بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْكَفَنِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ السَّتْرُ وَقَدْ حَصَلَ وَمِنْ الْغُسْلِ التَّعَبُّدُ بِفِعْلِنَا لَهُ وَلِهَذَا يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ لَا لِلتَّكْفِينِ (وَأَكْمَلُهُ أَنْ يُغَسَّلَ فِي خَلْوَةٍ) لَا يَدْخُلُهَا إلَّا الْغَاسِلُ وَمَنْ يُعِينُهُ وَالْوَلِيُّ فَيُسْتَرُ كَمَا كَانَ يَسْتَتِرُ حَيًّا عِنْدَ اغْتِسَالِهِ، وَقَدْ يَكُونُ بِبَدَنِهِ مَا يَكْرَهُ ظُهُورَهُ وَقَدْ «تَوَلَّى غُسْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ يُنَاوِلُ الْمَاءَ وَالْعَبَّاسُ وَاقِفٌ» ثَمَّ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ تَحْتَ سَقْفٍ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ. (وَ) فِي (قَمِيصٍ) بَالٍ أَوْ سَخِيفٍ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهُ وَأَلْيَقُ وَقَدْ «غُسِّلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَمِيصٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَيُدْخِلُ الْغَاسِلُ يَدَهُ فِي كُمِّهِ إنْ كَانَ وَاسِعًا وَيُغَسِّلُهُ مِنْ تَحْتِهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَتَقَ رُءُوسَ الدَّخَارِيصِ وَأَدْخَلَ يَدَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: بِخِلَافِ نَظِيرِهِ مِنْ الْكَفَنِ) أَيْ: فَإِنَّا لَمْ نَتَعَبَّدْ بِهِ بَلْ وَجَبَ لِمَصْلَحَةِ الْمَيِّتِ وَهُوَ سُتْرَةٌ، وَأَمَّا الْغُسْلُ فَلَيْسَ لِمَصْلَحَةِ الْمَيِّتِ فَقَطْ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَقِبَ اغْتِسَالِهِ بِالْمَاءِ يَجِبُ غُسْلُهُ وَأَنَّا لَوْ عَجَزْنَا عَنْ طَهَارَتِهِ بِالْمَاءِ وَجَبَ تَيَمُّمُهُ مَعَ أَنَّهُ لَا نَظَافَةَ فِيهِ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ السِّتْرُ) أَيْ: مَعَ كَوْنِهِ لَيْسَ صُورَةَ عِبَادَةٍ فَلَا يُقَالُ الْمَقْصُودُ مِنْ الْغُسْلِ النَّظَافَةُ أَيْضًا بِدَلِيلِ عَدَمِ وُجُوبِ نِيَّتِهِ وَيَنْبَغِي أَنَّ الصَّلَاةَ كَالْغُسْلِ وَالْحَمْلَ كَالدَّفْنِ، وَأَنَّهُ لَوْ حَفَرَ لِنَفْسِهِ كَرَامَةً سَقَطَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا يُقَالُ الْمُخَاطَبُ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُ إنَّمَا خُوطِبَ لِعَدَمِ تَأَتِّيه مِنْهُ فَإِذَا فَعَلَهُ بِنَفْسِهِ سَقَطَ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَأَكْمَلُهُ أَنْ يُغَسَّلَ إلَخْ) قَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّ غَيْرَ هَذِهِ الْحَالَةِ فِيهَا كَمَالٌ وَهُوَ مُشْكِلٌ بِأَنَّ تَغْسِيلَهُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُخَالِفُ مَا ذَكَرَهُ مَكْرُوهٌ، وَيُجَابُ بِأَنَّ أَكْمَلَ بِمَعْنَى كَامِلٍ أَوْ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَا عَدَاهُ كَامِلٌ مِنْ حَيْثُ أَدَاءُ الْوَاجِبِ بِهِ ع ش (قَوْلُهُ: وَالْوَلِيُّ) أَيْ: فَيُسَنُّ لِلْوَلِيِّ الدُّخُولُ وَإِنْ لَمْ يُغَسِّلْ وَلَمْ يَعْنِ لِحِرْصِهِ عَلَى مَصْلَحَتِهِ وَمَحَلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ عَدَاوَةٌ وَإِلَّا فَكَالْأَجْنَبِيِّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقَرِيبُ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ شَوْبَرِيٌّ مَعَ زِيَادَةٍ وَقَالَ م ر: وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ أَقْرَبُ الْوَرَثَةِ اهـ وَعَلَيْهِ فَهَلْ يُقَدَّمُ الِابْنُ عَلَى الْأَبِ وَالْجَدُّ عَلَى الْعَمِّ أَوْ يَسْتَوِيَانِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَدْلَى بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ وَمِنْ الْأَقْرَبِ هُنَا مَنْ أَدْلَى بِجِهَتَيْنِ كَالْأَخِ الشَّقِيقِ فَيُقَدَّمُ عَلَى مَنْ أَدْلَى بِجِهَةٍ. اهـ. ع ش مُلَخَّصًا.

(قَوْلُهُ: وَالْفَضْلُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْفَضْلَ كَانَ مُبَاشِرًا لِلْغُسْلِ لَكِنْ ذَكَرَ حَجّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ فِي آخِرِ بَابِ وَفَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الَّذِي بَاشَرَ غُسْلَهُ عَلِيٌّ وَحْدَهُ وَأَمَّا بَقِيَّةُ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَكَانَ يَصُبُّ الْمَاءَ وَأَعْيُنُهُمْ مَعْصُوبَةٌ، وَعِبَارَتُهُ عَنْ «عَلِيٍّ: أَوْصَانِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يُغَسِّلَهُ أَحَدٌ غَيْرِي قَالَ: فَإِنَّهُ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي إلَّا طُمِسَتْ عَيْنَاهُ» ع ش إطْفِيحِيٌّ وَقَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي) لَعَلَّ الْمُرَادَ لَا يَرَى أَحَدٌ غَيْرَك أَوْ أَنَّهُ لَا يَرَى أَحَدٌ عَوْرَتِي إلَّا طُمِسَتْ عَيْنَاهُ أَيْ: وَأَنْتَ تُحَافِظُ عَلَى عَدَمِ الرُّؤْيَةِ بِخِلَافِ غَيْرِك كَمَا ذَكَرَهُ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَأُسَامَةُ يُنَاوِلُ الْمَاءَ) وَكَذَا شُقْرَانُ مَوْلَاهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُمْ خَمْسَةٌ: عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَشُقْرَانُ وَأُسَامَةُ وَالْعَبَّاسُ وَكَانَتْ أَعْيُنُهُمْ مَعْصُوبَةً وَقَدْ جَمَعَهُمْ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ

: عَلِيٌّ وَعَبَّاسٌ وَفَضْلٌ أُسَامَةُ ... وَشُقْرَانُ قَدْ فَازُوا بِغَسْلِ نَبِيِّنَا

وَكَانَ مَوْتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضَحْوَةَ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَدُفِنَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ وَكَانَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَعْرُوفَةِ، وَصَلُّوا عَلَيْهِ فُرَادَى خِلَافًا لِمَا فِي الْمَجْمُوعِ لِأَنَّهُ الْإِمَامُ وَلَمْ يَكُنْ خَلِيفَةٌ بَعْدَهُ يُجْعَلُ إمَامًا، وَجُمْلَةُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ سِتُّونَ أَلْفًا وَمِنْ غَيْرِهِمْ ثَلَاثُونَ أَلْفًا، وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ ثُمَّ بَنُو هَاشِمٍ ثُمَّ الْمُهَاجِرُونَ ثُمَّ الْأَنْصَارُ ثُمَّ أَهْلُ الْقُرَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوَّلُ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْمَلَائِكَةُ ثُمَّ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ وَمَاتَ عَنْ مِائَةِ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفًا كُلُّهُمْ لَهُمْ بِهِ صُحْبَةٌ خِلَافًا لِلْغَزَالِيِّ. وَمَنْ قَالَ: إنَّهُمْ صَلُّوا عَلَيْهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَمَّى اللَّيْلَةَ يَوْمًا بِالتَّغْلِيبِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمَرَادَ بِلَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ الَّتِي تَلِيهِ وَفِيهِ نَظَرٌ ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ النَّظَرِ. (قَوْلُهُ: أَوْ سَخِيفٍ) بِالْخَاءِ وَالْفَاءِ مُهَلْهَلُ النَّسْجِ وَالْبَالِي الْخَلَقِ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْقَوِيَّ يَحْبِسُ الْمَاءَ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ غُسِّلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَمِيصٍ) أَيْ: قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي تَجْرِيدِهِ فَغَشِيَهُمْ جَمِيعًا النُّعَاسُ فَسَمِعُوا هَاتِفًا مِنْ دَاخِلِ الْبَيْتِ لَا تُجَرِّدُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي رِوَايَةٍ: «غَسِّلُوهُ فِي قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ» . فَإِنْ قُلْت الْهَاتِفُ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ. قُلْت: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ اجْتِهَادٌ مِنْهُمْ بَعْدَ سَمَاعِ الْهَاتِفِ فَاسْتَحْسَنُوا هَذَا الْفِعْلَ وَأَجْمَعُوا عَلَيْهِ فَالِاسْتِدْلَالُ إنَّمَا هُوَ بِإِجْمَاعِهِمْ لَا بِسَمَاعِ الْهَاتِفِ شَرْحُ م ر وع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: فَتَقَ رُءُوسَ الدَّخَارِيصِ) جَمْعُ دِخْرِيصٍ بِالْكَسْرِ وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالنَّيَافِقِ، وَرُءُوسُهَا هِيَ الْخِيَاطَةُ الَّتِي فِي أَسْفَلِ الْكُمِّ وَلَا يَحْتَاجُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015