حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ «مَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ فَأَفْطَرَ لِمَرَضٍ ثُمَّ صَحَّ، وَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ صَامَ الَّذِي أَدْرَكَهُ، ثُمَّ يَقْضِي مَا عَلَيْهِ ثُمَّ يُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا» وَضَعَّفَاهُ قَالَا: وَرَوَى مَوْقُوفًا عَلَى رَاوِيهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَمَّا مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقَضَاءُ، بِأَنْ اسْتَمَرَّ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا حَتَّى دَخَلَ رَمَضَانُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ، لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ بِهَذَا الْعُذْرِ جَائِزٌ فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ. (وَالْأَصَحُّ تَكَرُّرُهُ) أَيْ الْمُدِّ. (بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ) وَالثَّانِي لَا يَتَكَرَّرُ أَيْ يَكْفِي الْمُدُّ عَنْ كُلِّ السِّنِينَ. (وَ) الْأَصَحُّ (أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ مَعَ إمْكَانِهِ فَمَاتَ أَخْرَجَ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ مُدٌّ لِلْفَوَاتِ) عَلَى الْجَدِيدِ. (وَمُدٌّ لِلتَّأْخِيرِ) وَالثَّانِي يَكْفِي مُدٌّ وَهُوَ لِلْفَوَاتِ وَيَسْقُطُ مُدُّ التَّأْخِيرِ، وَعَلَى الْقَدِيمِ يَصُومُ عَنْهُ الْوَلِيُّ وَيُخْرِجُ مُدَّ التَّأْخِيرِ
(وَمَصْرِفُ الْفِدْيَةِ الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ) خَاصَّةً لِأَنَّ الْمِسْكِينَ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ وَالْفَقِيرُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ. (وَلَهُ صَرْفُ أَمْدَادٍ) مِنْهَا (إلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ) وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ مُدٍّ مِنْهَا إلَى شَخْصَيْنِ. (وَجِنْسُهَا جِنْسُ الْفِطْرَةِ) فَيُعْتَبَرُ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يُجْزِئُ الدَّقِيقُ وَالسَّوِيقُ كَمَا سَبَقَ
ـــــــــــــــــــــــــــــSالْمَيِّتِ دُونَ الْحَيِّ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ فَيَلْزَمُ عَنْ الْمَيِّتِ خَمْسَةَ عَشَرَ مُدًّا بِخِلَافِ الْحَيِّ، لِأَنَّهُ نَظِيرُ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ ذَا الطَّعَامَ غَدًا فَتَلِفَ قَبْلَهُ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ بِاللُّزُومِ كَالْمَوْتِ وَيُفَارِقُ مَسْأَلَةَ الْحَلِفِ بِاحْتِمَالِ مَوْتِهِ قَبْلَ الْغَدِ فَرَاجِعْهُ. وَخَرَجَ بِرَمَضَانَ غَيْرُهُ كَشَعْبَانَ وَإِنْ نَذَرَ صَوْمَهُ وَعُلِمَ مِنْ النَّصِّ هُنَا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّأْخِيرِ عَنْ رَمَضَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ فَاتَهُ صَلَاةٌ بِعُذْرٍ. قَوْلُهُ: (مُسَافِرًا) أَوْ مَرِيضًا أَوْ حَامِلًا أَوْ مُرْضِعًا. فَلَوْ أَطْلَقَ الْعُذْرَ لَشَمَلَ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ عَدَمُ اللُّزُومِ وَلَوْ لِمَا فَاتَ بِغَيْرِ عُذْرٍ. قَوْلُهُ: (بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ) أَيْ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْإِمْكَانُ بِجَمِيعِ الشُّرُوطِ السَّابِقَةِ. فَلَا يَلْزَمُهُ لِعَامٍ عَجَزَ فِيهِ كَمَا مَرَّ. كَذَا قَالَهُ شَيْخُنَا وَنَقَلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ أَنَّهُ يَكْفِي تَمَكُّنُهُ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ. وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى نَحْوِ الْهَرِمِ بِتَأْخِيرِ الْفِدْيَةِ لِعَدَمِ الْقَضَاءِ فِيهِ وَلَا عَلَى مُدِيمِ السَّفَرِ لِاسْتِمْرَارِ عُذْرِهِ كَمَا مَرَّ.
فَرْعٌ: قَالَ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ: لَوْ عَزَمَ عَلَى تَأْخِيرِ الْقَضَاءِ قَبْلَ رَمَضَانَ وَأَخْرَجَ الْفِدْيَةَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ حَرُمَ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (وَيَخْرُجُ مُدُّ التَّأْخِيرِ) مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُ الْوَلِيِّ عَنْ مُدِّ التَّأْخِيرِ كَمَا لَا يَكْفِي صَوْمُ الَّذِي أَخَّرَ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (خَاصَّةً) أَيْ لَا غَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ. قَوْلُهُ: (وَلَهُ صَرْفُ أَمْدَادٍ إلَخْ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْدَادَ بَدَلٌ عَنْ أَيَّامِ الصَّوْمِ وَهُوَ يَصِحُّ فِيهِ أَنْ يَصُومَ الْوَاحِدُ أَيَّامًا مُتَعَدِّدَةً عَنْ الْمُكَفِّرِ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى الْقَدِيمِ الرَّاجِحِ وَفِي حَيَاتِهِ لَوْ قِيلَ بِهِ وَبِذَلِكَ فَارَقَ الزَّكَاةَ وَلَيْسَتْ الْأَمْدَادُ فِي الْحَيِّ فِي الْكَفَّارَةِ بَدَلًا عَنْ الْأَيَّامِ لِأَنَّهَا خَصْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَلَمْ يَجْرِ فِيهَا مَا ذُكِرَ فَتَأَمَّلْ هَذَا، فَإِنَّهُ يُغْنِيك عَمَّا أَطَالُوا بِهِ هُنَا فِي الْجَوَابِ مِمَّا لَا يُجْدِي نَفْعًا. قَوْلُهُ: (وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ مُدْمِنِهَا إلَى شَخْصَيْنِ) وَكَذَا لَا يَجُوزُ صَرْفُ ثَلَاثَةِ أَمْدَادٍ إلَى شَخْصَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ مُدٍّ بَدَلُ صَوْمِ يَوْمٍ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ هُنَا وُجُوبُ بَعْضِ مُدٍّ. وَبِذَلِكَ فَارَقَ فِدْيَةَ نَحْوِ الْأَذَى فِي الْحَجِّ. قَوْلُهُ: (وَجِنْسُهَا إلَخْ) قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيُعْتَبَرُ فَضْلُهَا أَيْضًا عَلَى مَا فِي الْفِطْرَةِ وَمُقْتَضَاهُ سُقُوطُهَا مَعَ الْإِعْسَارِ وَيُخَالِفُهُ قَوْلُهُمْ إنَّهَا تَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّةِ الْمُعْسِرِ إلَّا أَنْ يُرَادَ سُقُوطُ إخْرَاجِهَا حَالًا وَمَا ذُكِرَ مِنْ إعْسَارِ الْفِطْرَةِ مُخَالِفٌ لِمَا مَرَّ مِنْ إعْسَارِ الْعُمُرِ الْغَالِبِ فَرَاجِعْهُ. وَهَلْ مُدُّ التَّأْخِيرِ مِثْلُهَا أَوْ أَنَّهُ يَسْقُطُ؟ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ السُّقُوطِ هُنَا كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَالثَّانِي أَقْرَبُ.
ـــــــــــــــــــــــــــــQتَنْبِيهٌ: مَا فَاتَ بِغَيْرِ عُذْرٍ يَحْرُمُ تَأْخِيرُهُ بِالسَّفَرِ كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيّ، وَأَقَرَّهُ وَإِذَا كَانَ حَرَامًا فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ، وَلَوْ اسْتَمَرَّ عُذْرُ السَّفَرِ وَخَالَفَ فِي تَحْرِيمِهِ مَعَ السَّفَرِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ كَصَاحِبِ التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمِنْهَاجِ قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَالْأَصَحُّ تَكَرُّرُهُ) أَيْ لِأَنَّ الْحُقُوقَ الْمَالِيَّةَ لَا تَتَدَاخَلُ، وَوَجْهُ الثَّانِي الْقِيَاسُ عَلَى الْحُدُودِ.
فَرْعٌ: لَوْ أَخْرَجَ الْفِدْيَةَ ثُمَّ أَخَّرَ تَكَرَّرَتْ بِلَا خِلَافٍ قَوْلُ الْمَتْنِ: (بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ) ظَاهِرُهُ وَلَوْ عَجَزَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا قَوْلُهُ: (أَخْرَجَ مِنْ تَرِكَتِهِ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدَّانِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْ السِّنِينَ الْمَذْكُورَةِ مُوجِبٌ عِنْدَ الِانْفِرَادِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ. قَوْلُهُ: (وَالثَّانِي إلَخْ) أَيْ كَمَا فِي الشَّيْخِ الْهَرِمِ فَإِنَّهُ لَا تَكْرِيرَ فِي حَقِّهِ.
قَوْلُهُ: (يَصُومُ عَنْهُ الْوَلِيُّ وَيُخْرِجُ إلَخْ) أَيْ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا.