تَيَقَّنَهُ آخِرَ الْوَقْتِ فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ) مِنْ تَعْجِيلِ التَّيَمُّمِ لِيَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ الْفَاضِلَةِ عَلَى الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ، (أَوْ ظَنَّهُ) آخِرَ الْوَقْتِ (فَتَعْجِيلُ التَّيَمُّمِ أَفْضَلُ) مِنْ انْتِظَارِهِ (فِي الْأَظْهَرِ) لِيَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الْمُحَقَّقِ فَضِيلَتُهَا. وَالثَّانِي انْتِظَارُهُ أَفْضَلُ لِمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ الْإِمَامُ: الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا اقْتَصَرَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَبِالْوُضُوءِ آخِرَهُ فَهُوَ النِّهَايَةُ فِي إحْرَازِ الْفَضِيلَةِ، وَتَبِعْهُ الْمُصَنِّفُ كَالرَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ، وَاعْتَرَضَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ بِالتَّيَمُّمِ لَا تُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا بِالْوُضُوءِ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الرُّويَانِيَّ نَقَلَهُ أَيْضًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا فِيمَنْ لَا يَرْجُو الْمَاءَ بَعْدُ بِقَرِينَةِ سِيَاقِ الْكَلَامِ، وَلَوْ ظَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ آخِرَ الْوَقْتِ فَتَعْجِيلُ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ مُسْتَحَبٌّ قَطْعًا، وَلَوْ اسْتَوَى عِنْدَهُ احْتِمَالُ وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: فَتَعْجِيلُ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ أَفْضَلُ قَطْعًا. وَرُبَّمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ نَقْلُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSفَهِمَهُ) قَالَ بَعْضُهُمْ: فَهِمَ الرَّافِعِيُّ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ وُجُودُ الْمَاءِ فَأَوْجَبَ الطَّلَبَ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، وَفَهِمَ النَّوَوِيُّ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِي مَحَلٍّ يَغْلِبُ فِيهِ الْفَقْدُ فَلَمْ يُوجِبْهُ، وَفِي هَذَا الْجَمْعِ فَسَادُهُ مِنْ وُجُوهٍ، مِنْهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ عَدَمُ صِحَّةِ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ذِكْرُ الْمُسَافِرِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَمِنْهَا عَدَمُ صِحَّةِ عُمُومِ الْأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرهَا بَعْدَهُ، وَمِنْهَا عَدَمُ صِحَّةِ قَوْلهمْ: بِخِلَافِ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ، وَمِنْهَا اقْتِضَاؤُهُ أَنَّ الْحُدُودَ الثَّلَاثَةَ خَاصَّةٌ بِمَنْ فِي مَحَلِّ الْفَقْدِ، وَمِنْهَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ اللَّوَازِمِ الَّتِي لَا تَسْتَقِيمُ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ عَدَمُ صِحَّةِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ بِقَوْلِهِ: إنَّ الْخِلَافَ فِي مَحَلِّ الْفَقْدِ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ، وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ إنَّ الرَّافِعِيَّ فَهِمَ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عَدَمَ مُرَاعَاةِ الْوَقْتِ لِعَدَمِ تَصْرِيحِهِمْ بِهِ، وَأَنَّ النَّوَوِيَّ فَهِمَ أَنَّ إطْلَاقَهُمْ فِيهَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا فِي غَيْرِهَا مِنْ مُرَاعَاتِهِ وَاشْتِرَاطِ الْأَمْنِ عَلَيْهِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ وَرَاجِعْهُ وَحَرِّرْهُ.
(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ لِلْمُتَيَمِّمِ أَحْوَالًا فِي حُدُودٍ ثَلَاثَةٍ، أَوَّلُهَا: حَدُّ الْغَوْثِ، فَإِنْ تَيَقَّنَ فَقْدَ الْمَاءِ فِيهِ تَيَمَّمَ بِلَا طَلَبٍ، وَإِنْ تَيَقَّنَ وُجُودَهُ فِيهِ لَزِمَهُ طَلَبُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ، وَلَا يَتَيَمَّمُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ، إنْ تَرَدَّدَ فِيهِ لَزِمَهُ طَلَبُهُ أَيْضًا بِشَرْطِ الْأَمْنِ عَلَى مَا مَرَّ، وَمِنْهُ الْأَمْنُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ، وَالْوَقْتُ ثَانِيهَا حَدُّ الْقُرْبِ فَإِنْ عَلِمَ فَقْدَ الْمَاءِ فِيهِ تَيَمَّمَ بِلَا طَلَبٍ فِيهِ بِالْأَوْلَى مِمَّا قَبْلَهُ أَوْ عَلِمَ وُجُودَهُ فِيهِ وَجَبَ طَلَبُهُ بِشَرْطِ الْأَمْنِ كَمَا مَرَّ وَمِنْهُ الْأَمْنُ عَلَى الْوَقْتِ لَا عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَالْمَالِ الَّذِي يَجِبُ بَذْلُهُ لِمَاءِ الطَّهَارَةِ وَإِنْ تَرَدَّدَ فِيهِ لَمْ يَجِبْ طَلَبُهُ مُطْلَقًا. ثَالِثُهَا: حَدُّ الْبَعْدِ وَهُوَ مَا فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ، فَلَا يَجِبُ فِيهِ الطَّلَبُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ، وَمَحَلُّ الْفَقْدِ أَوْ الْوُجُودِ وَمَا فِي كَلَامِ الْعَلَّامَةِ ابْنِ قَاسِمٍ تَبَعًا لِشَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ مَتَى لَزِمَ الْمُتَيَمِّمَ الْقَضَاءُ لَزِمَهُ طَلَبُ الْمَاءِ إذَا عَلِمَهُ وَلَوْ فِي حَدِّ الْبُعْدِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ، بَلْ لَا يَسْتَقِيمُ كَمَا عَلِمْته مِنْ اللَّوَازِمِ السَّابِقَةِ
قَوْلُهُ: (آخِرَ الْوَقْتِ) بِزَمَنٍ يَسَعُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ كَامِلَةً. قَوْلُهُ: (فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ) هُوَ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَاءَ يَأْتِي إلَيْهِ فِي مَنْزِلِهِ، وَيُمْكِنُ شُمُولُهُ لِذَلِكَ وَلِعَكْسِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ مَرْجُوحٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فَتَعْجِيلُ التَّيَمُّمِ أَفْضَلُ) خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.
قَوْلُهُ: (قَالَ الْإِمَامُ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَيُجَابُ إلَخْ) اعْتَمَدَ شَيْخُنَا هَذَا الْجَوَابَ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ بِحَمْلِ عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ فِيهِ عَلَى الْإِعَادَةِ مُنْفَرِدًا فِيهِ نَظَرٌ. قَوْلُهُ: (مُسْتَحَبٌّ) لَمْ يَقُلْ أَفْضَلُ لِعَدَمِ الْفَضِيلَةِ فِي التَّأْخِيرِ بِالْكُلِّيَّةِ فَتَأَمَّلْ.
(تَنْبِيهٌ) مَتَى اشْتَمَلَتْ إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ عَلَى فَضِيلَةٍ خَلَتْ عَنْهَا الْأُخْرَى فَهِيَ أَفْضَلُ مُطْلَقًا كَجَمَاعَةٍ وَسِتْرٍ وَخُلُوٍّ مِنْ حَدَثٍ.
(فَرْعٌ) يُقَدَّمُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ عَلَى غَيْرِ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ وَتُقَدَّمُ هِيَ عَلَيْهِ، وَيُقَدَّمُ إدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ عَلَى آدَابِ الْوُضُوءِ كَالتَّثْلِيثِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــQإلَى الْمَنْزِلِ فِي آخَرِ الْوَقْتِ وَالْمَاءُ فِي حَدِّ الْقُرْبِ) الظَّاهِرُ أَنَّ حَدَّ الْغَوْثِ لِذَلِكَ بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ إذَا عُلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ. قَوْلُهُ: (قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَجَبَ قَصْدُهُ) هُوَ مَا اقْتَضَتْهُ عِبَارَةُ الْمِنْهَاجِ وَالْمُصَنِّفُ لَا يَجِبُ، الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ مَا يَشْمَلُ عَدَمَ الْجَوَازِ.
قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِيَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ الْفَاضِلَةِ عَلَى الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ) يَعْنِي أَنَّ فَضِيلَةَ التَّأْخِيرِ نَاشِئَةٌ عَنْ هَذَا كَمَا أَنْ مَفْضُولِيَّةَ التَّعْجِيلِ نَاشِئَةٌ عَمَّا بَعْدَهَا وَعِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِأَنَّ التَّقْدِيمَ مُسْتَحَبٌّ وَالْوُضُوءُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ فَرْضٌ، فَثَوَابُهُ أَفْضَلُ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَتَعْجِيلُ التَّيَمُّمِ أَفْضَلُ) هَذَا قَدْ يَشْكُلُ عَلَيْهِ اسْتِحْبَابُ التَّأْخِيرِ لِمَنْ رَجَا زَوَالَ عُذْرِهِ الْمُسْقِطِ لِلْجُمُعَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ تُفْعَلُ أَوَّلَ الْوَقْتِ غَالِبًا وَتَأْخِيرُ الظُّهْرِ إلَى فَوَاتِهَا لَيْسَ بِفَاحِشٍ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّ رَاجِيَ الْمَاءِ لَا حَدَّ لِتَأْخِيرِهِ فَيَلْزَمُ مِنْهُ التَّأْخِيرُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ، وَيَخَافُ مَعَهُ فَوَاتَ الصَّلَاةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالثَّانِي انْتِظَارُهُ أَفْضَلُ) هُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (لِمَا تَقَدَّمَ) وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الظُّهْرِ مَأْمُورٌ