يَتَأَتَّى مِنْهُ كَالْحَدِيدِ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ جَعْلُهُ سِلَاحًا، وَسَيَأْتِي آخِرَ الْبَابِ أَنَّهُ يَصِحُّ سَلَمُ الْأَعْمَى أَيْ بِخِلَافِ بَيْعِهِ أَوْ شِرَائِهِ، فَلَا يَصِحُّ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ، وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُصْحَفَ وَشِرَاءَهُ مَكْرُوهٌ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ الْبَيْعُ دُونَ الشِّرَاءِ.
(وَلِلْمَبِيعِ شُرُوطٌ) خَمْسَةٌ أَحَدُهَا (طَهَارَةُ عَيْنِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْكَلْبِ وَالْخَمْرِ) وَغَيْرِهِمَا مِنْ نَجِسِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ» ، وَقَالَ: «إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيِّتَةِ وَالْخِنْزِيرِ» رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ، وَالْمَعْنَى فِي الْمَذْكُورَاتِ نَجَاسَةُ عَيْنِهَا فَأَحَقُّ بِهَا بَاقِي نَجِسِ الْعَيْنِ. (وَالْمُتَنَجِّسُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نَجِسِ الْعَيْنِ. (كَالْخَلِّ وَاللَّبَنِ وَكَذَا الدُّهْنُ) كَالزَّيْتِ وَالسَّمْنِ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ (فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي يُمْكِنُ بِغَسْلِهِ بِأَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ فِي إنَاءٍ مَاءً يَغْلِبُهُ وَيُحَرِّكُ بِخَشَبَةٍ حَتَّى يَصِلَ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ النَّجَاسَةِ مَعَ رَدِّهِ بِمَا فِي حَدِيثِ الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ: «إنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «فَأَرِيقُوهُ» فَلَوْ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ شَرْعًا لَمْ يُقَلْ فِيهِ ذَلِكَ وَعَلَى إمْكَانِ تَطْهِيرِهِ قِيلَ يَصِحُّ بَيْعُهُ قِيَاسًا عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ. وَالْأَصَحُّ الْمَنْعُ لِلْحَدِيثِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْمَاءِ النَّجِسِ لِأَنَّ تَطْهِيرَهُ مُمْكِنٌ
ـــــــــــــــــــــــــــــSوَخَالَفَهُ شَيْخُنَا كَابْنِ حَجَرٍ فِي صُورَةِ الدَّسِّ.
فَرْعٌ: لَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ دَارًا فِي الْحَرَمِ لِمَنْعٍ مِنْهُ كَمَا قَالَ ابْنُ حَجَرٍ وَخَالَفَهُ شَيْخُنَا م ر. قَالَ شَيْخُنَا: وَيَجْرِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ وَمَعَ الصِّحَّةِ يُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (وَسَيَأْتِي) هُوَ جَوَابٌ عَنْ سُكُوتِ الْمُصَنِّفِ عَنْ اشْتِرَاطِ الْبَصَرِ فِي الْعَاقِدِ. قَوْلُهُ: (أَوْ شِرَائِهِ) أَيْ إلَّا لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَيَصِحُّ. قَوْلُهُ: (وَقِيلَ يُكْرَهُ الْبَيْعُ) أَيْ بَيْعُ الْمُصْحَفِ دُونَ شِرَائِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَالَ الْخَطِيبُ: وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يُسَمَّى مُصْحَفًا عُرْفًا لَا نَحْوُ تَفْسِيرٍ.
وَقَالَ شَيْخُنَا: إنْ حُرِّمَ مَسُّهُ فَكَالْمُصْحَفِ وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: (وَلِلْمَبِيعِ شُرُوطٌ خَمْسَةٌ) لَوْ عَبَّرَ بِالْعِوَضِ لَشَمِلَ الثَّمَنَ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، وَذِكْرُ الْخَمْسَةِ إيضَاحٌ وَبَعْضُهُمْ اكْتَفَى بِالْمِلْكِ وَالْعِلْمِ، وَبَعْضُهُمْ بِذَلِكَ مَعَ النَّفْعِ وَهَذِهِ الْخَمْسَةُ عَامَّةٌ، وَيُزَادُ عَلَيْهَا فِي نَحْوِ الرِّبَوِيِّ وَفِي نَحْوِ الزُّرُوعِ مَا يَأْتِي فِيهِمَا. قَوْلُهُ: (طَهَارَةُ عَيْنِهِ) وَمِنْهُ الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ وَمَظْنُونُ الطَّهَارَةِ بِالِاجْتِهَادِ وَلَا يَضُرُّ اشْتِمَالُ الْعَقْدِ عَلَى نَجِسٍ تَابِعٍ كَطِينِ بِنَاءٍ مَخْلُوطٍ بِسِرْجِينٍ وَرِيشٍ فُصِلَ مِنْ نَحْوِ حَدَأَةٍ وَوَشْمِ عَبْدٍ وَدُودِ مَيِّتٍ فِي نَحْوِ خَلٍّ وَفَاكِهَةٍ فَهُوَ مَبِيعٌ تَبَعًا عِنْدَهُ مَشَايِخُنَا.
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَبَّادِيُّ: الْوَجْهُ أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الطَّاهِرُ وَحْدَهُ وَدُخُولَ غَيْرِهِ مِنْ بَابِ نَقْلِ الْيَدِ كَالِاخْتِصَاصِ. وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ مِنْ صِحَّةِ بَيْعِ بِنَاءٍ نَجِسٍ كُلِّهِ وَلَوْ عَلَى أَرْضٍ مُحْتَكَرَةٍ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْكَلْبِ) وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ بِقَدْرِهَا كَحِرَاسَةِ مَاشِيَةٍ وَزَرْعٍ وَصَيْدٍ، وَيَجِبُ زَوَالُ الْيَدِ عَنْهُ بِفَرَاغِهَا. وَلَا يَجُوزُ اقْتِنَاءُ مُطْلَقًا وَيَجُوزُ اقْتِنَاءُ بَاقِي الْحَيَوَانَاتِ وَنَحْوِ السِّرْجِينِ.
قَوْلُهُ: (وَالْمُتَنَجِّسِ) مِنْهُ الْآجُرُّ وَالْخَزَفُ الْمَعْجُونُ بِالنَّجِسِ كَالسِّرْجِينِ وَالرَّمَادِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، لَكِنْ تَقَدَّمَ أَنَّ شَيْخَنَا أَفْتَى بِصِحَّةِ بَيْعِهِ وَبِجَوَازِ نَحْوِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَعَدَمِ تَنْجِيسِ مَا يُوضَعُ فِيهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. ثُمَّ رَأَيْته عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَخَرَجَ بِهِ مَا فِيهِ مَيْتَةٌ لَا يَسِيلُ دَمُهَا لِأَنَّهُ طَاهِرٌ لَكِنَّ لِمُشْتَرِيهِ الْخِيَارَ إنْ جَهِلَهُ. قَوْلُهُ: (عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ) فَالْمُرَادُ كُلُّ مَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ. قَوْلُهُ:
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: (وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُصْحَفَ إلَخْ) كَأَنَّ وَجْهَ هَذَا صَوْنُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَى السِّلَعِ الْمُبْتَذَلَةِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ
قَوْلُ الْمَتْنِ: (طَهَارَةُ عَيْنِهِ) هَذَا يُغْنِي عَنْهُ الْمِلْكُ، وَمَا عَدَا النَّفْعَ يَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ فَانْحَصَرَتْ الشُّرُوطُ فِي الْمِلْكِ وَالنَّفْعِ، نَعَمْ يَحْتَاجُ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِمَا إمْكَانَ الطُّهْرِ بِالْغُسْلِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ الْكَلْبِ) وَإِنْ كَانَ يَصِيدُ.
فَائِدَةٌ: لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَنِيَ الْكَلْبَ لِيَحْرُسَ لَهُ إذَا احْتَاجَ لِزَرْعٍ مَثَلًا لَمْ يَجُزْ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْخَمْرِ) وَإِنْ كَانَتْ مُحْتَرَمَةً وَقِيلَ إنَّ الْمُحْتَرَمَةَ طَاهِرٌ يَجُوزُ بَيْعُهَا. قَوْلُهُ: (وَالْمَعْنَى فِي الْمَذْكُورَاتِ) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَهَا مَنَافِعُ فَالْخَمْرُ يَطَأُ بِهَا النَّارَ، وَيَعْجِنُ بِهَا الطِّينَ وَالْمَيْتَةُ تُطْعَمُ لِلْجَوَارِحِ وَيُطْلَى بِشَحْمِهَا السُّفُنُ وَيُسْرَجُ بِهِ، وَالْكَلْبُ يَصِيدُ فَعَلِمْنَا أَنَّ مَنْشَأَ النَّهْيِ نَجَاسَةُ الْعَيْنِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْمُتَنَجِّسِ إلَخْ) حَكَى فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ الْآجُرَّ وَنَحْوَهُ مِمَّا يُعْجَنُ بِالزِّبْلِ يَمْتَنِعُ بَيْعُهُ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ امْتِنَاعُ بَيْعِ الدَّارِ الْمَبْنِيَّةِ بِهِ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يُمْكِنُ) قَالَ الرَّافِعِيُّ: يُمْكِنُ أَنْ يَطَّرِدَ هَذَا الْوَجْهُ فِي الدِّبْسِ وَالْخَلِّ وَسَائِرِ الْمَائِعَاتِ، لِأَنَّ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى أَجْزَائِهَا مُمْكِنٌ بِالتَّحْرِيكِ، وَالْغُسَالَةُ طَاهِرَةٌ فَلَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّارِحَ إنَّمَا رَجَعَ الْخِلَافَ إلَى إمْكَانِ التَّطْهِيرِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّا حَيْثُ قُلْنَا: بِعَدَمِ إمْكَانِ التَّطْهِيرِ بَطَلَ الْبَيْعُ قَطْعًا. قَوْلُهُ (لِلْحَدِيثِ) أَيْ لِأَنَّ الْأَمْرَ