فَإِنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ فِي الْأُمِّ وَقَالَ لَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا شَاهِدَانِ وَأُجِيبُ بِأَنَّ رُجُوعَهُ إنَّمَا كَانَ بِالْقِيَاسِ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ خَبَرٌ كَمَا يَدُلُّ لَهُ كَلَامُهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ شَهَادَةَ كُلٍّ مِنْ ابْنِ عُمَرَ، وَالْأَعْرَابِيِّ وَحْدَهُ» .
(وَإِذَا صُمْنَا بِهَا) أَيْ بِرُؤْيَةِ عَدْلٍ أَوْ عَدْلَيْنِ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى (ثَلَاثِينَ أَفْطَرْنَا) وَإِنْ لَمْ نَرَ الْهِلَالَ بَعْدَهَا وَلَمْ يَكُنْ غَيْمٌ لِأَنَّ الشَّهْرَ يَتِمُّ بِمُضِيِّ ثَلَاثِينَ وَلَا يَرِدُ لُزُومُ الْإِفْطَارِ بِوَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يَثْبُتُ ضِمْنًا بِمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ مَقْصُودًا.
(وَإِنْ رُئِيَ) الْهِلَالُ (بِمَحَلٍّ لَزِمَ حُكْمُهُ مَحَلًّا قَرِيبًا) مِنْهُ (وَهُوَ) يَحْصُلُ (بِاتِّحَادِ الْمَطْلَعِ) بِخِلَافِ الْبَعِيدِ مِنْهُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQشَرْحُ م ر م ر وَيُتَأَمَّلُ مَا صُورَةُ الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ فَإِنَّ صُورَةَ الثُّبُوتِ بِهِ كَمَا قَالَهُ حَجّ أَنْ يَقُولَ الْحَاكِمُ ثَبَتَ عِنْدِي أَوْ حَكَمْت بِشَهَادَتِهِ لَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا حَقِيقَةَ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ عَلَى عَيْنٍ مَقْصُودَةٍ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَقُّ آدَمِيٍّ ادَّعَاهُ كَانَ حُكْمًا حَقِيقِيًّا لَكِنَّهُ إذَا تَرَتَّبَ عَلَى مُعَيَّنٍ لَا يَكْفِي الْوَاحِدُ فِيهِ، وَالْكَلَامُ فِي أَنَّهُ إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ ثَبَتَ الصَّوْمُ قَطْعًا ثُمَّ رَأَيْت فِي سم عَلَى حَجّ مَا نَصُّهُ " قَوْلُهُ: لَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ. . . إلَخْ الَّذِي حَرَّرَهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ كَالْإِتْحَافِ خِلَافُهُ.
وَعِبَارَةُ الْإِتْحَافِ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي قَبُولِ الْوَاحِدِ إذَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ فَإِنْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ يَرَاهُ وَجَبَ الصَّوْمُ عَلَى الْكَافَّةِ وَلَمْ يُنْقَضْ الْحُكْمُ إجْمَاعًا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ إلَى أَنْ قَالَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِكَوْنِ اللَّيْلَةِ مِنْ رَمَضَانَ وَحِينَئِذٍ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ رَدُّ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ وَلَا يَحْكُمُ الْقَاضِي بِكَوْنِ اللَّيْلَةِ مِنْ رَمَضَانَ مَثَلًا؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ إلَى أَنْ قَالَ وَمِمَّا يَرُدُّهُ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُمْ فِي تَعْرِيفِ الْحُكْمِ أَنَّهُ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ مُرَادُهُمْ بِهِ غَالِبًا فَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَائِيُّ صُوَرًا فِيهَا حُكْمٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ إلَّا عَلَى نَوْعٍ مِنْ التَّعَسُّفِ. اهـ. الْمَقْصُودُ نَقْلُهُ وَأَطَالَ فِيهِ جِدًّا بِنَفَائِسَ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا فَعُلِمَ أَنَّهُ هُنَا تَبِعَ الزَّرْكَشِيَّ فِيمَا قَالَهُ، وَالْوَجْهُ مَا حَرَّرَهُ هُنَاكَ خُصُوصًا وَكَلَامُ الْمَجْمُوعِ دَالٌّ عَلَيْهِ كَمَا تَقَرَّرَ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ فِي الْأُمِّ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ كَذَا رَأَيْته فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ عَلَى رَمَضَانَ إلَّا شَاهِدَانِ، وَالْمُسْتَدْرِكُ كَذَلِكَ هُوَ الرَّبِيعُ فَإِنَّ الْأُمَّ رَوَاهَا الْبُوَيْطِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَاتَ الْبُوَيْطِيُّ قَبْلَ تَرْتِيبِهَا فَرَتَّبَهَا الرَّبِيعُ وَاسْتَدْرَكَ فِيهَا أَشْيَاءَ اهـ. عَمِيرَةُ اهـ سم (قَوْلُهُ: وَأُجِيبَ بِأَنَّ رُجُوعَهُ. . . إلَخْ) كَانَ الْأَظْهَرُ أَنْ يَقُولَ وَرُدَّ؛ لِأَنَّ الْجَوَابَ إنَّمَا يَكُونُ فِي مُقَابَلَةِ الْإِشْكَالِ. اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: بِالْقِيَاسِ) أَيْ عَلَى بَقِيَّةِ أَنْوَاعِ الشَّهَادَاتِ (قَوْلُهُ: كَمَا يَدُلُّ لَهُ) أَيْ لِثُبُوتِ الْخَبَرِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِالْوَاحِدِ فَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَنْفِيِّ لَا بِالنَّفْيِ. اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: كَلَامُهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ) حَيْثُ قَالَ فِيهِ وَلَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ عَدْلٌ رَأَيْت أَنْ أَقْبَلَهُ لِلْأَثَرِ فِيهِ اهـ. ح ل.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا صُمْنَا بِهَا ثَلَاثِينَ أَفْطَرْنَا) أَيْ وُجُوبًا وَلَوْ رَأَى شَخْصٌ هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لَزِمَهُ الْفِطْرُ وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ سِرًّا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» لَكِنْ إنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ عَزَّرَهُ وَاسْتُشْكِلَ بِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ، وَالْعُقُوبَةُ تُدْفَعُ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ عُلِمَ دِينُهُ وَغَيْرِهِ لَكَانَ وَجِيهًا فَإِنْ شَهِدَ بَعْدَ الْأَكْلِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِلتُّهْمَةِ وَإِنْ شَهِدَ قَبْلَهُ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ أَكَلَ لَمْ يُعَزَّرْ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ حَالَ الشَّهَادَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَا يَرِدُ لُزُومُ الْإِفْطَارِ بِوَاحِدٍ) أَيْ لَا يَرِدُ عَلَى قَوْلِهِ أَفْطَرْنَا، وَقَوْلُهُ لُزُومُ الْإِفْطَارِ بِوَاحِدٍ أَيْ وَلَيْسَ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَلَا يَثْبُتُ بِوَاحِدٍ إلَّا الْعِبَادَاتُ. اهـ شَيْخُنَا
(قَوْلُهُ: وَإِنْ رُئِيَ بِمَحَلٍّ) أَيْ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي رُؤْيَتُهُ وَحَكَمَ بِهَا لَزِمَ حُكْمُهُ مَحَلًّا قَرِيبًا فَلَوْ رُئِيَ بِمِصْرَ مَثَلًا لَزِمَ أَهْلَ قَلْيُوبٍ وَطَنْدَتًا وَالْمَحَلَّا الصَّوْمُ هَكَذَا وَإِنْ لَمْ يَرَوْهُ هُمْ. اهـ شَيْخُنَا وَلَمْ يُعَلِّلْ الشَّارِحُ هَذَا الْحُكْمَ الَّذِي هُوَ مَنْطُوقُ الْمَتْنِ وَعَلَّلَهُ م ر وَعِبَارَتُهُ " لَزِمَ حُكْمُهُ الْبَلَدَ الْقَرِيبِ مِنْهُ قَطْعًا كَبَغْدَادَ، وَالْكُوفَةِ؛ لِأَنَّهُمَا كَبَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ بِاتِّحَادِ الْمَطْلَعِ) عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ الْمَطَالِعِ قَالَ الْقَلْيُوبِيُّ عَلَى الْمَحَلِّيِّ قَوْلُهُ: بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْمَغَارِبِ وَالْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ طُلُوعُ الشَّمْسِ أَوْ الْفَجْرِ أَوْ الْكَوَاكِبِ أَوْ غُرُوبُ ذَلِكَ فِي مَحَلٍّ مُتَقَدِّمًا عَلَى مِثْلِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فَتَتَأَخَّرُ رُؤْيَتُهُ فِي بَلَدٍ عَنْ رُؤْيَتِهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ أَوْ تَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مُسَبَّبٌ عَنْ اخْتِلَافِ غُرُوبِ الْبِلَادِ أَيْ بُعْدِهَا عَنْ خَطِّ الِاسْتِوَاءِ وَأَطْوَالِهَا أَيْ بُعْدِهَا عَنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ الْغَرْبِيِّ فَمَتَى تَسَاوَى طُولُ الْبَلَدَيْنِ لَزِمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي أَحَدِهِمَا رُؤْيَتُهُ فِي الْآخَرِ وَإِنْ اخْتَلَفَ عَرْضُهُمَا أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ شُهُورٍ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي أَقْصَى الْجَنُوبِ، وَالْآخَرُ فِي أَقْصَى الشِّمَالِ وَمَتَى اخْتَلَفَ طُولُهُمَا بِمَا سَيَأْتِي امْتَنَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الرُّؤْيَةِ وَلَزِمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي الْبَلَدِ الشَّرْقِيِّ رُؤْيَتُهُ فِي الْبَلَدِ الْغَرْبِيِّ دُونَ الْعَكْسِ كَمَا فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَمِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ فَيَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي مَكَّةَ رُؤْيَتُهُ فِي مِصْرَ لَا عَكْسُهُ؛ لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ مِنْ أَفْرَادِ الْغُرُوبِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَمَا ذُكِرَ عَنْ شَيْخِنَا م ر.
وَعَنْ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُخَالِفُ هَذَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ أَقَلُّ