وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتُ الْمَوَارِيثِ، وَالْأَخْبَارُ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» ، وَعِلْمُ الْفَرَائِضِ يَحْتَاجُ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْأَصْحَابِ إلَى ثَلَاثَةِ عُلُومٍ: عِلْمِ الْفَتْوَى وَعِلْمِ النَّسَبِ وَعِلْمِ الْحِسَابِ.
(يُبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ مَيِّتٍ) وُجُوبًا (بِمَا) أَيْ بِحَقٍّ (تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQاهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: مُقَدَّرٌ) أَيْ لِلْوَارِثِ أَيْ لَا يَزِيدُ إلَّا بِالرَّدِّ وَلَا يَنْقُصُ إلَّا بِالْعَوْلِ اهـ ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ مَسَائِلِ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ اهـ ع ش. (قَوْلُهُ: آيَاتُ الْمَوَارِيثِ) كَآيَةِ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] وَأَفَادَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ الْمُسْتَمِرِّ لَا بِلَفْظِ الْمَاضِي كَمَا فِي قَوْلِهِ {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام: 151] الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِلْوَصِيَّةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَيْهِمْ فَهَذِهِ الْآيَةُ مُسْتَمِرَّةُ الْحُكْمِ فَلِذَلِكَ عَبَّرَ فِيهَا بِالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَى الدَّوَامِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الْآيَاتِ حَيْثُ قَالَ فِي الْآيَةِ الْمَنْسُوخَةِ الْحُكْمِ {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البقرة: 180] الْآيَةَ اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ: فَلِأَوْلَى رَجُلٍ) أَيْ لِأَقْرَبِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَوْلَى الْأَحَقَّ وَإِلَّا لَخَلَا عَنْ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ الْأَحَقُّ وَفَائِدَةُ قَوْلِهِ " ذَكَرٍ " بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّجُلِ هُنَا مُقَابِلُ الْمَرْأَةِ وَهُوَ الشَّامِلُ لِلصَّبِيِّ لَا مُقَابِلُ الصَّبِيِّ الْمُخْتَصُّ بِالْبَالِغِ فَإِنْ قُلْت فَهَلَّا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ " ذَكَرٍ " لِحُصُولِ هَذَا الْمَعْنَى مَعَ الِاخْتِصَارِ قُلْت يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ إفَادَةَ إطْلَاقِ الرَّجُلِ بِمَعْنَى الذَّكَرِ مُطْلَقًا تَأَمَّلْ شَوْبَرِيُّ. (قَوْلُهُ: عِلْمِ الْفَتْوَى) بِأَنْ يَعْلَمَ مَا يَخُصُّ كُلَّ وَارِثٍ مِنْ التَّرِكَةِ وَ " عِلْمِ النَّسَبِ " بِأَنْ يَعْرِفَ كَيْفِيَّةَ الِانْتِسَابِ إلَى الْمَيِّتِ هَلْ هِيَ بِالْأُخُوَّةِ، أَوْ الْبُنُوَّةِ مَثَلًا وَقَوْلُهُ: وَعِلْمِ الْحِسَابِ بِأَنْ يَعْلَمَ مِنْ أَيِّ عَدَدٍ تُخَرَّجُ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ إنَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا الْمُفْتِي، وَالْقَاضِي فَقَوْلُهُ: وَعِلْمِ الْفَرَائِضِ إلَخْ الْمُرَادُ بِهِ قِسْمَةُ التَّرِكَاتِ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، وَأَمَّا الْفَرَائِضُ الَّتِي فِي التَّرْجَمَةِ الْمُفَسَّرَةِ بِمَسَائِلِ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ فَإِنَّهَا تَحْتَاجُ لِشَيْئَيْنِ فَقَطْ؛ الْمَسَائِلِ الْحِسَابِيَّةِ وَفِقْهِ الْمَوَارِيثِ كَالْعِلْمِ بِأَنَّ لِلزَّوْجَةِ كَذَا وَلِلزَّوْجِ كَذَا اهـ شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: يُبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ مَيِّتٍ وُجُوبًا) أَيْ عِنْدَ ضِيقِ التَّرِكَةِ، وَإِلَّا فَنَدْبًا اهـ مِنْ خَطِّ شَيْخِنَا الْأَشْبُولِيِّ فَصُورَةُ الزَّكَاةِ فِي حَالَةِ الضِّيقِ الَّتِي يَكُونُ التَّقْدِيمُ فِيهَا وَاجِبًا أَنْ لَا يَخْلُفَ إلَّا النِّصَابَ وَتَكُونُ مُؤَنُ التَّجْهِيزِ مُسْتَغْرَقَةً فَلَا يُصْرَفَ فِيهَا كُلُّهُ بَلْ يَخْرُجَ مِنْهُ قَدْرُ الزَّكَاةِ وَمَا زَادَ يُصْرَفُ فِيهَا وَصُورَةُ الْجَانِي أَنْ لَا يَخْلُفَ غَيْرَهُ وَيَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ بِيعَ لِلتَّجْهِيزِ لَضَاعَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ بَعْضُهُ فَيُبَاعَ لِلْجِنَايَةِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ دَيْنِهَا شَيْءٌ صُرِفَ فِي التَّجْهِيزِ، وَصُورَةُ الرَّهْنِ أَنْ لَا يَخْلُفَ غَيْرَ الْمَرْهُونِ فَيُقَالَ فِيهِ مِثْلُ مَا تَقَدَّمَ فِي الْجَانِي، وَصُورَةُ الْمَبِيعِ الَّذِي مَاتَ مُشْتَرِيهِ مُفْلِسًا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ هُوَ الْمَيِّتُ وَلَمْ يَخْلُفْ غَيْرَهُ وَلَوْ بِيعَ لِلتَّجْهِيزِ ضَاعَ ثَمَنُ الْبَائِعِ، أَوْ بَعْضُهُ فَيُقَدَّمُ بِهِ الْبَائِعُ تَأَمَّلْ، وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ الْحُقُوقَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِالتَّرِكَةِ فَقَالَ:
يُقَدَّمُ فِي الْمِيرَاثِ نَذْرٌ وَمَسْكَنٌ ... زَكَاةٌ وَمَرْهُونٌ مَبِيعٌ لِمُفْلِسِ
وَجَانِ قِرَاضٍ ثُمَّ قَرْضُ كِفَايَةٍ ... وَرَدٌّ بِعَيْبٍ فَاحْفَظْ الْعِلْمَ تَرْأَسْ
اهـ زِيَادِيٌّ. (قَوْلُهُ: يُبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ مَيِّتٍ وُجُوبًا بِمَا تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ كَزَكَاةٍ إلَخْ) أَيْ فَلَا يُبَاعُ وَاحِدٌ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ الَّذِي هُوَ عَيْنُ التَّرِكَةِ فِي مُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا فِي فَصْلِ الْكَفَنِ اهـ مَحَلِّيٌّ أَيْ بَلْ تُصْرَفُ الْمَذْكُورَاتُ إلَى جِهَةِ الْحَقِّ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهَا فَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ بَعْدَ دَفْعِ الْحَقِّ صُرِفَ فِي مُؤَنِ التَّجْهِيزِ، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي شَرْحُ حَجّ مَا نَصُّهُ كَالزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ فِي التَّرِكَةِ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَتُقَدَّمُ عَلَى مُؤَنِ التَّجْهِيزِ بَلْ عَلَى سَائِرِ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّرِكَةِ لِمَا مَرَّ أَنَّ تَعَلُّقَهَا تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ غَيْرِ حَقِيقِيَّةٍ لِجَوَازِ الْأَدَاءِ مِنْ غَيْرِهَا فَكَانَتْ التَّرِكَةُ كَالْمَرْهُونَةِ بِهَا اهـ.
وَفِي شَرْحُ م ر مَا نَصُّهُ: وَاسْتِشْكَالُ اسْتِثْنَاءِ الزَّكَاةِ بِأَنَّ النِّصَابَ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ تَعَلُّقَهَا تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ فَلَا تَكُونُ تَرِكَةً لَهُ فَلَا يَكُونُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ تَعَلُّقُ جِنَايَةٍ، أَوْ رَهْنٍ فَقَدْ ذُكِرَا، وَإِنْ عَلَّقْنَاهَا بِالذِّمَّةِ فَقَطْ وَكَانَ النِّصَابُ تَالِفًا فَإِنْ قَدَّمْنَا دَيْنَ الْآدَمِيِّ، أَوْ سَوَّيْنَا فَلَا اسْتِثْنَاءَ وَإِنْ قَدَّمْنَاهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ فَتُقَدَّمُ عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ لَا عَلَى مُؤْنَةِ التَّجْهِيزِ، وَأَجَابَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّا نَخْتَارُ الْأَوَّلَ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَرِكَةٌ بَلْ هُوَ تَرِكَةٌ وَإِنْ قُلْنَا: تَعَلُّقُ شَرِكَةٍ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ شَرِكَةً حَقِيقِيَّةً بِدَلِيلِ جَوَازِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهَا فَالْحَاصِلُ أَنَّا نَمْنَعُ خُرُوجَهُ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ لِصِحَّةِ إطْلَاقِ التَّرِكَةِ عَلَيْهِ بِالِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ عَلَى التَّنْزِيلِ فَيَصِحُّ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَجْمُوعِ الَّذِي مِنْهُ الْحَقُّ الْجَائِزُ تَأْدِيَتُهُ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ كَمَا فِي قَوْلِهِ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] وَمِثْلُ ذَلِكَ كَافٍ فِي صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ اهـ.
(قَوْلُهُ: مِنْ تَرِكَةِ مَيِّتٍ) وَهِيَ مَا يُخَلِّفُهُ مِنْ حَقٍّ كَخِيَارٍ