نَحْوَ «وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ» لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ إلَّا كَلِمَةَ مُسْلِمًا فَابْنُ حِبَّانَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ «وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ بِمَا فِيهَا تَارَةً لِأَنَّهُ أَوَّلُ مُسْلِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَبِمَا فِي الْأُولَى أُخْرَى وَسَيَأْتِي فِي الْجَنَائِزِ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ فِي صَلَاتِهَا دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ. (فَتَعَوُّذٌ) لِلْقِرَاءَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] أَيْ: إذَا أَرَدْتَ قِرَاءَتَهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQمَا يَفْعَلُهُ الْمُصَلِّي أَوَّلًا ع ش وَفِي تَسْمِيَتِهِ دُعَاءً تَجَوُّزٌ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ طَلَبٌ وَهَذَا لَا طَلَبَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ فَسُمِّيَ دُعَاءً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُجَازَى عَلَيْهِ كَمَا يُجَازَى عَلَى الدُّعَاءِ كَمَا قَالَهُ اج: أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ آخِرَهُ دُعَاءٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا هُنَا وَهُوَ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فَإِنَّ هَذَا مِنْهُ شَيْخُنَا ح ف وَمِثْلُهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَمَحَلُّ سَنِّهِ لِلْمَأْمُومِ إذَا عَرَفَ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْفَاتِحَةَ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ذَلِكَ وَيُسَنُّ لَهُ إذَا اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِأَنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ عَقِبَ تَحَرُّمِهِ كَمَا قَالَهُ الرَّشِيدِيُّ وَيُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ الْإِسْرَاعُ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ إذَا كَانَ يَسْمَعُ قِرَاءَةَ إمَامِهِ اهـ شَرْحُ م ر

وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ يَقْرَؤُهُ وَإِنْ سَمِعَ قِرَاءَةَ إمَامِهِ وَعَلَيْهِ فَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قِرَاءَةِ السُّورَةِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ تُعَدُّ قِرَاءَةً لِلْمَأْمُومِ فَأَغْنَتْ عَنْ قِرَاءَتِهِ وَيُسَنُّ اسْتِمَاعُهُ لَهَا وَلَا كَذَلِكَ الِافْتِتَاحُ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الدُّعَاءُ وَدُعَاءُ الشَّخْصِ لِنَفْسِهِ لَا يُعَدُّ دُعَاءً لِغَيْرِهِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر وَلَوْ تَرَكَهُ وَلَوْ سَهْوًا وَشَرَعَ فِي التَّعَوُّذِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ. (قَوْلُهُ: وَجَّهْتُ وَجْهِي) أَيْ: أَقْبَلْتُ بِذَاتِي فَعَبَّرَ بِالْوَجْهِ عَنْ الذَّاتِ مَجَازًا. (قَوْلُهُ: حَنِيفًا مُسْلِمًا) حَالَانِ مِنْ الْوَجْهِ أَيْ: الذَّاتِ فَتَأْتِي بِهِمَا الْأُنْثَى كَذَلِكَ وَالتَّذْكِيرُ بِاعْتِبَارِ الشَّخْصِ وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُمَا حَالَيْنِ مِنْ تَاءِ الضَّمِيرِ فِي وَجَّهْتُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَلْزَمُ فِي الْمَرْأَةِ التَّأْنِيثُ شَوْبَرِيٌّ وَيُرَدُّ بِأَنَّا إذَا اعْتَبَرْنَا الشَّخْصَ لَا يَلْزَمُ التَّأْنِيثُ حَجّ وَقَوْلُهُ: حَنِيفًا أَيْ: مَائِلًا عَنْ كُلِّ دِينٍ إلَى دِينِ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: وَمَا أَنَا إلَخْ) تَأْكِيدٌ. (قَوْلُهُ: وَنُسُكِي) أَيْ: عِبَادَتِي فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ. (قَوْلُهُ: وَمَحْيَايَ) أَيْ: إحْيَائِي وَمَمَاتِي أَيْ: إمَاتَتِي لِلَّهِ أَيْ: مَنْسُوبَانِ لِلَّهِ. (قَوْلُهُ: وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ) لَا فَرْقَ فِي التَّعْبِيرِ بِهِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى شَوْبَرِيٌّ، وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر وحج وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَأْتِي بِجَمِيعِ ذَلِكَ بِأَلْفَاظِهِ الْمَذْكُورَةِ اتِّبَاعًا لِلْوَارِدِ لِلتَّغْلِيبِ الشَّائِعِ وَإِرَادَةِ الشَّخْصِ فِي نَحْوِ حَنِيفًا وَبِهِ يُرَدُّ قَوْلُ الْإِسْنَوِيِّ الْقِيَاسُ الْمُشْرِكَاتُ الْمُسْلِمَاتُ وَقَوْلُ غَيْرِهِ الْقِيَاسُ حَنِيفَةً مُسْلِمَةً وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ أَتَتْ بِهِ حَصَلَتْ السُّنَّةُ اهـ. (قَوْلُهُ: فَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ بِمَا فِيهَا) وَلَا يَقُولُهَا غَيْرُهُ إلَّا إنْ قَصَدَ لَفْظَ الْآيَةِ وَعِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْرُمَ خِلَافًا لحج وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ لَفْظُ الْقُرْآنِ وَلَا نَظَرَ لِلصَّارِفِ وَإِذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ هَلْ يَكْفُرُ أَوْ لَا؟ .

قُلْتُ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ إنْ قَصَدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَتَعَمَّدَهُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ تَكْفِيرِ مَنْ قَبْلَهُ ح ل. (قَوْلُهُ: أَوَّلُ مُسْلِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ) أَيْ: فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ مُطْلَقًا لِتَقَدُّمِ خَلْقِ ذَاتِهِ وَإِفْرَاغِ النُّبُوَّةِ عَلَيْهِ قَبْلَ خَلْقِ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ ع ش وَكَلَامُ الشَّارِحِ يَقْتَضِي أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُمَّةِ الْمَدْعُوُّونَ بِرِسَالَتِهِ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلٌ حَتَّى إلَى نَفْسِهِ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ: وَسَيَأْتِي إلَخْ) غَرَضُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهَا لَا تَرِدُ عَلَى إطْلَاقِهِ هُنَا لِأَنَّ مَا يَأْتِي مُقَيَّدٌ لِمَا أَطْلَقَهُ هُنَا بِرْمَاوِيٌّ وَقَدْ يُقَالُ الْكَلَامُ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَلَا تَدْخُلُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ. (قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا يُسَنُّ إلَخْ) أَيْ: وَلَوْ كَانَتْ عَلَى قَبْرٍ أَوْ غَائِبٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ م ر. (قَوْلُهُ: فَتَعَوَّذَ) أَيْ: حَيْثُ لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْهَا وَلَوْ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ح ل. (قَوْلُهُ: لِلْقِرَاءَةِ) أَيْ: أَوْ بَدَلِهَا وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا وَيُسْتَحَبُّ لِعَاجِزٍ أَتَى بِذِكْرٍ بَدَلَ الْفَاتِحَةِ فِيمَا يَظْهَرُ خِلَافًا لِصَاحِبِ الْمُهِمَّاتِ وَلَوْ تَعَارَضَ الِافْتِتَاحُ وَالتَّعَوُّذُ أَيْ: لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا أَحَدُهُمَا بِأَنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ لَا يَسَعُ إلَّا أَحَدَهُمَا وَالصَّلَاةَ هَلْ يُرَاعِي الِافْتِتَاحَ لِسَبْقِهِ أَوْ التَّعَوُّذَ لِأَنَّهُ لِلْقِرَاءَةِ؟ اُنْظُرْهُ. قُلْتُ مِمَّا يُرَجِّحُ الثَّانِيَ أَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِ ح ل. (قَوْلُهُ: أَيْ: إذَا أَرَدْتَ قِرَاءَتَهُ) قَالَ الشَّيْخُ بِهَاءِ الدِّينِ: فِي عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ وَرَدَ عَلَيْهِ سُؤَالٌ وَهُوَ أَنَّ الْإِرَادَةَ إنْ أُخِذَتْ مُطْلَقًا لَزِمَ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِعَاذَةِ بِمُجَرَّدِ إرَادَةِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ ثُمَّ عَنَّ لَهُ أَنْ لَا يَقْرَأَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الِاسْتِعَاذَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنْ أُخِذَتْ الْإِرَادَةُ بِشَرْطِ اتِّصَالِهَا بِالْقِرَاءَةِ اسْتَحَالَ التَّعَوُّذُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ.

قَالَ الدَّمَامِينِيُّ: وَبَقِيَ قِسْمٌ آخَرُ بِاخْتِيَارِهِ يَزُولُ الْإِشْكَالُ وَذَلِكَ أَنَّا نَأْخُذُهَا مُقَيَّدَةً بِأَنْ لَا يَعْرِضَ لَهُ صَارِفٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015