هَذَا الرِّفْعَةَ إيهَامُ تَعَيُّنِ الْقُنُوتِ إلَّا آتِي أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ اللَّهُمَّ (اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْت إلَخْ) تَتِمَّتُهُ كَمَا فِي الْعَزِيزِ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْت وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْت وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْت وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت إنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْت لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ إلَّا رَبَّنَا فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ وَصَحَّحَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ وَفِي قُنُوتِ الْوِتْرِ وَرَوَى الشَّيْخَانِ فِي الْقُنُوتِ لِلنَّازِلَةِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى قَاتِلِي أَصْحَابِهِ الْقُرَّاءِ بِبِئْرِ مَعُونَةَ» وَيُقَاسُ بِالْعَدُوِّ غَيْرُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَزَادَ الْعُلَمَاءُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQفَسَّرَ الْوَبَاءَ بِالطَّاعُونِ لَكِنْ يُنَافِيهِ عِبَارَةُ م ر؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا حَيْثُ قَالَ كَوَبَاءٍ وَطَاعُونٍ اهـ فَهَذَا يَقْتَضِي التَّغَايُرَ وَقَوْلُهُ وَقَحْطٍ هُوَ احْتِبَاسُ الْمَطَرِ وَمِثْلُهُ عَدَمُ النِّيلِ وَيُشْرَعُ الْقُنُوتُ لِلْغَلَاءِ الشَّدِيدِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ النَّوَازِلِ اهـ شَوْبَرِيٌّ مَعَ بَعْضِ تَغْيِيرٍ، وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ بِالْقُنُوتِ لِلطَّاعُونِ وَمِنْ فُقَهَاءِ الْعَصْرِ مَنْ أَجَابَ بِالْمَنْعِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَقْنُتُوا لَهُ وَالْوَجْهُ اسْتِحْبَابُ الْقُنُوتِ لَهُ وَبِهِ أَفْتَى جَمْعٌ مِنْ شُيُوخِنَا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ أَنَّهُ شَهَادَةٌ كَمَا أَنَّ الْقَتْلَ ظُلْمًا شَهَادَةٌ وَالْمَطْلُوبُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ اهـ. ح ل.

وَفِي الْمِصْبَاحِ الْوَبَاءُ بِالْهَمْزِ مَرَضٌ عَامٌّ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ وَيُجْمَعُ الْمَمْدُودُ عَلَى أَوْبِئَةٍ مِثْلَ مَتَاعٍ وَأَمْتِعَةٍ وَالْمَقْصُودُ عَلَى أَوْبَاءٍ مِثْلَ سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ، وَقَدْ وَبِئَتْ الْأَرْضُ تَوْبَأُ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَبِأَمْثَلَ فَلِسَ كَثُرَ مَرَضُهَا فَهِيَ وَبِئَةٌ وَوَبِيئَةٌ عَلَى فَعِلَةٍ وَفَعِيلَةٍ اهـ.

(قَوْلُهُ هَذَا) أَيْ الْإِتْيَانُ بِالْكَافِ لِرَفْعِهِ إيهَامَ إلَخْ اهـ شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ فِيمَنْ هَدَيْت) أَيْ مَعَهُمْ فَفِي بِمَعْنَى مَعَ أَيْ: لَا نُدْرَجُ فِي سِلْكِهِمْ أَوْ التَّقْدِيرُ وَاجْعَلْنِي مُنْدَرِجًا فِيمَنْ هَدَيْت نَحْوُ {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي} [الفجر: 29] وَكَذَا الِاثْنَانُ بَعْدَهُ فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَلَوْ أَبْدَلَ فِي بِمَعَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَكَذَا بَقِيَّةُ أَلْفَاظِهِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ قُنُوتِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَهُمَا أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمَا وَجَمْعُهُمَا أَفْضَلُ مُطْلَقًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْت) أَيْ: مَعَ مَنْ عَافَيْته مِنْ بَلَاءِ الدُّنْيَا اهـ شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْت) أَيْ كُنْ نَاصِرًا لِي وَحَافِظًا لِي مِنْ الذُّنُوبِ مَعَ مَنْ نَصَرْته وَحَفِظْته اهـ شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْت) أَيْ: شَرَّ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْقَضَاءِ مِنْ السَّخَطِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ اهـ شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يَذِلُّ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَيْ: لَا يَحْصُلُ لَهُ ذِلَّةٌ فِي نَفْسِهِ أَوْ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ أَيْ: لَا يُذِلُّهُ أَحَدٌ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحٍ ثُمَّ ضَمٍّ اهـ بِرْمَاوِيٌّ لَكِنْ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ لَازِمٌ فَلَا يُبْنَى لِلْمَجْهُولِ وَكَذَلِكَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِاقْتِصَارِ كُلٍّ مِنْ الْمِصْبَاحِ وَالْمُخْتَارِ عَلَى أَنَّ ذَلَّ مِنْ بَابِ ضَرَبَ.

(قَوْلُهُ تَبَارَكْت) أَيْ: تَزَايَدَ بِرُّك وَخَيْرُك وَهِيَ كَلِمَةُ تَعْظِيمٍ وَلَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهَا إلَّا الْمَاضِي اهـ شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ قَنَتَ شَهْرًا) أَيْ مُتَتَابِعًا فِي الْخَمْسِ فِي اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ عَلَى دُعَائِهِ وَدُعَاؤُهُ عَلَيْهِمْ قِيلَ: كَانَ لِكَفِّ أَذَاهُمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَتَمَرُّدِهِمْ عَلَيْهِمْ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ تَعَرُّضِهِ فِي هَذَا الْقُنُوتِ لِلدُّعَاءِ بِرَفْعِ تِلْكَ النَّازِلَةِ وَيُسَنُّ الْجَهْرُ بِهِ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ وَلَوْ سِرِّيَّةً كَمَا أَفْتَى بِهِ وَالِدُ شَيْخِنَا وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ مَا يُخَالِفُهُ اهـ ح ل أَيْ: حَيْثُ قَالَ وَالْمُنْفَرِدُ يُسِرُّ بِهِ اهـ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ وَلَوْ فِي قُنُوتِ النَّازِلَةِ اهـ.

(قَوْلُهُ عَلَى قَاتِلِي أَصْحَابِهِ إلَخْ) وَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى الْقُنُوتِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ دَفْعَ تَمَرُّدِ الْقَائِلِينَ لَا النَّظَرَ إلَى الْمَقْتُولِينَ لِانْقِضَاءِ أَمْرِهِمْ وَعَدَمِ تَدَارُكِهِمْ وَإِلَّا فَقَدْ وَقَعَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَدْعُ وَمِنْ دُعَائِهِ فِيهِ أَيْضًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَثَ قَدْرَ هَذِهِ الْمُدَّةِ يَدْعُو عَلَى عَامِرِ بْنِ الطُّفَيْلِ الْعَامِرِيِّ وَمَاتَ كَافِرًا فَيَقُولُ اللَّهُمَّ اكْفِنِي عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ بِمَا شِئْت وَكَيْفَ شِئْت وَابْعَثْ عَلَيْهِ دَاءً يَقْتُلُهُ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ طَاعُونًا فَمَاتَ بِهِ» وَمِنْهُ يُؤْخَذُ اسْتِحْبَابُ تَعَرُّضِهِ فِي هَذَا الْقُنُوتِ بِالدُّعَاءِ لِرَفْعِ تِلْكَ النَّازِلَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

وَفِي الْمَوَاهِبِ مَا نَصُّهُ " سَرِيَّةُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو إلَى بِئْرِ مَعُونَةَ مَوْضِعٍ بِبِلَادِ هُذَيْلٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ عَلَى رَأْسِ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنْ الْهِجْرَةِ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ أُحُدٍ وَكَانَتْ مَعَ رَعْلٍ وَذَكْوَانَ فَنُسِبَتْ الْغَزْوَةُ إلَى بِئْرِ مَعُونَةَ لِنُزُولِهِمْ بِهَا وَتُعْرَفُ هَذِهِ الْوَقْعَةُ بِسَرِيَّةِ الْقُرَّاءِ وَكَانَ مِنْ أَمْرِهَا أَنَّهُ «قَدِمَ أَبُو بَرَاءٍ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَلَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَبْعُدْ عَنْ الْإِسْلَامِ بَلْ قَالَ يَا مُحَمَّدُ لَوْ بَعَثْت رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِك إلَى أَهْلِ نَجْدٍ يَدْعُونَهُمْ إلَى أَمْرِك رَجَوْت أَنْ يَسْتَجِيبُوا لَك فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنِّي أَخْشَى أَهْلَ نَجْدٍ عَلَيْهِمْ قَالَ أَبُو بَرَاءٍ أَنَا لَهُمْ جَارٌ أَيْ: هُمْ فِي عَهْدِي وَجِوَارِي فَبَعَثَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو وَمَعَهُ سَبْعُونَ وَقِيلَ أَرْبَعُونَ وَقِيلَ ثَلَاثُونَ وَكَانَ شَأْنُهُمْ أَنَّهُمْ يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيَشْتَرُونَ بِثَمَنِ الْحَطَبِ الطَّعَامَ لِأَهْلِ الصُّفَّةِ وَيَتَدَارَسُونَ الْقُرْآنَ بِاللَّيْلِ فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ فَجَاءَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ فَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ مِنْ سُلَيْمٍ وَعُصَيَّةَ وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ فَأَحَاطُوا بِالْقُرَّاءِ فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى قُتِلُوا جَمِيعًا فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ خَبَرُهُمْ لَيْلَةَ قَتْلِهِمْ عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ فَحَزِنَ عَلَيْهِمْ حُزْنًا شَدِيدًا وَدَعَا عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ ثَلَاثِينَ صَبَاحًا» اهـ بِاخْتِصَارٍ وَذَكَرَ صَاحِبُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015