم من قوله قبل عن تعظيم المنعم؛ لأن تعليق الحكم بمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق، وأجيب بأن هذا تصريح بما علم التزاما لكون دلالة الالتزام مهجورة فى التعاريف، وقوله: " بسبب كونه منعما" أى: على الشاكر أو غيره.

(قوله: سواء كان) أى: الفعل، وقوله: " باللسان" أى: صادرا من اللسان.

(قوله: أو بالجنان) أى: أو كان ذلك الفعل صادرا من الجنان أى: القلب، والفعل الصادر منه هو اعتقاد اتصاف المنعم بصفات الكمال كما علمت، واعلم أن المعتقد لا يقال له شاكر إلا إذا انقاد وأذعن، وإلا فلا يعد اعتقاده شكرا كما في الإيمان أفاده شيخنا العلامة العدوى.

(قوله: أو بالأركان) أى الجوارح، و (أل) للجنس فيصدق بجارحة واحدة كما لو أكرمتنى فقبلت يدك أو وضعت يدى على صدرى لك أو قمت لك إجلالا، واعلم أن عمل الجوارح لا يقال له: شكر إلا إذا كان خدمة لا إن كان بطريق الإعانة والترحم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015