لأن الانتقال فيهما من الملزوم إلى اللازم فهو كدعوى الشىء ببينة) فإن وجود الملزوم يقتضى وجود اللازم لامتناع انفكاك الملزوم عن لازمه ...
===
ويكون ذكر الكناية والتصريح بعد المجاز والحقيقة من باب ذكر الخاص بعد العام للتنبيه على الأهمية؛ لأن السبب الموجب لأكثرية المبالغة فى الكناية مع التصريح فيه خفاء، حيث قيل إن الكناية يراد بها المعنيان معا فلا تنهض فيها العلة الآتية على وجه الوضوح، ويحتمل أن يراد بالمجاز ما سوى الكناية من أنواع المجاز بدليل ذكرها بعده وهو الأقرب.
(قوله: لأن الانتقال فيها) أى: فى المجاز والكناية من الملزوم إلى اللازم، فلا يفهم المعنى المراد من نفس اللفظ، بل بواسطة الانتقال من الملزوم إلى اللازم، أما فى المجاز فظاهر أنه لا يفهم الرجل الشجاع من نفس قولك: رأيت أسدا فى الحمام، بل بواسطة الانتقال من الحيوان إلى لازمه وهو الشجاع، وأما فى الكناية فلأن اللازم الذى قيل إن الانتقال فيها منه إلى الملزوم قد تقدم أنه ما دام غير ملزوم لم ينتقل منه، فصح أن الانتقال فيها من الملزوم أيضا، فالمراد بالملزوم بالنسبة لها الملزوم فى الذهن، ومن كان لازما فى الخارج
(قوله: فهو كدعوى الشىء ببينة) أى: وإذا كان الانتقال فيهما من الملزوم إلى اللازم، فذلك اللازم المنتقل إليه من الملزوم كالشىء المدعى ثبوته المصاحب للبينة، أى الدليل، بخلاف الحقيقة والتصريح فإن كلا منهما دعوى مجردة عن الدليل، فإذا قلت: فلان كثير الرماد كأنك قلت: فلان كريم لأنه كثير الرماد، وإذا قلت: رأيت أسدا فى الحمام فكأنك قلت: رأيت شجاعا فى الحمام لأنه كالأسد، كذا قرر شيخنا العلامة العدوى.
وفى كلام بعضهم ما يقتضى أن المراد بالبينة الشاهدان حيث قال: ووجه كونهما كالدعوى بالبينة أن تقرر الملزوم يستلزم تقرر اللازم لامتناع انفكاك الملزوم عن اللازم، فصار تقرر الملزوم مشعرا باللازم والقرينة مقررة له أيضا، فصار كأنه قرر مرتين مثل الدعوى التى أثبتت بشاهدين من جهة أن فى كل تأكيد الإثبات، وبهذا يعلم وجه كون الأبلغية فى كلام المصنف مأخوذة من المبالغة، وإنما قال: كدعوى ولم يقل: أن فيهما