وهذه المواضع الثلاثة مما يبالغ المتأخرون فى التأنق فيها وأما المتقدمون فقد قلّت عنايتهم بذلك (وجميع فواتح السور وخواتمها واردة على أحسن الوجوه وأكملها) من البلاغة لما فيها من التفنن وأنواع الإشارة ...
===
وفى ختم الكتاب بهذا البيت إشارة إلى أن هذا الكتاب قد ختم، وكأن مؤلفه يدعو له بأنه يبقى بين أهل العلم بقاء الدهر؛ لأن بقاءه نفع صرف لجميع البرايا، وأنه متضمن لزبد جميع ما صنف فى هذا الفن
(قوله: وهذه المواضع الثلاثة) يعنى الابتداء والتخلص والانتهاء
(قوله: فقد قلّت عنايتهم بذلك) أى: للسهولة وعدم التكلف لا لقصورهم وعدم معرفتهم بذلك
(قوله: وجميع فواتح السور) أى: القرآنية وخواتمها، والفواتح والخواتم: جمع فاتحة وخاتمة أى: ما به افتتاحها وما به اختتامها من جمل ومفردات، والسور: جمع سورة وهى جملة من القرآن مشتملة على فاتحة وخاتمة وآى أقلها ثلاث، ويقال فيها سؤرة بالهمز وتركه، فبالهمز: مأخوذة من أسأر إذا أفضل بقية من السؤر أى: من المشروب، وإنما سميت بذلك؛ لأنها فضلة وبقية من القرآن، وأما بلا همز فأصلها من المهموز لكنها سهلت فهى مأخوذة مما علمت على كل حال، وقيل:
إنها على الثانى مأخوذة من السور وهو البناء المحيط بالبلد، سميت بذلك؛ لإحاطتها بآياتها كإحاطة البناء بالبلد، ومنه السوار لإحاطتها بالساعد، وذكر بعضهم أن السورة تطلق على المنزلة المرتفعة سميت الجملة من القرآن بذلك لارتفاع شأنها من أجل أنها كلام الله
(قوله: واردة على أحسن الوجوه) أى: آتية ومشتملة على أحسن الوجوه أى:
الضروب والأنواع التى هى مقتضيات الأحوال، فقول الشارح: من البلاغة حال من الوجوه أى: حالة كون تلك الوجوه متعلق البلاغة
(قوله: وأكملها) عطف مرادف وأتى به المصنف إشارة إلى أن كتابه قد كمل فهو براعة مقطع
(قوله: لما فيها من التفنن) أى: ارتكاب الفنون أى: العبارات المختلفة، وهذا علّة لقوله واردة إلخ
(قوله: وأنواع الإشارة) أى: اللطائف المناسب كل منها لما نزل لأجله ومن خوطب به، وهذا- أى قوله: لما فيها من التفنن وأنواع الإشارة- راجع لفواتح السور، وذلك كالتحميدات المفتتح بها أوائل بعض السور كسورة الأنعام والكهف وفاطر وسبأ،