يُجْعَلَ كُلَّ وَاحِدَةٍ كَعُضْوٍ
(وَإِنْ كَانَ) بِالْعُضْوِ سَاتِرٌ (كَجَبِيرَةٍ لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا) بِأَنْ يَخَافَ مِنْهُ، مَحْذُورٌ مِمَّا سَبَقَ (غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ كَمَا سَبَقَ) بِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ، وَفِي التَّيَمُّمِ هُنَا قَوْلٌ إنَّهُ لَا يَجِبُ مَعَ وُجُوبِ غَسْلِ الصَّحِيحِ وَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ بِالْمَاءِ، وَالْقَوْلُ بِعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الصَّحِيحِ هُوَ عَلَى الْقَوْلِ بِوُجُوبِ التَّيَمُّمِ اكْتِفَاءً بِهِ، وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ حَكَى فِي قِسْمِ السَّاتِرِ فِي وُجُوبِ غَسْلِ الصَّحِيحِ الطَّرِيقَيْنِ، وَفِي وُجُوبِ التَّيَمُّمِ الْقَوْلَيْنِ، ثُمَّ قَالَ فِي قِسْمِ عَدَمِ السَّاتِرِ غَسَلَ الصَّحِيحَ، وَفِي وُجُوبِ التَّيَمُّمِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ. وَالْجَبِيرَةُ أَلْوَاحٌ تُهَيَّأُ لِلْكَسْرِ وَالِانْخِلَاعِ تُجْعَلُ عَلَى مَوْضِعِهِ. وَاللَّصُوقُ بِفَتْحِ اللَّامِ مَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْجِرَاحَةُ مِنْ خِرْقَةٍ أَوْ قُطْنَةٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلَهُ وَلِمَحَلِّهِ حُكْمُ الْجَبِيرَةِ وَمَحَلُّهَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَمَا سَيَأْتِي.
(وَيَجِبُ مَعَ ذَلِكَ مَسْحُ كُلِّ جَبِيرَتِهِ بِمَاءٍ) اسْتِعْمَالًا لِلْمَاءِ مَا أَمْكَنَ. (وَقِيلَ بَعْضُهَا) كَالْخُفِّ، وَلَا يَتَأَقَّتُ مَسْحُهَا، وَيَمْسَحُ الْجُنُبَ مَتَى شَاءَ وَالْمُحْدِثُ وَقْتَ غَسْلِ الْعَلِيلِ، وَاحْتَرَزَ بِمَاءٍ عَنْ التُّرَابِ فَلَا يَجِبُ مَسْحُهَا بِهِ إذَا كَانَتْ فِي مَحَلِّ التَّيَمُّمِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهَا لِيَكْتَفِيَ بِالْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ لَا تَأْخُذَ مِنْ الصَّحِيحِ إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ لِلِاسْتِمْسَاكِ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى غَسْلِهِ وَجَبَ بِأَنْ يَضَعَ خِرْقَةً مَبْلُولَةً عَلَيْهِ وَيَعْصِرُهَا لِيَنْغَسِلَ بِالْمُتَقَاطَرِ مِنْهَا، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْجَبِيرَةَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَالْيَدَيْنِ فَيَكْفِي لَهُمَا تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ عَمَّتْ جَمِيعَ الْأَعْضَاءِ لِسُقُوطِ التَّرْتِيبِ.
قَوْلُهُ: (سَاتِرٌ) أَيْ عَلَى مَحَلِّ الْعِلَّةِ وَأَخَذَ مِنْ الصَّحِيحِ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَمِنْهُ عِصَابَةُ الْفَصْدِ. قَوْلُهُ: (لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا) هُوَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْمَسْحِ وَصِحَّتُهُ لَا لِتَسْمِيَتِهَا وَلَا لِلْحُكْمِ عَلَيْهَا. قَوْلُهُ: (كَمَا سَبَقَ) لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِمَا فِي الْمُحَرَّرِ لِاقْتِضَائِهِ الْقَطْعَ فِي غَسْلِ الصَّحِيحِ، وَلَا لِمَا فِي الْمِنْهَاجِ لِاقْتِضَائِهِ الْقَطْعَ فِي التَّيَمُّمِ، وَأَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ إلَى تَمْهِيدِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ بَعْدُ. قَوْلُهُ: (وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ) مِنْ التَّرْتِيبِ فِي غَيْرِ الْجُنُبِ وَعَدَمِهِ فِيهِ وَمَا لَوْ جُرِحَ عُضْوَاهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (وَفِي التَّيَمُّمِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ مَسْحَ الْجَبِيرَةِ عِنْدَهُ كَافٍ عَمَّا تَحْتَهَا مِنْ الصَّحِيحِ وَالْعَلِيلِ مَعًا. قَوْلُهُ: (اكْتِفَاءً بِهِ) أَيْ بِالتَّيَمُّمِ عَنْ الْعَلِيلِ وَالصَّحِيحِ مَعًا. قَوْلُهُ: (وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ) هُوَ ظَاهِرٌ فِي تَقْرِيرِ الِاعْتِرَاضِ عَنْ الْمُصَنِّفِ فِي التَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ.
قَوْلُهُ: (وَلَهُ وَلِمَحَلِّهِ إلَخْ) هُوَ مُسْتَدْرَكٌ لِدُخُولِهِ فِي السَّاتِرِ السَّابِقِ. قَوْلُهُ: (وَمَسْحُ كُلِّ جَبِيرَتِهِ) إنْ كَانَتْ كُلُّهَا فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ مَسْحُ مَا حَاذَى الْخَارِجَ عَنْهُ، وَيُعْفَى عَنْ الدَّمِ عَلَيْهَا، وَإِنْ اخْتَلَطَ بِمَاءِ الْمَسْحِ قَصْدًا لِأَنَّهُ ضَرُورِيٌّ، وَيَتَوَقَّفُ صِحَّةُ الْمَسْحِ عَلَيْهِ.
قَالَ شَيْخُنَا: فَلَوْ جَمَدَ الدَّمُ عَلَى الْعِلَّةِ حَتَّى صَارَ كَالْجَبِيرَةِ وَجَبَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَكَفَى. قَوْلُهُ: (وَلَا يَتَأَقَّتُ إلَخْ) دَفَعَ بِهِ تَوَهُّمَ التَّأْقِيتِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ التَّشْبِيهِ بِالْخُفِّ، فَالْمُرَادُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الِاكْتِفَاءُ بِمَسْحِ الْبَعْضِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ يَتَأَقَّتُ مَسْحُهَا بِإِمْكَانِ النَّزْعِ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَجِبُ) أَيْ بَلْ يُنْدَبُ إذَا كَانَ مَعَهُ مَسْحٌ بِالْمَاءِ عَلَى مَا سَيَأْتِي. قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ إلَخْ) جَعَلَ الْإِسْنَوِيُّ ذَلِكَ شَرْطًا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ، فَالْمَسْحُ عَلَيْهَا وَاقِعٌ عَمَّا أَخَذَتْهُ مِنْ الصَّحِيحِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الْقَضَاءُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ بِأَخْذِ مَا زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ، وَبِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا وَأَتْبَاعُهُ، وَيُمْكِنُ تَنْزِيلُ كَلَامِ الشَّارِحِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُرَادَ بِقَوْلِهِ لِيَكْتَفِيَ أَيْ فِي عَدَمِ الْقَضَاءِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ خِلَافُهُ وَأَنَّ الْمَسْحَ لَمْ يَقَعْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَنْ الْوَجْهِ وَالْيَدِ، وَيَكُونُ التَّرْتِيبُ مُعْتَبَرًا فِيمَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ سَاقِطًا فِيمَا لَا يُمْكِنُ لِأَنَّا نَقُولُ: أُجِيبَ بِأَنَّ الْعُضْوَ الْوَاحِدَ لَا تَتَجَزَّأُ طَهَارَتُهُ تَرْتِيبًا وَعَدَمَهُ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (كَجَبِيرَةٍ إلَخْ) إيضَاحُهُ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُعْتَبَرُ فِي حَاجَةِ الْإِلْقَاءِ أَنْ يَخَافَ شَيْئًا مِنْ الْمَضَارِّ السَّابِقَةِ لَوْ لَمْ يَلْقَهَا، قَالَ: وَالْغَالِبُ فِي مِثْلِهَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَضْعُ بِحَيْثُ لَا يَخَافُ مِنْهُ إيصَالَ الْمَاءِ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ الِانْجِبَارَ؛ انْتَهَى. وَقَوْله: لَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا.
قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: الْأَوْلَى وَلَا يُمْكِنُ نَزْعُهَا لِأَنَّ الْعِبَارَةَ تُوهِمُ أَنَّ الْمُمْكِنَ النَّزْعِ لَا يُسَمَّى سَاتِرًا، قُلْت: يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِأَنْ كَانَ نَاقِصَةً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِأَنْ يُخَافَ مِنْهُ مَحْذُورٌ مِمَّا سَبَقَ) مِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ الْجَبِيرَةَ يَجِبُ نَزْعُهَا وَإِنْ وُضِعَتْ عَلَى طُهْرٍ مَا لَمْ يُخْشَ الْمَحْذُورُ، غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهَا إنْ وُضِعَتْ عَلَى حَدَثٍ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَفِي التَّيَمُّمِ هُنَا قَوْلٌ إنَّهُ لَا يَجِبُ إلَخْ) عَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ بَدَلٌ عَنْ الصَّحِيحِ الَّذِي تَحْتَهَا دُونَ الْجَرِيحِ فَالتَّعْلِيلُ مُشْكِلٌ نَعَمْ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَدُلُّ عَنْ جَمِيعِ مَا تَحْتَهَا، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يُعَضِّدُهُ قَوْلُ الشَّارِحِ، وَلَا يَتَأَقَّتُ مَسْحُهَا، أَيْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمُقَابِلُهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ.
قَالَ الْإِمَامُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا أَمْكَنَ الرَّفْعُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الِاسْتِدَامَةِ انْتَهَى، وَفِيهِ نَظَرٌ يُرَاجَعُ مِنْ الْإِسْنَوِيِّ قَوْلُ الشَّارِحِ: (فَلَا يَجِبُ مَسْحُهَا بِهِ) لَكِنْ يُسْتَحَبُّ، وَأَمَّا عِنْدَ عَدَمِ السَّاتِرِ فَيُسْتَحَبُّ مَسْحُهَا بِالتُّرَابِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَلَوْ قَدَرَ عَلَى غَسْلِهِ وَجَبَ) لَوْ تَعَذَّرَ