وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ مِنْهُمَا، وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي إحْرَامِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا» وَرَوَيَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ مُتَمَتِّعًا» ، وَرَوَيَا عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ الْحَجَّ» ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا. وَرَجَّحَ هَذَا بِكَثْرَةِ رُوَاتِهِ وَبِأَنَّ جَابِرًا مِنْهُمْ أَقْدَمُ صُحْبَةً، وَأَشَدُّ عِنَايَةً بِضَبْطِ الْمَنَاسِكِ وَأَفْعَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ لَدُنْ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى أَنْ تَحَلَّلَ وَشَرْطُ تَفْضِيلِ الْإِفْرَادِ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي سُنَّتِهِ، فَلَوْ أُخِّرْت عَنْهَا فَكُلٌّ مِنْ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ أَفْضَلُ مِنْهُ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْعُمْرَةِ عَنْ سُنَّةِ الْحَجِّ مَكْرُوهٌ.

(وَعَلَى الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ) قَالَ تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ} [البقرة: 196] أَيْ بِسَبَبِهَا {إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] . (بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) قَالَ تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ} [البقرة: 196] الْحَرَامَ فَلَا دَمَ عَلَى حَاضِرِيهِ (وَحَاضِرُوهُ مِنْ) مَسَاكِنِهِمْ (دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ) كَمَنْ مَسَاكِنُهُمْ بِهَا (قُلْت الْأَصَحُّ مِنْ الْحَرَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) وَالرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ حَكَى الْوَجْهَيْنِ، وَقَالَ الثَّانِي هُوَ الدَّائِرُ فِي عِبَارَاتِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَقَالَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: أَنَّهُ أَشْبَهُ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَهُمْ مِنْ مَسْكَنِهِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْحَرَمِ، وَقِيلَ: مِنْ نَفْسِ مَكَّةَ وَالْقَرِيبُ مِنْ الشَّيْءِ يُقَالُ إنَّهُ حَاضِرُهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} [الأعراف: 163] أَيْ قَرِيبَةً مِنْهُ وَمِنْ إطْلَاقِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ عَلَى جَمِيعِ الْحَرَمِ كَمَا هُنَا قَوْله تَعَالَى {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] وَمَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُرِيدٍ نُسُكًا ثُمَّ بَدَّلَهُ فَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ، أَوْ عَقِبَ دُخُولِهَا لَزِمَهُ دَمُ التَّمَتُّعِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْأُولَى، وَالْمُخْتَارُ فِي الرَّوْضَةِ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْحَاضِرِينَ وَالثَّانِي بَعْدَهُ مِنْهُمْ (وَأَنْ تَقَعَ عُمْرَتُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ سَنَتِهِ) أَيْ الْحَجِّ فَلَوْ وَقَعَتْ قَبْلَ

ـــــــــــــــــــــــــــــSاخْتِلَافُ الرُّوَاةِ إلَخْ) وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَإِنْ كَانَ الْإِفْرَادُ هُوَ الْأَرْجَحُ بِأَنْ يُقَالَ إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحْرَمَ أَوَّلًا مُطْلَقًا، ثُمَّ صَرَفَهُ لِلْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَيْهَا، فَمَنْ قَالَ إنَّهُ مُطْلَقٌ نَظَرَ إلَى أَوَّلِ إحْرَامِهِ وَمَنْ قَالَ إنَّهُ مُتَمَتِّعٌ نَظَرَ إلَى أَوَّلِ صَرْفِهِ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ قَارِنٌ نَظَرَ إلَى مَا بَعْدَ إدْخَالِ الْحَجِّ، وَمَنْ قَالَ إنَّهُ مُفْرِدٌ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ أَتَى بِأَعْمَالِ الْحَجِّ. وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمَعِ فِي الْجَمْعِ غَيْرُ مُتَّجَهٍ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (فِي سُنَّتِهِ) أَيْ قَبْلَ فَرَاغِ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ سَوَاءٌ اعْتَمَرَ فِيهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْحَجِّ أَوْ قَدَّمَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ، كَأَنْ وَقَعَتْ فِي رَمَضَانَ وَلَوْ بِوُقُوعِ إحْرَامِهَا فِيهِ.

قَوْلُهُ: (وَعَلَى الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ) فَلَوْ قَرَنَ بَعْدَ عُمْرَتِهِ لَزِمَهُ دَمَانِ.

وَقَالَ الْإِسْنَوِيُّ دَمٌ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (مِنْ مَسَاكِنِهِمْ إلَخْ) صَرَّحَ بِالْمَسَاكِنِ لِأَنَّهَا الْمُرَادَةُ كَمَا يَأْتِي فِي الرَّوْضَةِ وَمَنْ لَهُ مَسْكَنَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ يَعْتَبِرُ مَا فِيهِ أَهْلُهُ أَيْ زَوْجَتُهُ وَأَوْلَادُهُ وَمَالُهُ ثُمَّ مَا فِيهِ أَهْلُهُ، ثُمَّ مَا كَثُرَتْ إقَامَتُهُ فِيهِ ثُمَّ مَا عَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَيْهِ ثُمَّ مَا خَرَجَ مِنْهُ، ثُمَّ مَا أَحْرَمَ مِنْهُ، وَلَا عِبْرَةَ بِقَصْدِ تَوَطُّنٍ غَرِيبٍ بَعْدَ أَدَاءِ النُّسُكِ. قَوْلُهُ: (وَمِنْ إطْلَاقِ إلَخْ) وَكَذَا جَمِيعُ مَا فِي الْقُرْآنِ مِنْ ذِكْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ الْحَرَمِ إلَّا قَوْله تَعَالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144] فَالْمُرَادُ بِهِ الْكَعْبَةُ فَقَطْ. كَذَا أَطْلَقُوهُ وَالْوَجْهُ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْهُ آيَةُ لَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُرَادَ فِيهَا حَقِيقَةُ الْمَسْجِدِ فَقَطْ.

قَوْلُهُ: (لَزِمَهُ دَمُ التَّمَتُّعِ) لِأَنَّهُ رَبِحَ مِيقَاتًا بِخِلَافِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لِأَنَّهُ لَا يَرْجُوهُ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ الْحَرَمِ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَكَذَا الْمُخْتَارُ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُ الْمَتْنِ: (وَفِي قَوْلٍ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ) لِمَا يَأْتِي وَلِأَنَّ فِيهِ الْمُبَادَرَةَ بِالْعُمْرَةِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَلَوْ تَمَتَّعَ وَلَكِنْ اعْتَمَرَ بَعْدَ الْحَجِّ فَيَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ مَحَلِّ الْكَلَامِ، وَهُوَ تَأْدِيَةُ فَرْضِ السَّلَامِ لَا مُطْلَقُ التَّأْدِيَةِ.

قَوْلُهُ: (فَلَا دَمَ عَلَى حَاضِرِيهِ) قَالُوا الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْحَاضِرَ بِمَكَّةَ مِيقَاتُهُ نَفْسُ مَكَّةَ فَلَا يَكُونُ رَابِحًا مِيقَاتًا، وَاعْتُرِضَ لَهُ بِأَنَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ أَوْ الْحَرَمِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ إذَا عَنَّ لَهُ النُّسُكُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ مَوْضِعِهِ، وَيَجِبُ الدَّمُ بِتَرْكِهِ، فَإِذَا تَمَتَّعَ فَقَدْ اسْتَفَادَ مِيقَاتًا، وَلَك أَنْ تَقُولَ قَطَعُوا النَّظَرَ عَنْ ذَلِكَ، وَجَعَلُوا هَذَا ضَابِطًا لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ الَّذِي يَسْتَفِيدُهُ مَشَقَّتُهُ يَسِيرَةٌ غَالِبًا، فَأُلْحِقَ بِمَنْ فِي مَكَّةَ نَفْسِهَا. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَحَاضِرُوهُ إلَخْ) أَيْ بِدَلِيلِ مَنْعِ الْقَصْرِ وَالْفِطْرِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (مِنْ مَكَّةَ إلَخْ) دَلِيلُهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ فِي الْآيَةِ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ حَقِيقَتَهُ اتِّفَاقًا، فَلَا بُدَّ مِنْ تَجَوُّزٍ وَحَمْلُهُ عَلَى مَكَّةَ أَقَلُّ تَجَوُّزًا، وَدَلِيلُ الثَّانِي أَنَّ الْمَسْجِدَ غَالِبُ إطْلَاقَاتِهِ بِمَعْنَى الْحَرَمِ، فَكَانَ الْإِطْلَاقُ بِالْغَالِبِ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَهُمْ مِنْ مَسْكَنِهِ) يُرِيدُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ تَصْرِيحًا بِالسُّكْنَى بِخِلَافِ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَأَنْ تَقَعَ عُمْرَتُهُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فَشُرِعَ التَّمَتُّعُ رُخْصَةً، لِأَنَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015