رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.

وَيُسَنُّ السُّحُورُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ. «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً» وَلِخَبَرِ الْحَاكِمِ فِي صَحِيحِهِ «اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَبِقَيْلُولَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ» . .

(وَ) الثَّانِي (تَأْخِيرُ السُّحُورِ) مَا لَمْ يَقَعْ فِي شَكٍّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ لِخَبَرِ: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ» وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّقَوِّي عَلَى الْعِبَادَةِ، فَإِنْ شَكَّ فِي ذَلِكَ كَأَنْ تَرَدَّدَ فِي بَقَاءِ اللَّيْلِ لَمْ يُسَنَّ التَّأْخِيرُ بَلْ الْأَفْضَلُ تَرْكُهُ لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ: «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك»

تَنْبِيهٌ: لَوْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِسَنِّ السُّحُورِ كَمَا ذَكَرْته لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّ اسْتِحْبَابَهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQفَمَه مِنْ الْمَاءِ، وَحَسَوَاتٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا مَعَ فَتْحِ السِّينِ وَالْحُسْوَةُ مِلْءُ الْفَمِ بِالْمَاءِ. قَالَ م ر: قَضِيَّتُهُ أَنَّ السُّنَّةَ تَثْلِيثُ مَا يُفْطِرُ عَلَيْهِ مِنْ رُطَبٍ وَغَيْرِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا يَقْتَضِيهِ تَصْرِيحُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ بِتَمْرٍ، إذْ هُوَ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ. وَتَعْبِيرُ جَمْعٍ بِتَمْرَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْصُلُ بِهَا أَصْلُ السُّنَّةِ.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ السُّحُورُ) السُّحُورُ بِضَمِّ السِّينِ الْفِعْلُ، أَمَّا بِفَتْحِهَا فَمَا يَتَسَحَّرُ بِهِ. فَإِنْ قُلْت: حِكْمَةُ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّوْمِ خُلُوُّ الْجَوْفِ لِإِذْلَالِ النَّفْسِ وَكَفِّهَا عَنْ شَهَوَاتِهَا وَالسُّحُورُ يُنَافِي ذَلِكَ؟ قُلْت: لَا يُنَافِيهِ بَلْ فِيهِ إقَامَةُ السُّنَّةِ بِنَحْوِ قَلِيلِ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ، وَالْمُنَافِي إنَّمَا هُوَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُتَرَفِّهُونَ مِنْ أَنْوَاعِ ذَلِكَ وَتَحْسِينُهُ وَالِامْتِلَاءُ مِنْهُ اهـ عَلْقَمِيٌّ. وَفِي الْعُهُودِ لِلشَّعْرَانِيِّ: أُخِذَ عَلَيْنَا الْعُهُودُ أَنْ لَا نَشْبَعَ الشِّبَعَ الْكَامِلَ قَطُّ لَا سِيَّمَا فِي لَيَالِيِ رَمَضَانَ، فَإِنَّ الْأَوْلَى النَّقْصُ فِيهَا عَنْ مِقْدَارِ مَا كُنَّا نَأْكُلُهُ فِي غَيْرِهَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ شَهْرُ الْجُوعِ، وَمَنْ شَبِعَ فِي عَشَائِهِ وَسُحُورِهِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَصُمْ رَمَضَانَ، وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُفْطِرِ مِنْ حَيْثُ الْأَثَرُ الْمَشْرُوعُ لَهُ الصَّوْمُ وَهُوَ إضْعَافُ الشَّهْوَةِ الْمُضَيِّقَةِ لِمَجَارِي الشَّيْطَانِ فِي الْبَدَنِ، وَهَذَا الْأَمْرُ بَعِيدٌ عَلَى مَنْ شَبِعَ مِنْ اللَّحْمِ وَالْمَرَقِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً مُرْضِعَةً أَوْ شَخْصًا يَتَعَاطَى فِي النَّهَارِ الْأَعْمَالَ الشَّاقَّةَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى،.

وَقَدْ قَالُوا: مَنْ أَحْكَمَ الْجُوعَ فِي رَمَضَانَ حُفِظَ مِنْ الشَّيْطَانِ إلَى رَمَضَانَ الْآتِي؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ جُنَّةٌ عَلَى بَدَنِ الصَّائِمِ مَا لَمْ يَخْرِقْهُ شَيْءٌ فَإِذَا خَرَقَهُ دَخَلَ الشَّيْطَانُ لَهُ مِنْ الْخَرْقِ اهـ.

قَوْلُهُ: (بَرَكَةً) أَيْ أَجْرًا وَثَوَابًا، فَالْمُنَاسِبُ أَنْ يُقْرَأَ السُّحُورُ بِالضَّمِّ لِأَنَّ الْأَجْرَ فِي الْفِعْلِ.

قَوْلُهُ: (وَبِقَيْلُولَةِ النَّهَارِ) الْقَيْلُولَةُ هِيَ الرَّاحَةُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَوْ بِلَا نَوْمٍ وَقِيلَ هِيَ النَّوْمُ بَعْدَهُ ق ل وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا النَّوْمُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ وَفِي تَذْكِرَةِ الْجَلَالِ السُّيُوطِيّ النَّوْمُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ عَيْلُولَةٌ وَهُوَ الْفَقْرُ وَعِنْدَ الضُّحَى فَيْلُولَةٌ وَهُوَ الْفُتُورُ وَحِينَ الزَّوَالِ قَيْلُولَةٌ وَهِيَ الزِّيَادَةُ فِي الْعَقْلِ وَبَعْدَ الزَّوَالِ حَيْلُولَةٌ أَيْ يُحِيلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ وَفِي آخِرِ النَّهَارِ غَيْلُولَةٌ أَيْ يُورِثُ الْهَلَاكَ. قَالَ الْمُنَاوِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ كَثْرَةَ النَّوْمِ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ لِكَثْرِ مَفَاسِدِهِ الْأُخْرَوِيَّةِ، بَلْ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْغَفْلَةَ وَالشُّبُهَاتِ وَفَسَادَ الْمِزَاجِ الطَّبِيعِيِّ وَالنَّفْسَانِيِّ وَيُكْثِرُ الْبَلْغَمَ وَالسَّوْدَاءَ وَيُضْعِفُ الْمَعِدَةَ وَيُنْتِنَ الْفَمَ وَيُوَلِّدُ دُونَ الْقُرُحِ وَيُضْعِفُ الْبَصَرَ وَالْبَاهَ حَتَّى لَا يَكُونَ لَهُ دَاعِيَةٌ لِلْجِمَاعِ، وَيُفْسِدُ الْمَاءَ وَيُورِثُ الْأَمْرَاضَ الْمُزْمِنَةَ فِي الْوَلَدِ الْمُتَخَلَّقِ مِنْ تِلْكَ النُّطْفَةِ حَالَ تَكْوِينِهِ، وَيُضْعِفُ الْجَسَدَ. هَذَا فِي النَّوْمِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَالصُّبْحِ، وَأَمَّا فِيهِمَا فَأَعْظَمُ ضَرَرًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِقْصَاءُ مَفَاسِدِهِ فِي الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ يُورِثُ ضَعْفَ الْحَالِ بِحُكْمِ الْخَاصِّيَّةِ وَعَدَمِ الْإِيمَانِ بِالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ؛ قَالَ حَجّ فِي شَرْحِ الْهَمَزِيَّةِ: بِخِلَافِ الْإِغْفَاءِ وَهُوَ النَّوْمُ الْخَفِيفُ بِحَيْثُ لَا يَسْتَغْرِقُ الْوَقْتَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِغْرَاقَ إنَّمَا يَتَوَلَّدُ عَنْ نَوْمِ الْقَلْبِ وَغَفْلَتِهِ الْمُتَوَلِّدُ مِنْ الشِّبَعِ الْمُفْرِطِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ حَاشِيَةِ ابْنِ الْقِيمَةِ عَلَى الْبَيْضَاوِيِّ

قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَقَعْ فِي شَكٍّ) أَيْ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ. قَوْلُهُ: (فَإِنْ شَكَّ إلَخْ) الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: فَإِنْ أَوْقَعَهُ ذَلِكَ فِي شَكٍّ؛ لِأَنَّهُ مُقَابِلُ قَوْلِهِ " مَا لَمْ يَقَعْ فِي شَكٍّ ".

قَوْلُهُ: (لَمْ يُسَنَّ التَّأْخِيرُ) أَيْ حَيْثُ أَوْقَعَ التَّأْخِيرُ فِي شَكٍّ، وَقَوْلُهُ " تَرْكُهُ " أَيْ التَّأْخِيرِ.

قَوْلُهُ: «دَعْ مَا يَرِيبُك» أَيْ دَعْ مَا يُوقِعُك فِي شَكٍّ إلَى مَا لَا يُوقِعُك فِيهِ، أَيْ وَانْتَقِلْ وَاعْدِلْ إلَى مَا لَا يَرِيبُك، فَقَوْلُهُ " إلَى " مُتَعَلِّقٍ بِمَحْذُوفٍ وَ " يَرِيبُك " بِفَتْحِ الْيَاءِ فِيهِمَا وَمَاضِيهِ رَابَ.

قَوْلُهُ: (لَوْ صَرَّحَ) يُفِيدُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَ الْحُكْمَ لَا عَلَى جِهَةِ الصَّرَاحَةِ. وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ أَنَّهُ صَرَّحَ بِسَنِّ تَأْخِيرِ السُّحُورِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ سَنَّ السُّحُورِ لِتَوَقُّفِ تَحَقُّقِ التَّأْخِيرِ الْمَسْنُونِ عَلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015