ذَلِكَ أَيْ لَمْ يَضُرَّهُ فِي النِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ (عَلَى الصَّحِيحِ) لِحُصُولِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ. وَالثَّانِي يَضُرُّهُ لِلْإِشْرَاكِ فِي النِّيَّةِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَغَيْرِهَا وَنِيَّةُ التَّنْظِيفِ كَنِيَّةِ التَّبَرُّدِ فِيمَا ذُكِرَ (أَوْ) نَوَى (مَا يُنْدَبُ لَهُ الْوُضُوءُ كَقِرَاءَةٍ) أَيْ نَوَى الْوُضُوءَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ نَحْوِهَا، (فَلَا) يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ، أَيْ لَا يَكْفِيهِ فِي النِّيَّةِ (فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ مَا يُنْدَبُ لَهُ الْوُضُوءُ جَائِزٌ مَعَ الْحَدَثِ فَلَا يَتَضَمَّنُ قَصْدُهُ قَصْدَ رَفْعِ الْحَدَثِ، وَالثَّانِي يَقُولُ قَصَدَهُ حَالَةَ كَمَالِهِ، فَيَتَضَمَّنُ قَصْدُهُ مَا ذُكِرَ.
(وَيَجِبُ قَرْنُهَا بِأَوَّلِ الْوَجْهِ) أَيْ بِأَوَّلِ غَسْلِهِ فَلَا يَكْفِي قَرْنُهَا بِمَا بَعْدَ الْوَجْهِ لِخُلُوِّ أَوَّلِ الْمَغْسُولَاتِ وُجُوبًا عَنْهَا، وَلَا بِمَا قَبْلَهُ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ تَابِعَةٌ لِلْوَاجِبِ (وَقِيلَ يَكْفِي) قَرْنُهَا (بِسُنَّةٍ قَبْلَهُ) لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْوُضُوءِ كَغَسْلِ الْكَفَّيْنِ، وَلَوْ وُجِدَتْ النِّيَّةُ فِي أَثْنَاءِ غَسْلِ الْوَجْهِ دُونَ أَوَّلِهِ كَفَتْ وَوَجَبَ إعَادَةُ الْمَغْسُولِ مِنْهُ قَبْلَهَا كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، فَوُجُوبُ قَرْنِهَا بِالْأَوَّلِ لِيَعْتَدَّ بِهِ (وَلَهُ تَفْرِيقُهَا عَلَى أَعْضَائِهِ) أَيْ الْوُضُوءِ كَأَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ رَفْعَ الْحَدَثِ عَنْهُ وَهَكَذَا، (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ أَفْعَالِ الْوُضُوءِ وَالثَّانِي، لَا كَمَا لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُ النِّيَّةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــSمُعْتَبَرَةٍ) أَيْ مَعَ اسْتِحْضَارِهِ لَهَا فَإِنْ غَفَلَ عَنْهَا انْقَطَعَتْ وَيَبْنِي السَّلِيمُ عَلَى مَا مَضَى بِتَجْدِيدِ نِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ عَلَى الْعُضْوِ الَّذِي انْقَطَعَتْ عِنْدَهُ النِّيَّةُ، وَيَسْتَأْنِفُ غَيْرُهُ، وَيُثَابُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا مَضَى إنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَقِّفًا عَلَى نِيَّةٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ بُطْلَانُهُ بِاخْتِيَارِهِ. قَوْلُهُ: (لِحُصُولِهِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ) خَرَجَ مَا لَا يَحْصُلُ إلَّا بِهَا وَهُوَ إمَّا مَطْلُوبٌ لِلْإِصْلَاحِ كَنِيَّةِ الِاغْتِرَافِ فِي مَحَلِّهَا مِنْ كَوْنِ الْمَاءِ قَلِيلًا كَذَا قِيلَ وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ شَأْنَهَا الْإِصْلَاحُ فَلَا تَضُرُّ مُطْلَقًا، وَلَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ مَعَهَا ارْتَفَعَ وَصَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَإِمَّا مَطْلُوبٌ لَا لِلْإِصْلَاحِ كَنِيَّةِ مَا يُنْدَبُ لَهُ وُضُوءٌ، فَهُوَ كَنِيَّةِ التَّبَرُّدِ، أَوْ غَيْرُهُ مَطْلُوبٌ كَالتَّعْلِيقِ فَيَضُرُّ مَا لَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّبَرُّكَ وَحْدَهُ كَمَا مَرَّ.
قَوْلُهُ: (أَيْ نَوَى إلَخْ) دَفَعَ بِهَذَا التَّقْدِيرِ مَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَنْ الْمَنْوِيَّ نَفْسُ الْمَنْدُوبِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ كَمَا فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ هُنَا لِأَنَّ طَلَبَ الْوُضُوءِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تِلْكَ الْأَسْبَابِ هُنَا. قَوْلُهُ: (لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) بِأَنْ لَاحَظَ فِي نِيَّتِهِ اسْتِبَاحَةَ الْقُرْآنِ فَهُوَ قَيْدٌ لِلْبُطْلَانِ فَإِنْ لَمْ يُلَاحِظْ ذَلِكَ حَالَ النِّيَّةِ صَحَّتْ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ. قَوْلُهُ: (قَصَدَهُ حَالَةَ كَمَالِهِ) هُوَ فِعْلٌ مَاضٍ وَضَمِيرُهُ الْمُسْتَتِرُ عَائِدٌ لِلنَّاوِي، وَالْبَارِزُ لِلْمَنْوِيِّ، وَيَصِحُّ فِي حَالَةِ كَمَالِهِ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي، وَلَا يَصِحُّ كَوْنُهُ مَصْدَرًا لِمُنَافَاتِهِ لِلْفَاءِ بَعْدَهُ، وَلِلتَّصْرِيحِ بِالْفَاعِلِ بَعْدَهَا فَتَأَمَّلْهُ وَلَا تَعْدِلْ عَنْهُ.
(فَائِدَةٌ) كُلُّ عِبَادَةٍ وَقَعَ فِيهَا تَشْرِيكٌ فَإِنَّ فَاعِلَهَا يُثَابُ عَلَيْهَا إنْ غَلَبَ الْأُخْرَوِيُّ كَمَا لَوْ انْفَرَدَ، قَالَهُ الْغَزَالِيُّ.
وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: لَا ثَوَابَ لَهُ مُطْلَقًا، وَالْمَنْقُولُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ قَرْنُهَا) أَيْ لَا يُعْتَدُّ بِهَا إلَّا كَذَلِكَ فَافْهَمْ. قَوْلُهُ: (بِأَوَّلِ غَسْلِهِ) أَيْ بِأَوَّلِهِ الْمَغْسُولِ لَا بِأَوَّلِ مَغْسُولٍ مِنْهُ بِدَلِيلِ مَا بَعْدَهُ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَلَوْ حَمَلَهُ الشَّارِحُ عَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي الْمُرْشِدِ إلَيْهِ عُدُولُ الْمُصَنِّفِ عَنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ وَلِيَكُونَ لِزِيَادَةِ لَفْظِ غَسْلٍ فَائِدَةٌ لَكَانَ أَوْلَى، وَكَانَ فِيهِ اسْتِغْنَاءٌ عَمَّا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، وَكَانَ فِيهِ دَفْعُ إبْهَامِ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ بِهَا، أَوْ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا يَجِبُ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (بِمَا بَعْدَهُ) كَالْيَدَيْنِ. نَعَمْ إنْ تَعَذَّرَ غَسْلُ جَمِيعِ الْوَجْهِ وَجَبَتْ عِنْدَهُمَا، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَعْضَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا بِمَا قَبْلَهُ) أَيْ مِمَّا تُطْلَبُ النِّيَّةُ عِنْدَهُ نَدْبًا مِنْ مَطْلُوبَاتِ الْوُضُوءِ كَالْفَمِ وَالْأَنْفِ نَعَمْ إنْ انْغَسَلَ شَيْءٌ مِنْ الْوَجْهِ مَعَ أَحَدِهِمَا وَاقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِهِ كَفَتْ مُطْلَقًا وَإِنْ قَصَدَهُمَا وَحْدَهُمَا، وَتَجِبُ إعَادَةُ غَسْلِ ذَلِكَ الْجُزْءِ مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ إنْ لَمْ يَقْصِدْ الْوَجْهَ وَحْدَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
وَقَالَ الْخَطِيبُ: لَا تَجِبُ إنْ قَصْدَهُمَا مَعًا أَيْضًا، وَيَحْصُلُ ثَوَابُ نَحْوِ الْمَضْمَضَةِ إنْ وَجَبَتْ إعَادَةُ غَسْلِ الْجُزْءِ وَإِلَّا فَلَا.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ، بِفَوَاتِهِ مُطْلَقًا لِلِاعْتِدَادِ بِالنِّيَّةِ، وَيُوَافِقُهُ شَرْحُ شَيْخِنَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَبْلَ رُجُوعِهِ عَنْهُ. قَوْلُهُ: (فِي أَثْنَاءِ غَسْلِ الْوَجْهِ) وَلَوْ مُقَارَنَةً لِمَا يُنْدَبُ غَسْلُهُ مِنْهُ مِنْ الشَّعْرِ أَوْ الْبَشَرَةِ كَالْخَارِجِ مِنْ الشُّعُورِ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ، أَوْ مَا اسْتَرْسَلَ مِنْ اللِّحْيَةِ. نَعَمْ لَا تَكْفِي مُقَارَنَتُهَا لِشَعْرِ بَاطِنِ لَحَيَّةٍ كَثِيفَةٍ، وَلَا لِمَا يَجِبُ غَسْلُهُ لِإِتْمَامِ الْوَاجِبِ، وَلَوْ لَمْ تُوجَدْ النِّيَّةُ مَعَ السُّنَنِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَاتَ ثَوَابُهَا وَإِنْ سَقَطَ بِهَا الطَّلَبُ. قَوْلُهُ: (عَلَى أَعْضَائِهِ) أَيْ الْوُضُوءِ وَلَوْ مَنْدُوبَةً لَكِنْ يُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا يَنْوِي عَلَى الْمَنْدُوبَةِ نَحْوَ الرَّفْعِ بَلْ يَنْوِي الْوُضُوءَ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (كَأَنْ يَنْوِيَ رَفْعَ الْحَدَثِ) وَمِثْلُ رَفْعِ الْحَدَثِ غَيْرُهُ مِنْ نِيَّاتِ الْوُضُوءِ السَّابِقَةِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْكَافِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَهُ فِي غَيْرِ الرَّفْعِ. قَوْلُهُ: (عَنْهُ) وَإِنْ نَفَى غَيْرَهُ وَهُوَ قَيْدٌ لِكَوْنِهِ تَفْرِيقًا لِاحْتِيَاجِهِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي شَرْحِ الرَّوْضِ نَقْلًا عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّ حُكْمَهُ كَالْمُتَيَمِّمِ فِي أَنَّهُ إنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الْفَرْضِ اسْتَبَاحَهُ وَإِلَّا فَلَا. قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالثَّانِي يَقُولُ قَصَدَهُ حَالَةَ كَمَالِهِ) الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: " قَصَدَهُ " يَرْجِعُ لِلشَّخْصِ وَالضَّمِيرُ فِي " كَمَالِهِ " يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ: مَا يُنْدَبُ.