أَمَّا زِيَارَةُ قُبُورِ الْكُفَّارِ فَمُبَاحَةٌ وَقِيلَ مُحَرَّمَةٌ (وَلِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الرَّجُلِ مِنْ أُنْثَى وَخُنْثَى (مَكْرُوهَةٌ) لِقِلَّةِ صَبْرِ الْأُنْثَى وَكَثْرَةِ جَزَعِهَا وَأُلْحِقَ بِهَا الْخُنْثَى احْتِيَاطًا وَذِكْرُ حُكْمِهِ مِنْ زِيَادَتِي وَهَذَا فِي زِيَارَةِ قَبْرِ غَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. أَمَّا زِيَارَةُ قَبْرِهِ فَتُسَنُّ لَهُمَا كَالرَّجُلِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ فِي الْحَجِّ وَمِثْلُهُ قُبُورُ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ (وَأَنْ يُسَلِّمَ زَائِرٌ) فَيَقُولَ «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَادَ أَبُو دَاوُد «اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ» وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْك السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى فَنَظَرًا لِعُرْفِ الْعَرَبِ حَيْثُ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ إذَا سَلَّمُوا عَلَى قَبْرٍ يَقُولُونَ عَلَيْك السَّلَامُ (وَ) أَنْ (يَقْرَأَ) مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَيَسَّرَ (وَيَدْعُوَ) لَهُ بَعْدَ تَوَجُّهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ الْمَيِّتَ وَهُوَ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ (وَ) أَنْ (يَقْرُبَ) مِنْ قَبْرِهِ (كَقُرْبِهِ مِنْهُ) فِي زِيَارَتِهِ (حَيًّا)

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَرَدَ «مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا كُتِبَ لَهُ ثَوَابُ عُمْرَةٍ مَقْبُولَةٍ وَكُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ» وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِخَبَرِ أَبِي نُعَيْمٍ «مَنْ زَارَ قَبْرَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ كَحَجَّةٍ» (فَائِدَةٌ) .

رُوحُ الْمَيِّتِ لَهَا ارْتِبَاطٌ بِقَبْرِهِ وَلَا تُفَارِقُهُ أَبَدًا لَكِنَّهَا أَشَدُّ ارْتِبَاطًا بِهِ مِنْ عَصْرِ الْخَمِيسِ إلَى شَمْسِ السَّبْتِ وَلِذَلِكَ اعْتَادَ النَّاسُ الزِّيَارَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَفِي عَصْرِ الْخَمِيسِ وَأَمَّا زِيَارَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِشُهَدَاءِ أُحُدٍ يَوْمَ السَّبْتِ؛ فَلِضِيقِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَمَّا يُطْلَبُ فِيهِ مِنْ الْأَعْمَالِ مَعَ بُعْدِهِمْ عَنْ الْمَدِينَةِ ق ل وَبِرْمَاوِيٌّ وَع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: فَمُبَاحَةٌ) عَلَى الْمُعْتَمَدِ نَعَمْ إنْ كَانَتْ الزِّيَارَةُ بِقَصْدِ الِاعْتِبَارِ وَتَذَكُّرِ الْمَوْتِ كَانَتْ مَنْدُوبَةً مُطْلَقًا اط ف (قَوْلُهُ وَلِغَيْرِهِ مَكْرُوهَةً) وَقِيلَ حَرَامٌ لِخَبَرِ «لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ» وَحُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ زِيَارَتُهُنَّ لِلتَّعْدِيدِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ أَوْ كَانَ فِيهَا خُرُوجٌ مُحَرَّمٌ وَقِيلَ تُبَاحُ إذَا أُمِنَ مِنْ الِافْتِتَانِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: فَتُسَنُّ لَهُمَا) وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ أَذِنَ الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ أَوْ الْوَالِي ع ش عَلَى م ر. (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ قُبُورُ سَائِرِ إلَخْ) وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ إلْحَاقِ قَبْرِ أَبَوَيْهَا وَإِخْوَتِهَا وَبَقِيَّةِ أَقَارِبِهَا بِذَلِكَ أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ وَإِنْ بَحَثَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ الْإِلْحَاقَ شَرْحُ م ر وَمَحَلُّ عَدَمِ الْإِلْحَاقِ مَا لَمْ يَكُونُوا عُلَمَاءَ أَوْ أَوْلِيَاءَ كَمَا فِي ع ش عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ: وَأَنْ يُسَلِّمَ زَائِرٌ) أَيْ لِقُبُورِ الْمُسْلِمِينَ، أَمَّا قُبُورُ الْكُفَّارِ فَالْقِيَاسُ عَدَمُ جَوَازِ السَّلَامِ عَلَيْهَا كَمَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ بَلْ أَوْلَى كَمَا فِي شَرْحِ م ر وَالزَّائِرُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ يُنْدَبُ لِكُلِّ مَنْ مَرَّ عَلَى الْقَبْرِ السَّلَامُ عَلَى مَنْ فِيهِ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْأَوْقَاتِ الَّتِي اُعْتِيدَتْ الزِّيَارَةُ فِيهَا وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ الزَّائِرُ مُسْتَقْبِلًا وَجْهَ الْمَيِّتِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْأَقَارِبِ خُصُوصًا الْأَبَوَيْنِ وَلَوْ كَانُوا بِبَلَدٍ آخَرَ غَيْرِ الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَقَدْ وَرَدَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ «مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُرُّ بِقَبْرِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ إلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» كَمَا ذَكَرَهُ م ر فِي شَرْحِهِ وَقَوْلُهُ: كَانَ يَعْرِفُهُ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا مَرَّ عَلَى مَنْ لَا يَعْرِفُهُ وَسَلَّمَ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ إذَا مَرَّ عَلَى مَا كَانَ يَعْرِفُهُ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِ لَمْ يَعْرِفْهُ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ فِيهِمَا وَقَوْلُهُ إلَّا عَرَفَهُ وَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَام فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُؤَدَّى لِلْمُسْلِمِ حَقَّهُ وَلَوْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعْطِيهِ قُوَّةً بِحَيْثُ يَعْلَمُ الْمُسْلِمَ عَلَيْهِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا ثَوَابَ فِيهِ لِلْمَيِّتِ عَلَى الرَّدِّ لِأَنَّ تَكْلِيفَهُ قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ كَمَا فِي ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ دَارَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَهُوَ أَفْصَحُ أَوْ النِّدَاءُ وَبِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ كُمْ شَوْبَرِيٌّ فَيَكُونُ بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ وَيَكُونُ هُنَاكَ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ أَيْ أَهْلُ دَارٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ) فَإِنْ قِيلَ مَا فَائِدَةُ الْمَشِيئَةِ مَعَ أَنَّ اللُّحُوقَ مَقْطُوعٌ بِهِ. قُلْت أَجَابَ حَجّ بِأَنَّ الْمَشِيئَةَ لِلتَّبَرُّكِ أَوْ هِيَ لِلُّحُوقِ فِي الْوَفَاةِ عَلَى الْإِسْلَامِ أَوْ لِلُّحُوقِ بِهِمْ فِي هَذِهِ الْبُقْعَةِ اهـ وَمِثْلُهُ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ) وَيُسَنُّ أَنْ يَزِيدَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الْأَجْسَادِ الْبَالِيَةِ وَالْعِظَامِ النَّخِرَةِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ الدُّنْيَا وَهِيَ بِك مُؤْمِنَةٌ أَنْزِلْ عَلَيْهَا رَحْمَةً مِنْك وَسَلَامًا مِنِّي بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَنَظَرًا لِعُرْفِ الْعَرَبِ) وَهُوَ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ ع ش (قَوْلُهُ: وَأَنْ يَقْرَأَ) وَالْأَجْرُ لَهُ وَلِلْمَيِّتِ قَالَ شَيْخُنَا وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ تَنْفَعُ الْمَيِّتِ بِشَرْطٍ وَاحِدٍ مِنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ إمَّا حُضُورُهُ عِنْده أَوْ قَصْدُهُ لَهُ وَلَوْ مَعَ بُعْدٍ أَوْ دُعَاؤُهُ لَهُ وَلَوْ مَعَ بُعْدٍ أَيْضًا اهـ. (قَوْلُهُ بَعْدَ تَوَجُّهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ) أَيْ حَالَ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ وَكَوْنُهُ وَاقِفًا أَفْضَلُ بِرْمَاوِيٌّ وَشَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ كَقُرْبِهِ مِنْهُ حَيًّا) أَيْ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ حَيًّا لَسَمِعَهُ وَلَوْ قِيلَ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّ أُمُورَ الْآخِرَةِ لَا يُقَاسُ عَلَيْهَا، وَقَدْ يَشْهَدُ لَهُ إطْلَاقُهُمْ سَنَّ السَّلَامِ عَلَى أَهْلِ الْمَقْبَرَةِ مَعَ أَنَّ صَوْتَ الْمُسْلِمِ لَا يَصِلُ إلَى جُمْلَتِهِمْ لَوْ كَانُوا أَحْيَاءً ع ش عَلَى م ر.

وَيَنْبَغِي أَنَّ الْمُرَادَ كَقُرْبِهِ مِنْهُ بِاعْتِبَارِ عَادَتِهِ مَعَهُ بِالْفِعْلِ لَا بِاعْتِبَارِ مَقَامِ الْمَيِّتِ وَمِقْدَارِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَظِيمًا جِدًّا بِحَيْثُ يَقْتَضِي مِقْدَارُهُ الْبُعْدَ عَنْهُ جِدًّا لَكِنَّ عَادَتَهُ مَعَ الزَّائِرِ التَّنَزُّلُ وَالتَّبَرُّكُ وَالتَّوَاضُعُ وَتَقْرِيبُهُ مِنْهُ وَقَفَ عِنْدَ زِيَارَتِهِ عَلَى عَادَتِهِ مَعَهُ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي كَانَ يُقَرِّبُ مِنْهُ فِي الْحَيَاةِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ عَظَمَةُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015