===

التورية بذكر ما يلائم المعنى القريب تارة يكون قبلها وتارة يكون بعدها، فمثل المصنف بقوله: نحو وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ (?) للترشيح الواقع قبلها وذلك لأن الأيدى جمع يد واليد تطلق على الجارحة المخصوصة وهو المعنى القريب لها، وتطلق على القوة والقدرة وهو معنى بعيد، أريد فى الآية معناها البعيد وهو القدرة اعتمادا على قرينة خفية وهى استحالة الجارحة على الله تعالى (?)، وقد قرن بها ما يلائم المعنى القريب الذى هو الجارحة المخصوصة وهو قوله بنيناها، إذ البناء الذى هو وضع لبنة على أخرى يلائم اليد بمعنى الجارحة، وأما ملائم القدرة فهو الإيجاد والخلق لا يقال البناء يقتضى القدرة أيضا فكما أنه يلائم المعنى القريب يلائم البعيد أيضا، لأنا نقول طلب البناء واقتضاؤه لليد أتم، وحينئذ فقوله بنيانها ترشيح للتورية الكائنة فى قوله: بأيد وهو متقدم عليها.

ومثال ما إذا كان ترشيح التورية واقعا بعدها قول القاضى عياض فى وصف فصل ربيع وقعت فيه برودة مع أن شأن فصل الربيع الذى أوله الحمل الدفء وعدم البرودة:

كأنّ" كانون" أهدى من ملابسه ... لشهر" تمّوز" أنواعا من الحلل (?)

أو الغزالة من طول المدى خرفت ... فما تفرّق بين الجدى والحمل

يعنى: كأن الشمس من كبرها وطول مدتها صارت خرفة قليلة العقل فنزلت فى برج الجدى فى أوان الحلول فى برج الحمل، فأراد بالغزالة معناها البعيد وهو الشمس، وقد قرن بها ما يلائم المعنى القريب الذى ليس بمراد أعنى: الرشأ الذى هو ولد الظبية حيث ذكر الخرافة وهو بعد التورية، وكذا ذكر الجدى والحمل مرادا بهما معناهما البعيد وهما البرجان والقريب للجدى ولد العنز والقريب للحمل ولد البقرة، وهذه التورية مجردة لأنها لم تقترن بشىء مما يلائم المعنى القريب، والحاصل أن التورية فى الغزالة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015