(بِبِنَاءٍ) لِمَسْطَبَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا (أَوْ غَرْسٍ) لِشَجَرَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ شُغْلَ الْمَكَانِ بِذَلِكَ مَانِعٌ مِنْ الطُّرُوقِ وَقَدْ تَزْدَحِمُ الْمَارَّةُ فَيَصْطَكُّونَ بِهِ.
وَتَعْبِيرِي بِبِنَاءِ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِبِنَاءِ دَكَّةٍ (وَلَا بِمَا يَضُرُّ مَارًّا) فِي مُرُورِهِ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ (فَلَا يُخْرِجُ فِيهِ مُسْلِمٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــQجَاءَ الْقُرْآنُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا} [طه: 77] وَيُؤَنَّثُ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ وَالْجَمْعُ طُرُقٌ بِضَمَّتَيْنِ وَجَمْعُ الطُّرُقِ طُرُقَاتٌ اهـ. وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى أَطْرِقَةٍ اهـ.
(قَوْلُهُ بِبِنَاءٍ لِمَسْطَبَةٍ) مِنْ ذَلِكَ الْمَسْطَبَةُ الَّتِي تُفْعَلُ فِي تُجَاهِ الصَّهَارِيجِ فِي شَوَارِعِ مِصْرِنَا فَتَنَبَّهْ لَهُ قَالَ حَجّ قَالَ بَعْضُهُمْ وَمِثْلُهَا مَا يُجْعَلُ بِالْجِدَارِ الْمُسَمَّى بِالدِّعَامَةِ إلَّا إنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ لِخَلَلٍ بِبِنَائِهِ وَلَمْ يَضُرَّ الْمَارَّةَ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ بِبِنَاءٍ لِمَسْطَبَةٍ) أَيْ وَلَوْ بِفِنَاءِ دَارِهِ، وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِهِ فِي حَرِيمِ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا أَدَّى إلَى تَمَلُّكِ الطَّرِيقِ الْمُبَاحَةِ اهـ. ح ل
(قَوْلُهُ وَقَدْ تَزْدَحِمُ الْمَارَّةُ فَيَصْطَكُّونَ بِهِ) أَيْ؛ وَلِأَنَّهُ إذَا طَالَتْ الْمُدَّةُ أَشْبَهَ مَوْضِعُهُمَا الْأَمْلَاكَ وَانْقَطَعَ أَثَرُ اسْتِحْقَاقِ الطُّرُوقِ بِخِلَافِ الْأَجْنِحَةِ وَنَحْوِهَا وَفَارَقَ حِلُّ الْغَرْسِ بِالْمَسْجِدِ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِأَنَّهُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ إذْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ أَكْلِ ثَمَرَةٍ فَإِنْ غُرِسَ لِيُصْرَفَ رِيعُهُ لِلْمَسْجِدِ فَالْمَصْلَحَةُ عَامَّةٌ أَيْضًا بِخِلَافِ مَا هُنَا وَقَضِيَّتُهُ جَوَازُ مِثْلُ ذَلِكَ هُنَا حَيْثُ لَا ضَرَرَ إلَّا أَنْ يُقَالَ تَوَقُّعِ الضَّرَرِ فِي الشَّارِعِ أَكْثَرُ فَامْتُنِعَ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى كَلَامِهِمْ اهـ. شَرْحُ م ر وَكَتَبَ عَلَيْهِ ع ش قَوْلُهُ بِأَنَّهُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ أَيْ بِأَنْ يَقْصِدُوا بِهِ ابْتِدَاءً أَوْ يُطْلَقُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِمْ فَلَوْ قَصَدَ نَفْسَهُ بِالْغَرْسِ كَانَ مُتَعَدِّيًا فَيُقْلَعُ مَجَّانًا وَتَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مُدَّةِ الْغَرْسِ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ كَمَا لَوْ وَضَعَ فِيهِ مَا لَا يَجُوزُ وَضْعُهُ فِيهِ وَكَالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ مِنْ تَوَابِعِهِ كَفَسْقِيَّتِهِ وَحَرِيمِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ حَيْثُ عُلِمَ مَا ذُكِرَ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ كَأَنْ وَجَدْنَا شَجَرًا فِيهِ، وَلَمْ يُعْرَفْ مَا قَصَدَهُ بِهِ وَاضِعُهُ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ فَيَنْتَفِعُونَ بِثَمَرِهِ وَيَنْبَغِي أَنَّ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ بِقَطْعِهِ مِنْ الشَّجَرِ أَوْ مِنْ ثِمَارِهِ الَّتِي تَبْقَى بَعْدَ أَكْلِ النَّاسِ تَكُونُ لِمَصَالِح الْمَسْجِدِ اهـ.
وَقَوْلُهُ أَنَّ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ إلَخْ كَانَ فِيهِ تَحْرِيفًا وَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِقَطْعِهِ عَنْ الشَّجَرِ كَالْجَرِيدِ وَالْأَغْصَانِ أَوْ مِمَّا يَكُونُ عَلَيْهِ الثَّمَرُ كَالْعُرْجُونِ يَكُونُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ هَذَا مِنْهُ مَنْعُ وَضْعِ الْخَزَائِنِ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا ضَرَرَ وَتَلْزَمُ الْوَاضِعَ الْأُجْرَةُ حَيْثُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْوَضْعُ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ. (قَوْلُهُ فَيَصْطَكُّونَ بِهِ) فِي الْمُخْتَارِ صَكَّهُ ضَرَبَهُ وَبَابُهُ رَدَّ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} [الذاريات: 29] ، وَفِي الْجَلَالِ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا لَطَمَتْهُ اهـ.
وَفِي الْخَطِيبِ اُخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ هَذَا اللَّطْمِ فَقِيلَ ضَرَبَتْهُ بِيَدِهَا مَبْسُوطَةً وَقِيلَ جَمَعَتْ أَصَابِعَهَا وَضَرَبَتْ وَجْهَهَا، وَذَلِكَ مِنْ عَادَةِ النِّسَاءِ إذَا أَنْكَرْنَ شَيْئًا، وَأَصْلُ الصَّكِّ ضَرْبُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ الْعَرِيضِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا بِمَا يَضُرُّ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ فَإِنْ ضُمَّ عُدِّيَ بِالْبَاءِ اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَلَا بِمَا يَضُرُّ مَارًّا) نَعَمْ يُغْتَفَرُ ضَرَرٌ يُحْتَمَلُ عَادَةً كَعَجْنِ طِينٍ إذَا بَقِيَ مِقْدَارُ الْمُرُورِ لِلنَّاسِ وَإِلْقَاءُ الْحِجَارَةِ فِيهِ لِلْعِمَارَةِ إذَا تُرِكَتْ بِقَدْرِ مُدَّةِ نَقْلِهَا وَرَبْطِ الدَّوَابِّ فِيهِ بِقَدْرِ حَاجَةِ النُّزُولِ وَالرُّكُوبِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ مَنْعُ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَلَّافِينَ مِنْ رَبْطِ الدَّوَابِّ فِي الشَّوَارِعِ لِلْكِرَاءِ فَلَا يَجُوزُ عَلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ مَنْعُهُمْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مَزِيدِ الضَّرَرِ وَالرَّشِّ الْخَفِيفِ بِخِلَافِ إلْقَاءِ الْقُمَامَاتِ وَالتُّرَابِ وَالْحِجَارَةِ وَالْحُفَرِ الَّتِي بِوَجْهِ الْأَرْضِ وَالرَّشِّ الْمُفْرِطِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي دَقَائِقِهِ وَمِثْلُهُ إرْسَالُ الْمَاءِ مِنْ الْمَيَازِيبِ إلَى الطُّرُقِ الضَّيِّقَةِ قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَكَذَا إلْقَاءُ النَّجَاسَةِ بَلْ هُوَ كَالتَّخَلِّي فِيهِ فَيَكُونُ صَغِيرَةً اهـ.
وَكَوْنُهُ صَغِيرَةً ضَعِيفٌ كَمَا مَرَّ فَعَلَيْهِ إنْ كَثُرَتْ كَانَتْ كَالْقُمَامَاتِ، وَإِلَّا فَلَا وَلَهُ إخْرَاجُ جَنَاحٍ تَحْت جَنَاحِ جَارِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالْمَارِّ عَلَيْهِ وَفَوْقَهُ وَمُقَابِلَهُ، وَإِنْ أَظْلَمَهُ وَعَطَّلَ هَوَاءَهُ مَا لَمْ يَبْطُلْ انْتِفَاعُهُ بِهِ وَلَوْ انْهَدَمَ جَنَاحُهُ فَسَبَقَهُ جَارُهُ إلَى بِنَاءِ جَنَاحٍ بِمُحَاذَاتِهِ جَازَ، وَإِنْ تَعَذَّرَ مَعَهُ إعَادَةُ الْأَوَّلِ أَوْ لَمْ يَعْرِضْ صَاحِبُهُ كَمَا لَوْ انْتَقَلَ الْوَاقِفُ أَوْ الْقَاعِدُ فِي الشَّارِعِ لَا لِلْمُعَامَلَةِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ حَقَّهُ بِمُجَرَّدِ انْتِقَالِهِ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْإِعْرَاضُ فِي الْجَالِسِ فِيهِ لِلْمُعَامَلَةِ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدُومُ؛ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ عَنْهَا ثُمَّ الْعَوْدُ إلَيْهَا ضَرُورِيٌّ فَاعْتُبِرَ الْإِعْرَاضُ بِخِلَافِ مَا هُنَا فَاعْتُبِرَ الِانْهِدَامُ اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ فَلَا يُخْرِجُ فِيهِ مُسْلِمٌ إلَخْ) وَحَيْثُ اُمْتُنِعَ الْإِخْرَاجُ هَدَمَهُ الْحَاكِمُ لَا كُلُّ أَحَدٍ كَمَا رَجَّحَهُ فِي الْمَطْلَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَوَقُّعِ الْفِتْنَةِ نَعَمْ لِكُلِّ أَحَدٍ مُطَالَبَتُهُ بِإِزَالَتِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إزَالَةِ الْمُنْكَرِ قَالَهُ سُلَيْمٌ اهـ. شَرْحُ م ر وَكَتَبَ عَلَيْهِ ع ش قَوْلُهُ لَا كُلُّ أَحَدٍ أَيْ فَلَوْ خَالَفَ وَهَدَمَ عَزَّرَ فَقَطْ، وَلَا ضَمَانَ فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَحِقُّ الْإِزَالَةِ فَأَشْبَهَ الْمُهْدَرَ كَالزَّانِي الْمُحْصَنِ إذَا قَتَلَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
(فَائِدَةٌ)
نَقَلَ الْغَزِّيِّ عَنْ الْكَافِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجَنَاحِ الْمُخْرَجِ قَدْرٌ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمِيزَابِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ نِصْفَ السِّكَّةِ وَوَجَّهَهُ