إلا بين الاتقاء والاستغناء؛ فبّينه بقوله: (والمراد ب (استغنى) أنه زهد فيما عند الله تعالى كأنه استغنى عنه) أى: عما عند الله تعالى (فلم يتق أو) المراد باستغنى:
(استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة فلم يتق) ...
===
مجموع تيسره لليسرى ومجموع تيسره للعسرى لا بين الجزأين الأولين منهما لاتحادهما وعدم المقابلة بينهما ولا بين المجرورين فى الجزأين لما نقل فى الإيضاح إنها إنما تكون بين المستقلين والمجرور هنا لا يستقل فلا تقع به المقابلة والمراد بالمستقل ما لا يكون تماما لغيره كأن يكون الحرف صلة لغيره
(قوله: إلا بين الاتقاء والاستغناء) أى: فإن التقابل بينهما فيه خفاء؛ وذلك لأن الاستغناء إن فسر بكثرة المال أو بعدم طلب الدنيا للقناعة فلا يكون مقابلا للتقوى، وإن فسر بشىء آخر غير ما ذكر كان محتاجا لبيانه لأجل أن تتضح مقابلته لا نفى، فلذا قال المصنف والمراد
(قوله: أنه زهد فيما عند الله) أى: من الثواب الأخروى، وليس المراد به كثرة المال. يقال: زهد فى الشىء وعن الشىء رغب عنه ولم يرده، ومن فرق بين زهد فى الشىء وعن الشىء فقد أخطأ كما فى المغرب
(قوله: كأنه استغنى عنه) أى: فصار بترك طلبه كأنه استغنى عنه أى: لا يحتاج إليه مع شدة حاجته إليه؛ وذلك لأن العاقل لا يترك طلب شىء إلا إذا كان مستغنيا عنه فعبر بالاستغناء عن ترك طلب ما عند الله تعالى على وجه الترفع عنه إنكارا له وترك طلبه كذلك كفر، وإذا كان كافرا فلم يتق الكفر
(قوله: أو استغنى بشهوات الدنيا) أى: أو المراد باستغنى أنه استغنى بشهوات الدنيا المحرمة عن طلب نعيم الجنة، إما لإنكاره إياه فيكون كافرا فلم يتق الكفر فيعود إلى الوجه الأول، وإما أن يكون ذلك سفها وشغلا باللذة المحرمة عن ذلك النعيم فلم يتق المحرمات، وإنما قيدنا الشهوات بالمحرمة؛ لأن كل من لم يرتكب المحرمة أصلا لا يخلو شرعا وعادة من طلب النعيم الأخروى، وإنما المستلزم لعدم التقوى هو الاستغناء باللذات المحرمة فعدم الاتقاء ليس هو نفس الاستغناء بالشهوات، بل الاستغناء ملزومه؛ لأنه فسر الاستغناء بالشغل بمحرم والشغل بالمحرم يستلزم نفى التقوى التى هى الطاعة بخلاف تفسيره بالزهد فيما عند الله بمعنى الكفر بما عنده تعالى فهو أظهر فى الدلالة.