سَنَةً) قَمَرِيَّةً (أَوْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ وَوَقْتُ إمْكَانِهِ اسْتِكْمَالُ تِسْعِ سِنِينَ) لِلِاسْتِقْرَاءِ وَفِي الْأَوَّلِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: «عُرِضْت عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي وَرَآنِي بَلَغْت» . رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ.
وَفِي الثَّانِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] وَالْحُلُمُ وَالِاحْتِلَامُ وَهُوَ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ (وَنَبَاتُ الْعَانَةِ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِبُلُوغِ وَلَدِ الْكَافِرِ) أَيْ أَنَّهُ أَمَارَةٌ عَلَيْهِ (لَا الْمُسْلِمِ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي قَاسَهُ عَلَى الْكَافِرِ وَفِيهِ حَدِيثُ «عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ: كُنْت مِنْ سَبْيِ قُرَيْظَةَ فَكَانُوا يَنْظُرُونَ مَنْ أَنْبَتَ الشَّعْرَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يَنْبُتْ لَمْ يُقْتَلْ فَكَشَفُوا عَانَتِي فَوَجَدُوهَا لَمْ تَنْبُتْ فَجَعَلُونِي فِي السَّبْيِ» . رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSيَسْلُبُ الْعِبَارَاتِ، وَالْوِلَايَاتِ وَلَوْ مُمَيِّزًا وَلَا يَرُدُّ صِحَّةَ إسْلَامِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَبْلَ بُلُوغِهِ، لِأَنَّ الْأَحْكَامَ وَقْتَ إسْلَامِهِ كَانَتْ مَنُوطَةً بِالتَّمْيِيزِ ثُمَّ نُسِخَ أَوْ هُوَ خُصُوصِيَّةٌ لَهُ، وَسَيَأْتِي نَعَمْ، يُعْتَبَرُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّبِيِّ مَا مَرَّ فِي الْمَجْنُونِ مِمَّا يُمْكِنُ فِيهِ، وَالْمُمَيِّزُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا تَصِحُّ مِنْهُ الْعِبَادَاتُ، وَكَذَا إيصَالُ الْهَدِيَّةِ وَالْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ، إنْ كَانَ مَأْمُونًا، بِأَنْ لَمْ يُجَرَّبْ عَلَيْهِ كَذِبٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (يَرْتَفِعُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ فَكِّ قَاضٍ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (بِبُلُوغِهِ) وَلَوْ غَيْرَ رَشِيدٍ وَيَخْلُفُهُ فِي غَيْرِ الرَّشِيدِ حَجْرُ السَّفَهِ، وَتَسْتَمِرُّ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ لِوَلِيِّهِ فِي الصِّغَرِ، وَإِذَا رَشَدَ انْفَكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ بِلَا قَاضٍ. فَقَوْلُهُ: رَشِيدًا مُعْتَبَرٌ لِانْفِكَاكِ الْحَجْرِ الْمُطْلَقِ، وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَاهُ الرُّشْدَ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ نَعَمْ. لَوْ لَمْ يُعْلَمْ ثُبُوتُ حَجْرٍ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَهُوَ كَالرَّشِيدِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الرُّشْدُ.
تَنْبِيهٌ: الرُّشْدُ ضِدُّ الضَّلَالِ، وَالسَّفَهُ لُغَةً الْخِفَّةُ وَالْحَرَكَةُ وَلَوْ أَقَرَّ الْوَلِيُّ بِرُشْدِ الْوَلَدِ انْعَزَلَ عَنْ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الرُّشْدُ بِهِ، وَلَوْ أَنْكَرَ رُشْدَ الْوَلَدِ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ وَلَوْ بَلَغَ وَهُوَ غَائِبٌ لَمْ يَنْعَزِلْ الْوَلِيُّ، إلَّا إنْ عَلِمَ بِرُشْدِهِ، وَلَوْ تَصَرَّفَ الْوَلِيُّ فَبَانَ رُشْدُهُ فَالْقِيَاسُ فَسَادُ تَصَرُّفِهِ وَلَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَا الرُّشْدِ وَالسَّفَهِ، قُدِّمَتْ النَّاقِلَةُ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: (بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً) يُفِيدُ أَنَّهَا تَحْدِيدِيَّةٌ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (قَمَرِيَّةً) أَيْ مُعْتَبَرَةً بِالْأَهِلَّةِ. قَوْلُهُ: (أَوْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ) أَيْ مِنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ. أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهُ وَالْمُرَادُ تَحَقُّقُ نُزُولِهِ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ، وَإِنْ لَمْ يَبْرُزْ مِنْ الْحَشَفَةِ، وَفِي الْأُنْثَى إلَى مَدْخَلِ الذَّكَرِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الظَّاهِرِ وَيُصَدَّقُ مُدَّعِيهِ بِلَا يَمِينٍ إلَّا فِي مُزَاحَمَةٍ كَطَلَبِ سَهْمِ غَازٍ، وَإِثْبَاتِ اسْمٍ فِي دِيوَانٍ فَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْخُنْثَى خُرُوجُهُ مِنْ فَرْجَيْهِ جَمِيعًا. قَوْلُهُ: (وَوَقْتُ إمْكَانِهِ اسْتِكْمَالُ تِسْعِ سِنِينَ) فَهِيَ تَحْدِيدِيَّةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا هُنَا، وَإِنْ خَالَفَهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ كَشَرْحِ الْمَنْهَجِ هُنَا. قَوْلُهُ: (لِلِاسْتِقْرَاءِ) يَحْتَمِلُ رُجُوعَهُ لِلْمَنِيِّ فَقَطْ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيَحْتَمِلُ رُجُوعَهُ لِلسِّنِّ أَيْضًا، وَذِكْرُ الْحَدِيثِ بَعْدَهُ تَأْكِيدٌ لِدَلِيلِهِ، كَمَا أَنَّ ذِكْرَ الْآيَةِ تَأْكِيدٌ لِلثَّانِي. قَوْلُهُ: (يَوْمَ أُحُدٍ) أَيْ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ اتِّفَاقًا، وَمَعْنَى لَمْ يُجِزْنِي أَيْ لَمْ يَأْذَنْ لِي فِي الْخُرُوجِ لِلْقِتَالِ، وَقِيلَ لَمْ يُسْهِمْ لِي. قَوْلُهُ: (يَوْمَ الْخَنْدَقِ) وَهُوَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ قُبَيْلَ آخِرِهَا عَلَى الْأَرْجَحِ، وَمَعْنَى فَأَجَازَنِي أَذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، لِمَا ذَكَرَ وَقِيلَ: اسْهَمْ لِي، وَاعْتَرَضَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وَقْعَةِ الْخَنْدَقِ غَنِيمَةٌ، إلَّا أَنْ يُؤَوَّلَ بِأَنْ يُقَالَ: وَإِنِّي مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ السَّهْمَ. قَوْلُهُ: (وَنَبَاتُ الْعَانَةِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْعَانَةَ اسْمٌ لِلْبَشْرَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا اسْمٌ لِلشَّعْرِ، وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالشَّعْرِ حَوْلَ الْفَرْجِ، وَفِي الْخُنْثَى حَوْلَ الْفَرْجَيْنِ مَعًا. قَوْلُهُ: (يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِبُلُوغِ وَلَدِ الْكَافِرِ) شَمَلَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى، وَالْعِلَّةُ لِلْأَغْلَبِ، وَمِثْلُهُ مَنْ جُهِلَ إسْلَامُهُ وَمُسْلِمٌ تَعَذَّرَتْ أَقَارِبُهُ. قَوْلُهُ: (أَيْ أَنَّهُ أَمَارَةٌ) أَيْ عَلَامَةٌ فَلَيْسَ يَقِينًا فَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ عُمْرَهُ دُونَ الْخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً أَوْ ادَّعَى بِقَوْلِهِ أَنَّهُ لَمْ يَحْتَلِمْ لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ، قَالَهُ شَيْخُنَا. وَعَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ خِلَافُهُ وَلَا تُعْتَبَرُ الْبَيِّنَةُ، وَهَذَا يُوَافِقُ مَا اقْتَضَاهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ. قَوْلُهُ: (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبُلُوغِ مِنْ حَيْثُ هُوَ لَا بِقَيْدِ كَوْنِهِ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِالسِّنِّ.
قَوْلُهُ: (قُتِلَ) فِي تَرْتِيبِ الْقَتْلِ عَلَى الْإِنْبَاتِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْبُلُوغَ بِهِ قَطْعِيٌّ، فَيُخَالِفُ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ عَلَامَةً، إلَّا أَنْ يُقَالَ: قَدْ تُوجَدُ مَعَ الْعَلَامَةِ قَرَائِنُ تَقْتَضِي الْيَقِينَ، وَهَذَا مِنْهَا فَتَأَمَّلْ أَوْ يُقَالُ: إنَّ مُطْلَقَ الْعَانَةِ عَلَامَةٌ، وَإِنَّهَا مَعَ الْخُشُونَةِ قَطْعِيَّةٌ، وَإِنْ خَالَفَهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّارِحِ، وَخَرَجَ بِالْعَانَةِ شَعْرُ الْإِبْطِ وَاللِّحْيَةِ وَالشَّارِبِ، وَثِقَلُ الصَّوْتِ وَنُهُودُ الثَّدْيِ وَانْفِرَاقُ الْأَرْنَبَةِ، وَنُتُوُّ الْحُلْقُومِ وَنَحْوُهَا، فَلَيْسَتْ عَلَامَاتٍ؛ لِأَنَّ بَعْضَهَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْبُلُوغِ بِكَثِيرٍ وَبَعْضُهَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا، كَذَلِكَ بِخِلَافِ نَبْتِ الْعَانَةِ فَإِنَّ وَقْتَهُ وَقْتُ الِاحْتِلَامِ دَائِمًا. قَوْلُهُ:
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُصَنِّفِ إنْ قُرِئَتْ بِفَتْحِ الصَّادِ فَهُوَ أَوْلَى لِيَسْلَمَ مِنْ بَحْثِ الرَّافِعِيِّ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا) لِآيَةِ {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء: 6] . قَوْلُهُ: (وَفِي الْأَوَّلِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ إلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْخَنْدَقَ فِي الرَّابِعَةِ؛ لِأَنَّ أُحُدًا فِي الثَّالِثَةِ بِلَا نِزَاعٍ. قَوْلُ الْمَتْنِ: