وَلَا هِيَ حَرِيمٌ لِمَعْمُورٍ

كَمَا قَالَ: (الْأَرْضُ الَّتِي لَمْ تُعْمَرْ قَطُّ إنْ كَانَتْ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ فَلِلْمُسْلِمِ تَمَلُّكُهَا بِالْإِحْيَاءِ) أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ أَمْ لَا (وَلَيْسَ هُوَ لِذِمِّيٍّ) وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ الْإِمَامُ (وَإِنْ كَانَتْ بِبِلَادِ كُفَّارٍ فَلَهُمْ إحْيَاؤُهَا وَكَذَا لِمُسْلِمٍ) إحْيَاؤُهَا (إنْ كَانَتْ مِمَّا لَا يَذُبُّونَ الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّهَا، فَإِنْ ذَبُّوهُمْ عَنْهَا فَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ إحْيَاؤُهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ.

(وَمَا كَانَ مَعْمُورًا) دُونَ الْآنَ. وَهُوَ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ (فَلِمَالِكِهِ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا. (فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ وَالْعِمَارَةُ إسْلَامِيَّةٌ فَمَالٌ ضَائِعٌ) لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ الْأَمْرُ فِيهِ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِي حِفْظِهِ أَوْ بَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ. (وَإِنْ كَانَتْ جَاهِلِيَّةً فَالْأَظْهَرُ) وَيُقَالُ الْأَصَحُّ. (أَنَّهُ

ـــــــــــــــــــــــــــــSقَوْلُهُ: (لَمْ تُعْمَرْ) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ بِأَنْ لَمْ تُعْلَمْ عِمَارَتُهُ فِيهِ بِدَلِيلٍ كَشَجَرٍ وَنَهْرٍ وَجِدَارٍ وَأَوْتَادٍ وَنَحْوِهَا، فَلَا تَضُرُّ عِمَارَتُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ.

قَوْلُهُ: (فَلِلْمُسْلِمِ) وَلَوْ غَيْرَ مُمَيِّزٍ وَغَيْرَ حُرٍّ وَيَمْلِكُهُ سَيِّدُهُ. قَوْلُهُ: (تَمَلُّكُهَا) أَيْ فِعْلُ مَا تُمْلَكُ بِهِ إذْ لَا حَاجَةَ إلَى صِيغَةٍ؛ لِأَنَّهُ إعْطَاءٌ عَامٌ مِنْهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَاهُ أَرْضَ الدُّنْيَا وَالْجَنَّةِ يُعْطِي مِنْهَا مَنْ شَاءَ مَا شَاءَ، وَلِذَلِكَ أَفْتَى السُّبْكِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِكُفْرِ مَنْ عَارَضَ أَوْلَادَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ بِمَا أَقْطَعهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ بِأَرْضِ الشَّامِ، وَبِمَا قَرَّرْنَاهُ انْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ، بِأَنَّ التَّمَلُّكَ يَقْتَضِي اشْتِرَاطُ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّهُ حَمَلَ التَّمَلُّكَ عَلَى الصِّفَةِ، فَاقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ هُوَ) أَيْ الْإِحْيَاءُ لِذِمِّيٍّ فَغَيْرُهُ مِنْ الْكُفَّارِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ، فَلَا عِبْرَةَ بِإِحْيَائِهِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلِلْمُسْلِمِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ، وَيَمْلِكَهُ فَإِنْ كَانَ فِيهِ عَيْنٌ لَهُ كَزَرْعٍ رَدَّهُ الْمُسْلِمُ إلَيْهِ، فَإِنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ التَّصَرُّفُ فِيهِ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ مُدَّةَ إحْيَائِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِلْكًا لِأَحَدٍ وَلِلذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ الِاحْتِطَابُ وَالِاحْتِشَاشُ وَالِاصْطِيَادُ، وَنَقْلُ تُرَابٍ لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَيْنَا كَأَخْذِهِ مِنْ مَوَاتٍ بِدَارِنَا، وَهُوَ سَاكِنٌ فِيهَا بِالْأُجْرَةِ غَالِبًا، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِحَرْبِيٍّ لَكِنْ لَوْ فَعَلَ مَلَكَهُ. قَوْلُهُ: (وَكَذَا لِمُسْلِمٍ إحْيَاؤُهَا) فَيَمْلِكُهَا بِهِ لَا بِالِاسْتِيلَاءِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لَهُمْ لَكِنْ يَصِيرُ بِهِ مُتَحَجِّرًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَا يَذُبُّونَ عَنْهُ وَغَيْرُهُ.

قَوْلُهُ: (مِمَّا لَا يَذُبُّونَ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ لَا يَمْنَعُونَهُمْ عَنْهَا.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ ذَبُّوهُمْ إلَخْ) قَالَ السُّبْكِيُّ وَقَدْ صَالَحْنَاهُمْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَهُمْ أَوْ كَانَتْ أَرْضَ هَدِيَّةٍ وَإِلَّا فَيَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ بِالْإِحْيَاءِ مُطْلَقًا، وَالْكَلَامُ فِيمَنْ دَخَلَ دَارَهُمْ بِغَيْرِ قُوَّةٍ وَمَنْعَةٍ وَإِلَّا بِأَنْ فَتَحُوا بِلَادَهُمْ عَنْوَةً كَالْغَانِمِينَ فَيَمْلِكُونَ عَامِرَهُمْ وَمَوَانَهُمْ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الْغَنِيمَةِ، وَمَا أَعْرَضَ عَنْهُ الْكَافِرُ مِنْ مِلْكِهِ عَادَ مَوَاتًا عَلَى الْمُعْتَمَدِ وَإِذَا اسْتَوْلَيْنَا عَلَى مَوَاتٍ يَذُبُّونَا عَنْهُ فَالْغَانِمُونَ أَحَقُّ بِإِحْيَاءِ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ، وَأَهْلُ الْخُمُسِ بِإِحْيَاءِ خُمُسِهِ فَإِنْ أَعْرَضَ بَعْضُ كُلٍّ فَبَاقِيهمْ أَحَقُّ بِجَمِيعِهِ. فَإِنْ أَعْرَضَ الْغَانِمُونَ فَأَهْلُ الْخُمُسِ أَحَقُّ بِالْجَمِيعِ، أَوْ عَكْسُهُ فَعَكْسُهُ أَوْ أَعْرَضَ كُلٌّ فَلِمَنْ أَحْيَاهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَاسْتَشْكَلَ فِي الرَّوْضَةِ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَعْرَاضُ أَهْلِ الْخُمُسِ، وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْأَعْرَاضَ مِنْ الْيَتَامَى مِنْ أَوْلِيَائِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ إنْ انْحَصَرُوا.

قَوْلُهُ: (دُونَ الْآنَ) بِأَنْ كَانَ خَرَابًا الْآنَ وَعِبَارَةُ ابْنِ حَجَرٍ وَالْمَنْهَجِ، وَإِنْ كَانَ خَرَابًا الْآنَ، وَهُوَ يُفِيدُ مِلْكَ الْمَعْمُورِ بِالْإِحْيَاءِ أَيْ الِاسْتِيلَاءِ فَذِكْرُ بِلَا الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ بِقَيْدٍ وَسَيَأْتِي.

قَوْلُهُ: (إسْلَامِيَّةٌ) وَلَوْ احْتِمَالًا.

قَوْلُهُ: (إلَى ظُهُورِ مَالِكِهِ) إنْ رَجَى ظُهُورَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلِلْإِمَامِ إقْطَاعُهُ، وَيَمْلِكُهُ الْآخِذُ بِذَلِكَ، قَالَ شَيْخُنَا م ر كَوَالِدِهِ وَيَحِلُّ بَيْعُهُ وَأَكْلُهُ وَمِنْهُ الْمُكُوسُ وَالْجُلُودُ وَنَحْوُهَا الْمَأْخُوذَةُ الْآنَ اهـ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ صَرَّحَ هُوَ كَوَالِدِهِ وَشَيْخُنَا الزِّيَادِيِّ فِي بَابِ الْغَصْبِ بِحُرْمَةِ الْكَوَارِعِ وَغَيْرِهَا كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ أَرْبَابَهَا مَعْرُوفُونَ مَوْجُودُونَ حَاضِرُونَ عِنْدَهَا فَهِيَ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ إنْ لَمْ يَعْرِفْ كُلٌّ مِنْ أَصْحَابِهَا مَالَهُ، وَيُصَرِّحُ بِهَذَا قَوْلُهُمْ، إنَّهُ لَوْ أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ ثُمَّ ظَهَرَ مَالِكُهُ بَعْدَ إقْطَاعِهِ وَجَبَ رَدُّهُ إلَيْهِ، أَوْ بَعْدَ بَيْعِهِ دَفَعَ إلَيْهِ ثَمَنَهُ وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِمُسَوِّغِهِ الشَّرْعِيِّ فِي وَقْتِهِ عَلَى أَحَدِ احْتِمَالَيْنِ، وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ بَلْ يَتَبَيَّنُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ لِظُهُورِ فَسَادِ الْمَبِيعِ.

قَوْلُهُ: (جَاهِلِيَّةً) أَيْ يَقِينًا أَوْ احْتِمَالًا بِأَنْ جَهِلْنَا دُخُولَهُ فِي أَيْدِينَا، أَمَّا لَوْ جَهِلْنَا هَلْ هِيَ جَاهِلِيَّةٌ أَوْ لَا لَمْ تُمْلَك بِالْإِحْيَاءِ كَمَا مَرَّ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQمَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. لَنَا حَدِيثُ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً لَيْسَتْ لِأَحَدٍ» .

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِنْ كَانَتْ جَاهِلِيَّةً) أَيْ وَلِلْفَرْضِ كَمَا سَلَف أَنَّهَا بِيَدِ الْإِسْلَامِ، وَلِهَذَا قَالَ الْإِمَامُ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُعْلَمْ كَيْفِيَّةُ اسْتِيلَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، قَالَ: فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ بِقِتَالٍ فَلِلْغَانِمِينَ وَإِلَّا فَفَيْءٌ.

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ بِإِحْيَاءٍ لِتَحَقُّقِ سَبْقِ الْمَالِكِ اهـ.

وَسَيَأْتِي أَنَّ الذِّمِّيَّ بِبِلَادِ الْكُفَّارِ كَذَلِكَ كَمَا سَيُنَبِّهُ عَلَيْهِ الشَّارِحُ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَنَّهُ) قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى الْمَوَاتِ الَّذِي كَانَ مَعْمُورًا لَا إلَى الْمَعْمُورِ الْآنَ، فَإِنَّ الَّذِي يُحْيَا إنَّمَا هُوَ الْمَوَاتُ نَفْسُهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015