(أطبق البلغاء على أن المجاز والكناية أبلغ من الحقيقة والتصريح؛ ...
===
فصل: تكلم فيه على أفضلية المجاز والكناية على الحقيقة والتصريح فى الجملة
(قوله: أطبق البلغاء) أى: اتفق أهل فن البلاغة الشاملة للمعانى والبيان، فالمراد بالإطباق: الإجماع والاتفاق، مأخوذ من قولهم أطبق القوم على الأمر الفلانى: أجمعوا عليه، والمراد بالبلغاء أهل فن البلاغة؛ لأنهم الذين يظهر منهم الإجماع، ويمكن أن يراد بالبلغاء جميع البلغاء العالمون بالاصطلاحات وغيرهم من أرباب السليقة، ويكون إجماع أهل السليقة بحسب المعنى حيث يعتبرون هذه المعانى أى الحقيقة والمجاز والتشبيه فى موارد الكلام، وإن لم يعلموا بالاصطلاحات أى بلفظ حقيقة ولفظ مجاز ولفظ كناية ولفظ استعارة.
(قوله: على أن المجاز والكناية) أى: الواقعين فى كلام بلغاء العرب ومن تبعهم، ويشمل قوله المجاز العقلى إلا أن العلة توجب قصره على المجاز اللغوى.
(قوله: أبلغ من الحقيقة) قيل عليه: إن أبلغ إن كان مأخوذا من بلغ بضم اللام بلاغة ففيه أن البلاغة لا يوصف بها الفرد والكناية كلمة مفردة، والمجاز قد يكون كلمة، وأيضا الحال إن اقتضى الحقيقة كانت البلاغة فى الإتيان بها ولا عبرة بغيرها من كناية أو مجاز، وإن اقتضى المجاز أو الكناية كانت البلاغة فى الإتيان بما ذكر ولا عبرة بالحقيقة، وإن كان مأخوذا من بالغ مبالغة ففيه أن أفعل التفضيل لا يصاغ من الرباعى، وقد يجاب باختيار الأول وأن المراد البلاغة اللغوية وهى الحسن؛ (فقوله: أبلغ من الحقيقة) أى: أفضل وأحسن منها، ويصح إرادة الثانى بناء على مذهب الأخفش والمبرد المجوزين لصوغ أفعل التفضيل من الرباعى، والمعنى أنهما أكثر مبالغة فى إثبات المقصود.
(قوله: من الحقيقة والتصريح) لف ونشر مرتب؛ فقوله: من الحقيقة يعود إلى المجاز والتصريح عطف عليه وهو عائد للكناية، وحينئذ فالمعنى المجاز أبلغ من الحقيقة والكناية أبلغ من التصريح، وربما يؤخذ من مقابلة المجاز بالحقيقة والكناية بالتصريح أن الكناية ليست من المجاز؛ لأن التصريح حقيقة قطعا فلو كانت الكناية من المجاز كان فى الكلام تداخل، ويحتمل أن يكون الأمر كذلك