وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَتِرَ بِغَيْرِهِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ رَجُلًا، فَإِنْ لَبِسَهُ فَلَا فِدْيَةَ لِجَوَازِ كَوْنِهِ امْرَأَةً. وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: لَا خِلَافَ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالسِّتْرِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ، كَمَا نَأْمُرُ أَنْ يَسْتَتِرَ فِي صَلَاتِهِ كَالْمَرْأَةِ وَلَا تَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ. وَقِيلَ تَلْزَمُهُ احْتِيَاطًا.
(الثَّانِي) مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ (اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ) كَالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَالْوَرْسِ وَهُوَ أَشْهُرُ طِيبٍ فِي بِلَادِ الْيَمَنِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَإِنْ كَانَ يُطْلَبُ لِلصَّبْغِ وَالتَّدَاوِي أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مَعَ الْوَرْسِ فِي الْحَدِيثِ فِي الثَّوْبِ وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَدَنُ، وَعَلَيْهِمَا بَقِيَّةُ أَنْوَاعِ الطِّيبِ وَأُدْرِجَ فِيهِ مَا مُعْظَمُ الْغَرَضِ مِنْهُ رَائِحَتُهُ الطَّيِّبَةُ كَالْوَرْدِ وَالْيَاسَمِينِ وَالنِّرْجِسِ وَالْبَنَفْسَجِ وَالرَّيْحَانِ الْفَارِسِيِّ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَى الطِّيبِ مِنْ الدُّهْنِ، كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ، وَعُدَّ مِنْ اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ أَنْ يَأْكُلَهُ أَوْ يَحْتَقِنَ بِهِ أَوْ يَسْتَعْطِ وَأَنْ يَحْتَوِيَ عَلَى مِجْمَرَةِ عُودٍ فَيَتَبَخَّرَ بِهِ وَأَنْ يَشُدَّ الْمِسْكَ أَوْ الْعَنْبَرَ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ أَوْ تَضَعَهُ الْمَرْأَةُ فِي جَيْبِهَا أَوْ تَلْبَسَ الْحُلِيَّ الْمَحْشُوَّ بِهِ وَأَنْ يَجْلِسَ أَوْ يَنَامَ عَلَى فِرَاشٍ مُطَيَّبٍ أَوْ أَرْضٍ مُطَيَّبَةٍ وَأَنْ يَدُوسَ الطِّيبَ بِنَعْلِهِ لِأَنَّهَا مَلْبُوسَةٌ، وَمَعْنَى اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ فِي مَحَلِّ إلْصَاقٍ بِهِ تَطَيُّبًا فَلَا اسْتِعْمَالَ بِشَمِّ مَاءِ الْوَرْدِ وَلَا بِحَمْلِ الْمِسْكِ وَنَحْوِهِ، فِي كِيسٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــSسَتْرُ رَأْسِهِ لِأَنَّهُ كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا كَمَا مَرَّ. وَلِأَنَّ كَشْفَ الْوَجْهِ مِنْ الرَّجُلِ جَائِزٌ وَمِنْ الْمَرْأَةِ وَاجِبٌ، وَالْوُجُوبُ لَا يُنَافِي الْجَوَازَ فَتَأَمَّلْ.
تَنْبِيهٌ: إذَا لَبِسَ الْمُحْرِمُ ثَوْبًا فَوْقَ آخَرَ أَوْ عِمَامَةً فَوْقَ أُخْرَى فَإِنْ سَتَرَ الثَّانِي زَائِدًا عَلَى مَا سَتَرَهُ الْأَوَّلُ تَعَدَّدَتْ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَلَا. وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الصَّبِيِّ مَنْعُهُ مِنْ مُحَرَّمَاتِ الْإِحْرَامِ فَإِنْ وُجِدَ شَيْءٌ مِنْهَا بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَإِلَّا فَعَلَى الْوَلِيِّ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا فِيهِمَا وَإِلَّا فَلَا فِدْيَةَ مُطْلَقًا كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ وَلَوْ مِنْ أَخْشَمَ سَوَاءٌ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى. وَكَذَا بَقِيَّةُ الْمُحَرَّمَاتِ الْآتِيَةِ وَخَصَّ الْمَالِكِيَّةُ الطِّيبَ بِمَا قَوِيَ رِيحُهُ كَالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَالزَّعْفَرَانِ.
تَنْبِيهٌ: يُعْتَبَرُ فِي تَحْرِيمِ جَمِيعِ الْمُحَرَّمَاتِ كَوْنُ الْفَاعِلِ مُكَلَّفًا عَالِمًا عَامِدًا ذَاكِرًا لِلْإِحْرَامِ مُخْتَارًا، وَإِلَّا فَلَا حُرْمَةَ وَلَوْ عَلَى جَاهِلٍ غَيْرِ مَعْذُورٍ لِأَنَّهَا مِمَّا يَخْفَى. وَكَذَا لَا فِدْيَةَ عَلَى غَيْرِ مُمَيِّزٍ كَنَائِمٍ وَمُغْمَى عَلَيْهِ مُطْلَقًا، وَلَا عَلَى مُمَيِّزٍ إلَّا فِيمَا فِيهِ إتْلَافٌ كَإِزَالَةِ شَعْرٍ وَظُفْرٍ لَا غَيْرِهِ كَجِمَاعٍ وَطِيبٍ. قَوْلُهُ: (مَا مُعْظَمُ الْغَرَضِ مِنْهُ رَائِحَتُهُ) أَيْ وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فَخَرَجَ أَكْلُ الْعُودِ وَحَمْلُ الْمِسْكِ فِي نَحْوِ كِيسٍ كَمَا يَأْتِي وَأَشَارَ إلَى عَدَمِ حَصْرِ أَفْرَادِهِ بِقَوْلِهِ كَالْوَرْدِ وَالنِّسْرِينِ وَاللِّبَانِ وَالسَّوْسَنِ وَالْعُبَيْتِرَانِ وَالْمَنْثُورِ وَالنَّمَّامِ وَالْكَاذِي بِالْمُعْجَمَةِ، وَمَحَلُّ الْمَنْعِ فِي الرَّطْبِ مِنْهَا وَإِلَّا فَلَا فِدْيَةَ وَلَا حُرْمَةَ، وَخَرَجَ بِمَا ذَكَرَ مَا مُعْظَمُ الْغَرَضِ مِنْهُ أَكْلُهُ كَالتُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالْأُتْرُجِّ وَالنَّارِنْجِ وَاللَّيْمُونِ وَنَحْوِهَا، أَوْ مَا مُعْظَمُ الْغَرَضِ مِنْهُ التَّدَاوِي كَالْقُرُنْفُلِ وَالْقِرْفَةِ وَالْمُصْطَكَى وَالسُّنْبُلِ وَحَبِّ الْمُحَلَّبِ وَنَحْوِهَا، وَمَا مُعْظَمُ الْغَرَضِ مِنْهُ لَوْنُهُ كَالْعُصْفُرِ وَالْحِنَّاءِ وَمَا لَا يُقْصَدُ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ رَيْحَانِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِ كَالشِّيحِ وَالْقَيْصُومِ وَالشَّقَائِقِ وَزَهْرٍ نَحْوِ التُّفَّاحِ وَالْكُمَّثْرَى فَلَا حُرْمَةَ وَلَا فِدْيَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (الْفَارِسِيِّ) لَيْسَ قَيْدًا كَمَا عُلِمَ فَيَشْمَلُ الْمُرْسِينَ وَالرَّيْحَانَ الْقُرُنْفُلِيَّ وَغَيْرَهُمَا. قَوْلُهُ: (وَمَا اشْتَمَلَ إلَخْ) قَالُوا وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَوْ رَبَّى السِّمْسِمَ بِوَرَقٍ نَحْوِ الْوَرْدِ ثُمَّ عَصَرَ دُهْنَهُ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا فِدْيَةَ فِي اسْتِعْمَالِهِ. قَوْلُهُ: (أَنْ يَأْكُلَهُ) أَوْ يَشْرَبَهُ نَعَمْ لَوْ أَكَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ رِيحٌ وَلَا طَعْمٌ فَلَا حُرْمَةَ وَلَا فِدْيَةَ وَإِنْ ظَهَرَ لَوْنُهُ. وَبِهِ قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ أَكْلَهُ مَعَ غَيْرِهِ مُطْلَقًا وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ أَكْلَ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَحْتَوِيَ) وَكَذَا لَوْ وَصَلَ الْبَخُورُ إلَيْهِ بِجَعْلِهِ أَمَامَهُ مَثَلًا وَأَجَازَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ شَمَّ الرَّيَاحِينِ وَغَيْرِهَا مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (وَأَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُمْنَعُ مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَهُوَ الْوَاجِبُ ثُمَّ قَالَ: يَعْنِي الْبَيَانَ، وَعَلَى قِيَاسِ مَا قَالَهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَلْبَسَ الْمَخِيطَ لِجَوَازِ كَوْنِهِ رَجُلًا، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا فِدْيَةَ لِجَوَازِ كَوْنِهِ امْرَأَةً اهـ.
وَقَوْلُهُ فِي الْأَوَّلِ عَنْ الْقَاضِي إنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ سَتْرِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ لَعَلَّهُ مِنْ كَشْفِ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ لِيُوَافِقَ مَا سَاقَهُ الشَّارِحُ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي حِكَايَةِ كَلَامِ أَبِي الْفُتُوحِ. قَوْلُهُ: (وَقِيَاسُهُ) أَيْ قِيَاسُ مَا نَقَلَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الْفُتُوحِ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ كَشْفُهُمَا إلَخْ، وَقَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَتِرَ بِغَيْرِهِ إلَخْ مِنْ تَتِمَّةِ كَلَامِ صَاحِبِ الْبَيَانِ.
قَوْلُ الْمَتْنِ: (الثَّانِي اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ إلَخْ) وَلَوْلَا خَشْمٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْمُرَادُ بِالطِّيبِ مَا ظَهَرَ فِيهِ غَرَضُ التَّطَيُّبِ. قَوْلُهُ: (وَقِيسَ عَلَيْهِ الْبَدَنُ) أَيْ بِالْأَوْلَى. قَوْلُهُ: (كَدُهْنِ الْوَرْدِ وَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ) صُورَتُهُ أَنْ يُؤْخَذَ دُهْنُ اللَّوْزِ أَوْ السِّمْسِمِ وَنَحْوِهِمَا، ثُمَّ يُطْرَحَ فِيهِ الْوَرْدُ أَوْ الْبَنَفْسَجُ، أَمَّا لَوْ طُرِحَا عَلَى السِّمْسِمِ أَوْ اللَّوْزِ مَثَلًا فَأَخَذَ رَائِحَةً مِنْهُمَا، ثُمَّ اُسْتُخْرِجَ الدُّهْنُ، فَلَا فِدْيَةَ فِيهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلِأَنَّهُ رِيحُ مُجَاوِرٍ وَخَالَفَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فَقَالَ: بَلْ هُوَ أَشْرَفُ وَأَلْطَفُ مِنْ الْأَوَّلِ. قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَدُوسَ الطِّيبَ بِنَعْلِهِ) كَذَا أَطْلَقَهُ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَشَرْطُهُ أَنْ يَعْلَقَ بِهِ شَيْءٌ مِنْهُ، كَمَا نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ النَّصِّ. قَوْلُهُ: (وَمَعْنَى اسْتِعْمَالِ الطِّيبِ إلَخْ) قَالَ