وَاعْلَمْ أَنَّ الْجَرْحَ الَّذِي لَيْسَ مُفَسَّرًا، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ يُفِيدُ التَّوَقُّفَ عَنْ الْقَبُولِ إلَى أَنْ يَبْحَثَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرِّوَايَةِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ (وَيُقَدِّمُ) الْجَرْحَ أَيْ بَيِّنَتَهُ (عَلَى) بَيِّنَةِ (تَعْدِيلٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْعِلْمِ (فَإِنْ قَالَ الْمُعَدِّلُ تَابَ مِنْ سَبَبِهِ) أَيْ الْجَرْحِ (قَدَّمَ) قَوْلُهُ عَلَى قَوْلِ الْجَارِحِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ حِينَئِذٍ زِيَادَةَ عِلْمٍ (وَلَا يَكْفِي) فِي التَّعْدِيلِ (قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ عَدْلٌ) وَقَدْ غَلِطَ فِي شَهَادَتِهِ عَلَيَّ، وَإِنْ كَانَ الْبَحْثُ لِحَقِّهِ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِعَدَالَتِهِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِزْكَاءَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى.
(بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ) عَنْ الْبَلَدِ أَوْ عَنْ الْمَجْلِسِ وَتَوَارَى أَوْ تَعَزَّزَ مَعَ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ (هُوَ جَائِزٌ فِي غَيْرِ عُقُوبَةٍ لِلَّهِ) تَعَالَى وَلَوْ فِي قَوَدٍ وَحَدِّ قَذْفٍ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ قَالَ جَمْعٌ «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدَ خُذِي مَا يَكْفِيك وَوَلَدَك بِالْمَعْرُوفِ» ، وَهُوَ قَضَاءٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى زَوْجِهَا أَبِي سُفْيَانَ، وَهُوَ غَائِبٌ وَلَوْ كَانَ فَتْوَى لَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَك أَنْ تَأْخُذِي أَوْ لَا بَأْسَ عَلَيْك أَوْ نَحْوَهُ وَلَمْ يَقُلْ خُذِي لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال بِهِ؛ لِأَنَّ الْقِصَّةَ كَانَتْ بِمَكَّةَ وَأَبُو سُفْيَانَ فِيهَا.
ـــــــــــــــــــــــــــــQسَائِرِ الْأَشْيَاءِ اهـ وَكَذَا لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ أَنَا مَجْرُوحٌ اكْتَفَى بِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى جَرْحٍ وَاحِدٍ وَلَا يُعَدِّدُ؛ لِأَنَّ الْكِفَايَةَ حَاصِلَةٌ بِذَلِكَ اهـ سم (قَوْلُهُ الَّذِي لَيْسَ مُفَسَّرًا) أَيْ لِعَدَمِ ذِكْرِ سَبَبِهِ (قَوْلُهُ فَإِنْ قَالَ الْمُعَدِّلُ تَابَ مِنْ سَبَبِهِ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا قَبُولُ شَهَادَتِهِ لِاشْتِرَاطِ مُضِيِّ مُدَّةِ الِاسْتِبْرَاءِ بَعْدَهَا كَمَا يَأْتِي فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ تَارِيخَ الْجَرْحِ وَإِلَّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى ذَلِكَ كَمَا فِي م ر.
وَعِبَارَةُ ح ل فَإِنْ قَالَ الْمُعَدِّلُ تَابَ مِنْ سَبَبِهِ أَيْ الْجَرْحِ أَيْ وَقَدْ مَضَتْ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِهَا بِأَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ تَابَ مِنْ سَبَبِ الْجَرْحِ مِنْ مُدَّةٍ كَذَا قَالُوا، وَلَوْ جُرِّحَ بِبَلَدٍ ثُمَّ انْتَقَلَ لِآخَرَ فَعَدَّلَهُ اثْنَانِ قُدِّمَ التَّعْدِيلُ لَكِنْ إنْ مَضَتْ مُدَّةُ الِاسْتِبْرَاءِ وَعَرَفَ الْمُعَدِّلُ مَا جَرَى مِنْ جَرْحِهِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ وَلَا يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إلَخْ) ، وَلَوْ قَالَ هُوَ عَدْلٌ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَلَيَّ كَانَ إقْرَارًا مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَدِّلَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ الْآخَرَ اهـ ح ل (قَوْلُهُ وَقَدْ غَلِطَ فِي شَهَادَتِهِ عَلَى) هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا هُوَ لِبَيَانِ أَنَّ إنْكَارَهُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِعَدَالَتِهِ مُسْتَلْزِمٌ لِنِسْبَتِهِ لِلْغَلَطِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فَإِنْ قَالَ عَدْلٌ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَلَيَّ كَانَ إقْرَارًا مِنْهُ اهـ شَرْحُ م ر.
[بَابُ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ]
قَدْ خَالَفَ فِي هَذَا الْبَابِ الْأَئِمَّةَ الثَّلَاثَةَ فَلَمْ يَقُولُوا بِهِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ (قَوْلُهُ وَتَوَارَى أَوْ تَعَزَّزَ) حَيْثُ ذَكَرَ ذَلِكَ فَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يُقَيِّدَ الْغَيْبَةَ بِمَا فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى، وَالْأَوْلَى السُّكُوتُ عَنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَابَ لَيْسَ مَعْقُودًا لِلْقَضَاءِ الصَّحِيحِ بَلْ الْأَعَمُّ اهـ ح ل.
وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ فِيمَا سَيَأْتِي فَصْلُ الْغَائِبِ الَّذِي لَمْ يَسْمَعْ الْحُجَّةَ وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِ عَدْوَى أَوْ تَوَارَى أَوْ تَعَزَّزَ فَقَوْلُ الشَّارِحِ هُنَا عَنْ الْبَلَدِ أَيْ وَفَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى وَقَوْلُهُ أَوْ عَنْ الْمَجْلِسِ إلَخْ وَمِثْلُهُ مَا لَوْ كَانَ خَارِجَ الْبَلَدِ وَدُونَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى (قَوْلُهُ مَعَ مَا يُذْكَرُ مَعَهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ، وَلَوْ سَمِعَ حُجَّةً عَلَى غَائِبٍ فَقَدِمَ قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ تُعَدَّ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِمَا يُذْكَرُ مَعَهُ الْفَصْلَانِ الْآتِيَانِ مَعًا تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَهُوَ جَائِزٌ فِي غَيْرِ عُقُوبَةٍ إلَخْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: فِي تَصْحِيحِ الْمِنْهَاجِ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ، وَإِنْ كَانَ وَكِيلُهُ حَاضِرًا؛ لِأَنَّ الْغَيْبَةَ الْمُسَوِّغَةَ لِلْحَكِّ عَلَى الْغَائِبِ مَوْجُودَةٌ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْوَكِيلِ حَاضِرًا لِأَنَّ الْقَضَاءَ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْغَائِبِ كَذَا فِي النَّاشِرِيِّ وَأَفْتَى بِهِ وَالِدُ شَيْخِنَا م ر (فَرْعٌ) .
لَوْ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ أَنَّهُ كَانَ حِينَ الْقَضَاءِ بِمَسَافَةٍ لَا يَجُوزُ فِيهَا الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ فَأَفْتَى شَيْخُنَا م ر بِصِحَّةِ الْقَضَاءِ وَنُفُوذِهِ قَالَ م ر: وَالْقِيَاسُ خِلَافُهُ، وَقَدْ تَرَدَّدَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي ذَلِكَ فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ اعْتَمَدَ عَدَمَ الصِّحَّةِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ اهـ سم (قَوْلُهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ) كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْحَاضِرِ وَغَيْرِهِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ قَالَ جَمْعٌ إلَخْ) تَبَرَّأَ مِنْهُ لِمَا يَأْتِي أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مُتَوَارِيًا وَلَا مُتَعَزِّزًا وَلَا غَائِبًا عَنْ الْبَلَدِ مَعَ أَنَّ شَرْطَ الْقَضَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَةِ (قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهِنْدَ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر؛ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِهِنْدَ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمَّا شَكَتْ مِنْ شُحِّهِ خُذِي مِنْ مَالِهِ إلَخْ انْتَهَتْ وَهِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْقُرَشِيَّةُ وَالِدَةُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَسْلَمَتْ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ إسْلَامِ زَوْجِهَا أَبِي سُفْيَانَ وَأَقَرَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نِكَاحِهَا وَكَانَتْ امْرَأَةً ذَاتَ أَنَفَةٍ وَرَأْيٍ وَعَقْلٍ وَشَهِدَتْ أُحُدًا كَافِرَةً فَلَمَّا قُتِلَ حَمْزَةُ مَثَّلَتْ بِهِ وَشَقَّتْ كَبِدَهُ فَلَاكَتْهَا فَلَمْ تُطِقْ وَتُوُفِّيَتْ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ أَبُو قُحَافَةَ وَالِدُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَهِيَ الْقَائِلَةُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا شَرَطَ عَلَى النِّسَاءِ فِي الْمُبَايَعَةِ وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَهَلْ تَزْنِي الْحُرَّةُ اهـ قَسْطَلَّانِيٌّ عَلَى الْبُخَارِيِّ (قَوْلُهُ لَكِنْ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إلَخْ) وَاعْتَرَضَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْهَا وَلَمْ يُقَدِّرْ الْمَحْكُومُ بِهِ لَهَا وَلَمْ يُحَرَّرْ دَعْوَى عَلَى مَا شَرَطُوهُ وَالدَّلِيلُ الْقَاطِعُ الْوَاضِحُ أَنَّهُ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - الْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَالْحُكْمُ مِثْلُهَا وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمَيِّتِ وَالصَّغِيرِ مَعَ أَنَّهُمَا أَعْجَزُ عَنْ الدَّفْعِ مِنْ الْغَائِبِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ كَانَتْ بِمَكَّةَ) أَيْ