وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْسِمُ لَهُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ وَخُمُسَ خُمُسِهِ وَلِكُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورِينَ مَعَهُ فِي الْآيَةِ خُمُسُ خُمُسٍ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَيَصْرِفُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ لِمَصَالِحِنَا وَمِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لِلْمُرْتَزِقَةِ كَمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلِي (وَخُمُسُهُ) أَيْ الْفَيْءِ لِخَمْسَةٍ (لِمَصَالِحِنَا) دُونَ مَصَالِحِهِمْ (كَثُغُورٍ) أَيْ سَدِّهَا (وَقُضَاةٍ وَعُلَمَاءَ) بِعُلُومٍ تَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِنَا كَتَفْسِيرٍ وَقِرَاءَةٍ وَالْمُرَادُ بِالْقُضَاةِ غَيْرُ قُضَاةِ الْعَسْكَرِ أَمَّا قُضَاتُهُ وَهُمْ الَّذِينَ يَحْكُمُونَ لِأَهْلِ الْفَيْءِ فِي مَغْزَاهُمْ فَيُرْزَقُونَ مِنْ الْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ لَا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ (يُقَدَّمُ) وُجُوبًا (الْأَهَمُّ) فَالْأَهَمُّ (وَلِبَنِي هَاشِمٍ وَ) بَنِي (الْمُطَّلِبِ) وَهُمْ الْمُرَادُونَ بِذِي الْقُرْبَى فِي الْآيَةِ لِاقْتِصَارِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْقَسْمِ عَلَيْهِمْ مَعَ سُؤَالِ غَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي عَمِّهِمْ نَوْفَلٍ وَعَبْدِ شَمْسٍ لَهُ وَلِقَوْلِهِ «أَمَّا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فَشَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ فَيُعْطَوْنَ (وَلَوْ أَغْنِيَاءَ) لِلْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ «وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَعْطَى الْعَبَّاسَ وَكَانَ غَنِيًّا» .
(وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ) عَلَى الْأُنْثَى (كَالْإِرْثِ) فَلَهُ سَهْمَانِ وَلَهَا سَهْمٌ لِأَنَّهَا عَطِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى تُسْتَحَقُّ بِقَرَابَةِ الْأَبِ كَالْإِرْثِ سَوَاءٌ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، وَالْعِبْرَةُ بِالِانْتِسَابِ إلَى الْآبَاءِ فَلَا يُعْطَى أَوْلَادُ الْبَنَاتِ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، وَالْمُطَّلِبِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQآيَةُ الْفَيْءِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهُوَ آيَةُ الْغَنِيمَةِ وَمَعْنَى حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ تَقْيِيدُهُ بِقَيْدِهِ فَيُقَالُ فِي آيَةِ الْفَيْءِ فَخُمُسُهُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: يَقْسِمُ لَهُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ) لَكِنْ بِجَعْلِهَا لِلْمَصَالِحِ تَفَضُّلًا مِنْهُ وَقَوْلُهُ: وَخُمُسَ خُمُسِهِ وَكَانَ يُنْفِقُ هَذَا الْخُمُسَ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَيَدَّخِرُ مِنْهُ قُوتَ سَنَةٍ وَمَا فَضَلَ يَصْرِفُهُ فِي الْمَصَالِحِ كَالْأَخْمَاسِ الْأَرْبَعَةِ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَخُمُسَ خُمُسِهِ) أَيْ فَالْقِسْمَةُ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ اهـ. (قَوْلُهُ: وَخُمُسُهُ لِمَصَالِحِنَا) وَلَوْ مَنَعَ السُّلْطَانُ الْمُسْتَحِقِّينَ حُقُوقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ جَوَازُ أَخْذِهِ مَا يُعْطَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ لَيْسَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ ثَمَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ فِيهِ حَقٌّ لَمْ يَسْتَحِقَّهُ وَارِثُهُ وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَمَنَعَ الظَّفَرَ فِي الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ كَمَالَ الْمَجَانِينِ، وَالْأَيْتَامِ وَلَا يُنَافِي الْأَوَّلُ مَا أَفْتَى بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِنْ أَنَّ.
مَنْ غَصَبَ أَمْوَالًا لِأَشْخَاصٍ وَخَلَطَهَا ثُمَّ فَرَّقَهَا عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ جَازَ لِكُلٍّ أَخْذُ قَدْرِ حَقِّهِ، أَوْ عَلَى بَعْضِهِمْ لَزِمَ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْبَاقِينَ بِنِسْبَةِ أَمْوَالِهِمْ؛ لِأَنَّ أَعْيَانَ الْأَمْوَالِ يُحْتَاطُ لَهَا مَا لَا يُحْتَاطُ لِمُجَرَّدِ تَعَلُّقِ الْحُقُوقِ اهـ شَرْحُ م ر وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ: (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَوْ مَنَعَ السُّلْطَانُ حَقَّ الْمُسْتَحِقِّينَ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ الظَّفَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي الْأَمْوَالِ الْعَامَّةِ وَهَذَا أَحَدُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا الْغَزَالِيُّ، ثَانِيهَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ كُلَّ يَوْمٍ قَدْرَ قُوتِهِ، ثَالِثُهَا أَنْ يَأْخُذَ كِفَايَةَ سَنَةٍ، رَابِعُهَا أَنْ يَأْخُذَ قَدْرَ مَا كَانَ يُعْطِيهِ الْإِمَامُ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ وَأَقَرَّهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الْخَطِيبُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ اهـ.
(قَوْلُهُ: كَثُغُورٍ) بِالْمُثَلَّثَةِ، وَالْمُعْجَمَةِ الْمَضْمُومَتَيْنِ جَمْعُ ثَغْرٍ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَهُوَ مَحَلُّ الْخَوْفِ مِنْ أَطْرَافِ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَأَصْلُهُ مَحَلُّ الْفَتْحِ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الثَّغْرُ مِنْ الْبِلَادِ الَّذِي يُخَافُ مِنْهُ هُجُومُ الْعَدُوِّ فَهُوَ كَالثُّلْمَةِ فِي الْحَائِطِ يُخَافُ هُجُومُ السَّارِقِ مِنْهُ، وَالْجَمْعُ ثُغُورٌ مِثْلُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَعُلَمَاءَ) الْمُرَادُ بِهِمْ الْمُشْتَغِلُونَ بِالْعِلْمِ وَلَوْ مُبْتَدِئِينَ اهـ ح ل فَالْمُرَادُ بِالْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ الْأَعَمُّ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ اهـ عَزِيزِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَعَبْدِ شَمْسٍ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: يُقْرَأُ عَبْدُ شَمْسَ بِفَتْحِ آخِرِهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْصَرِفُ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ حَكَاهُ فِي الْعُبَابِ عَنْ الْفَارِسِيِّ وَيَتَحَصَّلُ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي ضَبْطِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: فَتْحُ الدَّالِ مِنْ عَبْدٍ وَسِينِ شَمْسٍ، وَالثَّانِي كَسْرُ الدَّالِ، وَفَتْحُ السِّينِ، وَالثَّالِثُ كَسْرُ الدَّالِ وَصَرْفُ شَمْسٍ اهـ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ بِهَامِشِ شَرْحِ الرَّوْضِ اهـ ع ش.
(قَوْلُهُ: شَيْءٌ وَاحِدٌ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْهَمْزَةِ وَلِلْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَغْنِيَاءَ) يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا اهـ سم عَلَى حَجّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مِثْلُهُ فِي الْأَئِمَّةِ، وَالْمُؤَذِّنِينَ وَسَائِرِ مَنْ يَشْتَغِلُ عَنْ نَحْوِ كَسْبِهِ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا يُكْتَبُ مِنْ الْجَامِكِيَّةِ لِلْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ مِنْ الْمُدَرِّسِينَ وَالْمُفْتِينَ وَالطَّلَبَةِ وَلَوْ مُبْتَدِئِينَ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ فَيَسْتَحِقُّونَ مَا عُيِّنَ لَهُمْ مِمَّا يُوَازِي قِيَامَهُمْ بِذَلِكَ وَانْقِطَاعَهُمْ عَنْ أَكْسَابِهِمْ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِمَنْ يَتَصَرَّفُ فِي ذَلِكَ مُرَاعَاةُ الْمَصْلَحَةِ فَيُقَدِّمُ الْأَحْوَجَ فَالْأَحْوَجَ وَيُفَاوِتُ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَدْفَعُ لَهُمْ بِحَسَبِ مَرَاتِبِهِمْ وَمَحَلُّ إعْطَاءِ الْمُدَرِّسِينَ، وَالْأَئِمَّةِ وَنَحْوِهِمْ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ مَشْرُوطٌ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ بَيْتِ الْمَالِ كَالْوَظَائِفِ الْمُعَيَّنَةِ لِلْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْوَاقِفِ لِلْمَسْجِدِ مَثَلًا فَإِنْ كَانَ لَمْ يُوَازِ نَفَقَتَهُمْ فِي الْوَظَائِفِ الَّتِي قَامُوا بِهَا دَفَعَ إلَيْهِمْ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ زِيَادَةً عَلَى مَا شَرَطَ مِنْ جِهَةِ الْأَوْقَافِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ: وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ كَالْإِرْثِ) أَيْ فِي التَّفْضِيلِ وَكَذَا فِي عَدَمِ صِحَّةِ إعْرَاضِهِمْ عَنْهُ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَيَجُوزُ إعْطَاءُ الْأَخِ مَعَ الْأَبِ وَابْنِ الِابْنِ مَعَ الِابْنِ وَيَسْتَوِي ذُو الْجِهَتَيْنِ كَالشَّقِيقِ مَعَ ذِي الْجِهَةِ كَالْأَخِ لِلْأَبِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيُعْطَى الْخُنْثَى نَصِيبَ أُنْثَى بِلَا وَقْفٍ وَاعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا يُوقَفُ لَهُ تَمَامُ نَصِيبِ ذَكَرٍ وَلَعَلَّهُ إنْ رُجِيَ اتِّضَاحُهُ لِتَعَذُّرِ الصُّلْحِ فَرَاجِعْهُ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: كَالْإِرْثِ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَوْ أَعْرَضُوا عَنْ سَهْمِهِمْ لَمْ يَسْقُطْ وَسَيَأْتِي فِي السِّيَرِ اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ عَطِيَّةٌ) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ لَا مِنْ سَائِرِ الْحَيْثِيَّاتِ، وَإِلَّا فَهُنَا يَأْخُذُ الْجَدُّ مَعَ الْأَبِ وَابْنُ الِابْنِ مَعَ الِابْنِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ: فَلَا يُعْطَى أَوْلَادُ الْبَنَاتِ إلَخْ) وَفِيهِ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ أَوْلَادَ بَنَاتِهِ يُنْسَبُونَ إلَيْهِ وَفِي فَتَاوَى السُّيُوطِيّ وَقَدْ فَرَّقَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ مَنْ يُسَمَّى وَلَدًا لِلرَّجُلِ وَبَيْنَ مَنْ يُنْسَبُ