وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ وَجَمَعْت بَيْنَ الِابْتِدَاءَيْنِ عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ وَإِشَارَةً إلَى أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا إذْ الِابْتِدَاءُ حَقِيقِيٌّ وَإِضَافِيٌّ، فَالْحَقِيقِيُّ حَصَلَ بِالْبَسْمَلَةِ وَالْإِضَافِيُّ حَصَلَ بِالْحَمْدَلَةِ وَقَدَّمْت الْبَسْمَلَةَ عَمَلًا بِالْكِتَابِ وَالْإِجْمَاعِ.
وَالْحَمْدُ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ سَوَاءٌ أَجُعِلَتْ أَلْ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَمْ لِلْجِنْسِ أَمْ لِلْعَهْدِ.
(وَالصَّلَاةُ) وَهِيَ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَمِنْ الْمَلَائِكَة اسْتِغْفَارٌ وَمِنْ الْآدَمِيِّينَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْقَارِئِ الشَّيْطَانَ الَّذِي يُوَسْوِسُهُ فِي الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَحْمِلَ الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ مَحْمَلِهِ أَوْ يَلْهُوَ عَنْهُ لَا أَنَّهُ يُوجِبُ لِلْقُرْآنِ ضِدَّ كَمَالٍ وَشَرَفٍ بَلْ ذَلِكَ عَائِدٌ إلَى الْقَارِئِ.
(قَوْلُهُ وَحَسَّنَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ) أَيْ: نَقَلَ تَحْسِينَهُ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يُنَافِي مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ: إنَّ التَّحْسِينَ فِي عَصْرِهِ غَيْرُ مُمْكِنٍ. اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ وَجَمَعْت بَيْنَ الِابْتِدَاءَيْنِ) وَلَمْ أَكْتَفِ بِأَحَدِهِمَا، وَهَذَا السُّؤَالُ نَاشِئٌ مِنْ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَابْتَدَأْت إلَخْ وَقَوْلُهُ وَقَدَّمْت نَاشِئٌ مِنْ هَذَا الثَّانِي وَهَذَا أَوْلَى مِنْ كَلَامِ الْحَلَبِيِّ (قَوْلُهُ فَالْحَقِيقِيُّ حَصَلَ بِالْبَسْمَلَةِ) وَيَلْزَمُهُ الْإِضَافِيُّ، وَقَوْلُهُ وَالْإِضَافِيُّ أَيْ: الْمَحْضُ قَالَ ع ش عَلَى م ر نَقْلًا عَنْ سم عَلَى الْبَهْجَةِ: وَحَاصِلُ هَذَا الْجَوَابِ دَفْعُ التَّعَارُضِ بِحَمْلِ الِابْتِدَاءِ فِي خَبَرِ الْبَسْمَلَةِ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَفِي خَبَرِ الْحَمْدَلَةِ عَلَى الْإِضَافِيِّ، فَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّعَارُضَ كَمَا يَنْدَفِعُ بِهَذَا يَنْدَفِعُ بِعَكْسِهِ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى إيثَارِ هَذَا؟ وَيُجَابُ بِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ قَوْلُهُ وَقَدَّمْتُ الْبَسْمَلَةَ إلَخْ اهـ (قَوْلُهُ وَقَدَّمْت الْبَسْمَلَةَ) لَا يُقَالُ: هَذَا مُكَرَّرٌ مَعَ قَوْلِهِ وَابْتَدَأْت بِالْبَسْمَلَةِ إلَخْ لِأَنَّا نَقُولُ: ذَاكَ الْغَرَضُ مِنْهُ الِابْتِدَاءُ بِالْقِرَاءَةِ بِهِمَا وَهَذَا الْغَرَضُ مِنْهُ بَيَانُ سَبَبِ تَقْدِيمِ الْبَسْمَلَةِ وَإِنْ حَصَلَ فِي الْأَوَّلِ ضِمْنًا فَلْيُتَأَمَّلْ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ عَمَلًا بِالْكِتَابِ) عَبَّرَ فِي جَانِبِ الْكِتَابِ أَوَّلًا: بِالِاقْتِدَاءِ وَثَانِيًا: بِالْعَمَلِ لَعَلَّهُ لِلتَّفَنُّنِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْعَمَلِ مَا يَشْمَلُ الِاقْتِدَاءَ لِأَنَّهُمَا كَالْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ إذَا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا وَإِذَا افْتَرَقَا اجْتَمَعَا قَالَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا.
(قَوْلُهُ وَالْإِجْمَاعِ) أَيْ: إجْمَاعِ الْأُمَّةِ الْفِعْلِيِّ.
(قَوْلُهُ كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ) أَيْ: لِلْقَاعِدَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ الْمُبْتَدَأَ إذَا كَانَ مُعَرَّفًا بِأَلْ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى الْخَبَرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَلَّامَةُ الْأُجْهُورِيُّ الْمَالِكِيُّ بِقَوْلِهِ
مُبْتَدَأٌ فَاللَّامُ جِنْسٍ عُرِّفَا ... مُنْحَصِرٌ فِي مُخْبِرٍ بِهِ وَفَا
وَإِنْ عَرِيَ عَنْهَا وَعُرِّفَ الْخَبَرْ ... بِاللَّامِ مُطْلَقًا فَبِالْعَكْسِ اسْتَقَرْ
وَقَدْ تَعَقَّبَ فِي قَوْلِهِ فَاللَّامُ جِنْسٍ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِهَا لَا يَصِحُّ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى تَعْرِيفِ الْمُبْتَدَأِ بِاللَّامِ مُطْلَقًا فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّارِحُ: سَوَاءٌ أَجُعِلَتْ أَلْ فِيهِ لِلِاسْتِغْرَاقِ إلَخْ وَيَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِ كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ اتِّحَادُ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى كَالِاخْتِصَاصِ الَّذِي أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى وَالْحَمْدُ فِي الْوَاقِعِ وَنَفْسُ الْأَمْرِ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَمَا أَفَادَتْهُ الْجُمْلَةُ الْمُتَلَفَّظُ بِهَا أَوْ أَنَّ الْكَافَ بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ: لِإِفَادَةِ الْجُمْلَةِ لَهُ. اهـ (قَوْلُهُ أَمْ لِلْجِنْسِ) وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ وَالشَّائِعُ فِي هَذِهِ الْمَقَامَاتِ لِأَنَّهُ كَدَعْوَى الشَّيْءِ بِالدَّلِيلِ إذْ الْمَعْنَى جَمِيعُ أَفْرَادِ الْحَمْدِ مُخْتَصَّةٌ بِاَللَّهِ؛ لِأَنَّ جِنْسَ الْحَمْدِ مُخْتَصٌّ بِهِ وَالْمُرَادُ بِالْجِنْسِ الْحَقِيقَةُ وَالْمَاهِيَّةُ. ع ش
(قَوْلُهُ وَهِيَ مِنْ اللَّهِ) أَيْ: إذَا أُضِيفَتْ إلَيْهِ وَيُقَالُ مِثْلُهُ فِيمَا بَعْدَهُ، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تَكُونُ الصَّلَاةُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةً وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارًا مَعَ حَصْرِهِمْ الْمَوْضُوعَ اللُّغَوِيَّ فِي الدُّعَاءِ بِخَيْرٍ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَصْرَ إضَافِيٌّ أَيْ: بِالنِّسْبَةِ لِلْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ فَلَا يُنَافِي وُجُودَ مَعْنًى آخَرَ كَالرَّحْمَةِ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمَلَائِكَةِ فَوَاضِحٌ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ دُعَاءٌ اهـ أُجْهُورِيٌّ وَسَيَأْتِي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ مَعْنَاهَا لُغَةً مَا مَرَّ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَهُوَ مَا هُنَا. وَقَالَ فِي دَقَائِقِ الْمِنْهَاجِ: إنَّ إطْلَاقَهَا عَلَى الرَّحْمَةِ إطْلَاقٌ شَرْعِيٌّ وَلُغَوِيٌّ عَلَيْهِ فَلَا إشْكَالَ. (قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ) أَيْ: بِلَفْظِهِ أَوْ مُرَادِفِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاسْتِغْفَارَ بِخُصُوصِ صِيغَتِهِ لِحَدِيثِ «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ تَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ.» شَوْبَرِيٌّ وَبِرْمَاوِيٌّ وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ قَوْلُهُ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ اسْتِغْفَارٌ يُنْظَرُ مَا مَعْنَى اسْتِغْفَارِهِمْ لَهُ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ مَعَ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ وَهُوَ مَعْصُومٌ. فَإِنْ قُلْت: الْمُرَادُ الِاسْتِغْفَارُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الَّذِي هُوَ طَلَبُ السَّتْرِ وَقَصْدُ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذَّنْبِ فَيَرْجِعُ إلَى الْعِصْمَةِ. قُلْت بَعْدَ تَسْلِيمِهِ: إنَّمَا يَظْهَرُ فِي اسْتِغْفَارِهِمْ لَهُ فِي حَيَاتِهِ أَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَا وَإِنْ كَانَ حَيًّا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي دَارِ تَكْلِيفٍ. فَإِنْ قُلْت: الْمُرَادُ مِنْ اسْتِغْفَارِهِمْ لَهُ مُطْلَقُ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ. قُلْت فَمَا حِكْمَةُ الْمُغَايَرَةِ فِي التَّعْبِيرِ بَيْنَ دُعَائِهِمْ وَدُعَاءِ الْمُؤْمِنِينَ؟ اهـ بِحُرُوفِهِ وَأُجِيبَ عَنْ أَصْلِ الْإِشْكَالِ بِأَنَّهُ مِنْ بَابِ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ.
(قَوْلُهُ وَمِنْ الْآدَمِيِّينَ)