بِإِكْرَاهِهِ عَلَيْهِ صَحَّ، قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ كَالصَّحِيحِ فِيمَنْ طَلَّقَ زَوْجَةَ غَيْرِهِ بِإِكْرَاهِهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْأُذُنِ.
(وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ الْمُصْحَفَ) وَكُتُبَ الْحَدِيثِ (وَالْمُسْلِمَ فِي الْأَظْهَرِ) لِمَا فِي مِلْكِهِ لِلْأَوَّلَيْنِ مِنْ الْإِهَانَةِ وَلِلثَّالِثِ مِنْ الْإِذْلَالِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: 141] وَالثَّانِي يَصِحُّ وَيُؤْمَرُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ عَنْ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا تَصْحِيحُ طَرِيقَةِ الْقَطْعِ بِالْأَوَّلِ فِي الْأَوَّلَيْنِ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْعَبْدَ يُمْكِنُهُ الِاسْتِغَاثَةُ وَدَفْعُ الذُّلِّ عَنْ نَفْسِهِ. (إلَّا أَنْ يُعْتَقَ عَلَيْهِ) كَأَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ. (فَيَصِحُّ) بِالرَّفْعِ شِرَاؤُهُ (فِي الْأَصَحِّ) لِانْتِفَاءِ إذْلَالِهِ بِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ، وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْإِذْلَالِ. (وَلَا) شِرَاءُ (الْحَرْبِيِّ سِلَاحًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ فِي الْمَنَاهِي لِأَنَّهُ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى قِتَالِنَا بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ فِي قَبْضَتِنَا وَبِخِلَافِ غَيْرِ السِّلَاحِ مِمَّا
ـــــــــــــــــــــــــــــSفَيُقْتَلُ هُوَ وَمَنْ أَكْرَهَهُ. قَوْلُهُ: (وَالْحَاكِمُ) أَيْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ وَلَوْ بِالتَّغَلُّبِ. قَوْلُهُ: (بِإِكْرَاهِهِ) أَيْ الْغَيْرِ.
فَرْعٌ: مِنْ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ إكْرَاهُ الْحَاكِمِ مَنْ عِنْدَهُ طَعَامٌ عَلَى بَيْعِهِ عِنْدَ حَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ إنْ بَقِيَ لَهُ قُوتُ سَنَةٍ. قَالَ شَيْخُنَا: وَهَذَا خَاصٌّ بِالطَّعَامِ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ الْمُصْحَفَ) أَيْ لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ لَهُ وَلَوْ بِغَيْرِ الشِّرَاءِ وَلَوْ بِوَكَالَةِ مُسْلِمٍ عَنْهُ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَقَعُ لَهُ، وَبِذَلِكَ عُلِمَ صِحَّةُ الْعَقْدِ بِوَكَالَتِهِ عَنْ الْمُسْلِمِ فِي شِرَائِهِ، وَفَارَقَ عَدَمَ صِحَّةِ وَكَالَتِهِ عَنْ الْمُسْلِمِ فِي قَبُولِ نِكَاحِ مُسْلِمَةٍ بِالِاحْتِيَاطِ لِلْأَبْضَاعِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ نِكَاحُ كَافِرٍ لِمُسْلِمَةٍ بِخِلَافِ مِلْكِهِ لِمُسْلِمٍ مَرْدُودٌ بِإِسْلَامِ زَوْجَتِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْمُصْحَفِ هُنَا مَا فِيهِ قُرْآنٌ مَقْصُودٌ وَلَوْ قَلِيلًا كَلَوْحٍ أَوْ تَمِيمَةٍ أَوْ رِسَالَةٍ. وَأَجَازَ ابْنُ عَبْدِ الْحَقِّ التَّمِيمَةَ وَالرِّسَالَةَ اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخَرَجَ بِالْمَقْصُودِ مَا عَلَى جِدَارٍ أَوْ سَقْفٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهَا.
فَرْعٌ: يُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ تَجْلِيدِ مُصْحَفٍ وَتَذْهِيبِهِ لَا مِنْ شِرَاءِ جِلْدِهِ وَإِنْ لَمْ تَنْقَطِعْ نِسْبَتُهُ. قَوْلُهُ: (وَكُتُبَ الْحَدِيثِ) وَكُتُبًا فِيهَا حَدِيثٌ وَلَوْ ضَعِيفًا لَا مَوْضُوعًا قَالَ شَيْخُنَا: وَكَالْحَدِيثِ عِلْمٌ شَرْعِيٌّ وَآلَتُهُ وَآثَارُ الصَّالِحِينَ لَا عِلْمٌ خَلَا عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ فَيَصِحُّ. قَوْلُهُ: (وَالْمُسْلِمُ) وَلَوْ فِيمَا مَضَى كَالْمُرْتَدِّ. قَوْلُهُ: (لِمَا فِي مِلْكِهِ إلَخْ) خَرَجَ بِمِلْكِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الْمُصْحَفِ وَمَا بَعْدَهُ إجَارَتُهَا أَوْ إعَارَتُهَا وَرَهْنُهَا فَصَحِيحَةٌ لَهُ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ فِي الْعَقْدِ عَلَى الْعَيْنِ، وَعَلَى كُلٍّ لَا تُسَلَّمُ الْعَيْنُ عَلَيْهِ بَلْ يَقْبِضُهَا عَنْهُ الْحَاكِمُ ثُمَّ يَأْمُرُهُ وُجُوبًا بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهَا فِي نَحْوِ إجَارَةِ الْعَيْنِ، وَيَمْنَعُهُ مِنْ اسْتِخْدَامِ الْمُسْلَمِ فِيهَا وَفِي غَيْرِهَا. قَوْلُهُ (تَصْحِيحُ طَرِيقِ الْقَطْعِ) فَالْمُنَاسِبُ التَّعْبِيرُ بِالْمَذْهَبِ. قَوْلُهُ: (بِالرَّفْعِ) جَوَابًا بِالْمُفَادِ الِاسْتِثْنَاءُ وَلَا يَصِحُّ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى " يَعْتِقَ " الْمُقْتَضِي لِكَوْنِهِ مِنْ مَدْخُولِ الِاسْتِثْنَاءِ أَوْ لِكَوْنِ الصِّحَّةِ مُرَتَّبَةً عَلَى الْعِتْقِ مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا تَرَتَّبَتْ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ لَا عَلَيْهِ أَوْ لِكَوْنِهِ اسْتِثْنَاءَ الشَّيْءِ مِنْ نَقِيضِهِ إذْ يَصِيرُ الْمَعْنَى لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَصِحَّ، وَكُلٌّ غَيْرُ صَحِيحٍ فَتَأَمَّلْ.
تَنْبِيهٌ: هَذِهِ مِنْ صُوَرِ دُخُولِ الْمُسْلِمِ فِي مِلْكِ الْكَافِرِ وَقَدْ أَوْصَلَهَا بَعْضُهُمْ إلَى نَحْوِ أَرْبَعِينَ صُورَةً وَكُلُّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: إمَّا قَهْرًا عَلَيْهِ كَالْإِرْثِ أَوْ بِفَسْخٍ أَوْ بِاسْتِحْقَاقِ عِتْقٍ.
قَوْلُهُ: (الْحَرْبِيِّ) وَلَوْ فِي دَارِنَا كَالْمُؤْمِنِ وَالْمُعَاهَدِ. قَوْلُهُ: (سِلَاحًا) أَيْ آلَةَ حَرْبٍ كَسَيْفٍ وَتُرْسٍ وَرُمْحٍ وَفَرَسٍ وَسَفِينَةٍ، سَوَاءٌ تَمَلَّكَ جَمِيعَ ذَلِكَ أَوْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ أَوْ بَعْضَهُ. وَخَرَجَ نَحْوُ سِكِّينٍ صَغِيرَةٍ وَمِقْشَطٍ وَعَبْدٍ وَلَوْ كَبِيرًا إلَّا إنْ عُلِمَ مُقَاتَلَتُنَا بِهِ. قَوْلُهُ: (لِأَنَّهُ يَسْتَعِينُ) أَيْ مَعَ مُخَالَفَتِنَا فِي الدِّينِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَإِنْ حُرِّمَ بِأَنْ عُلِمَ مِنْهُ مَا ذَكَرَ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ) أَيْ الَّذِينَ بِدَارِنَا وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يَدُسُّهُ إلَى دَارِهِمْ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ. قَالَهُ شَيْخُنَا م ر.
ـــــــــــــــــــــــــــــQحَدِيثُ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ.
قَوْلُهُ: (وَمَالَهُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ.
[شِرَاءُ الْكَافِرِ الْمُصْحَفَ وَكُتُبَ الْحَدِيثِ]
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَلَا يَصِحُّ شِرَاءُ الْكَافِرِ الْمُصْحَفَ إلَخْ) وَلَا خِلَافَ فِي التَّحْرِيمِ وَالشِّرَاءُ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَجَمْعُهُ أَشَرْيَةٌ. قَوْلُهُ: (الْمُصْحَفَ) وَلَوْ بَعْضًا. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي يَصِحُّ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى الْإِرْثِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا سَبَبٌ لِلْمِلْكِ. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ إلَخْ) أَيْ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ يُرْجَى عِتْقُهُ وَالْمُصْحَفَ أَكْثَرُ حُرْمَةً، بِدَلِيلِ مَنْعِ الْمُحْدِثِ مِنْ مَسِّهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرِدُ مَنْعٌ مَعَ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ. قَوْلُهُ: (فَيَصِحُّ بِالرَّفْعِ) أَيْ لِأَنَّهُ بِالنَّصْبِ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ إلَّا أَنْ يَصِحَّ وَهُوَ كَلَامٌ لَا مَعْنَى لَهُ إذْ نَصْبُهُ يُصَيِّرُهُ مِنْ الْمُسْتَثْنَى وَلَا مَعْنَى لَهُ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الذِّمِّيِّ) خَرَجَ أَيْضًا الْحَرْبِيُّ الْمُؤْمِنُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ فِي قَبْضَتِنَا وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ إمْسَاكُهُ إلَى عَوْدِهِ، وَأَنَّ الْحِرَابَةِ مُتَأَصِّلَةٌ وَالْأَمَانَ عَارِضٌ.