طَائِفَةٍ أَوَّلَ الْبَابِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَثْنَائِهِ صِحَّةُ نِيَّةِ الْمُعْتَقِدِ لِذَلِكَ، وَوُقُوعُ الصَّوْمِ عَنْ رَمَضَانَ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْهُ فَلَا تَنَافِي بَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ. (وَلَيْسَ إطْبَاقُ الْغَيْمِ) لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ (بِشَكٍّ) فَلَا يَكُونُ هُوَ يَوْمَ شَكٍّ، بَلْ يَكُونُ مِنْ شَعْبَانَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ» وَلَا أَثَرَ لِظَنِّنَا رُؤْيَتَهُ لَوْلَا السَّحَابُ لِبُعْدِ الْهِلَالِ عَنْ الشَّمْسِ، وَلَوْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَتَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَلَمْ يَتَحَدَّثْ بِرُؤْيَتِهِ فَلَيْسَ بِيَوْمِ شَكٍّ، وَقِيلَ هُوَ يَوْمُ شَكٍّ، وَلَوْ كَانَ فِي السَّمَاءِ قِطَعُ سَحَابٍ يُمْكِنُ أَنْ يُرَى الْهِلَالُ مِنْ خِلَالِهَا وَأَنْ يَخْفَى تَحْتَهَا، وَلَمْ تَتَحَدَّثْ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ، فَقِيلَ: هُوَ يَوْمُ شَكٍّ، وَقِيلَ: لَا قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: الْأَصَحُّ لَيْسَ بِشَكٍّ
(وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ) إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ (عَلَى التَّمْرِ وَإِلَّا فَمَاءٌ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَقَالَ: «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ التَّمْرَ فَعَلَى الْمَاءِ فَإِنَّهُ طَهُورٌ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ، وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ: يُسَنُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يُعَجِّلَ الْفِطْرَ وَأَنْ يُفْطِرَ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ فَعَلَى مَاءٍ.
(وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ وَأَخَّرُوا السَّحُورَ» رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (مَا لَمْ يَقَعْ فِي شَكٍّ) فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَالْأَفْضَلُ تَرْكُهُ قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَعِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ وَأَنْ يَتَسَحَّرَ وَيُؤَخِّرَهُ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» ، وَفِيهِمَا عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــSإذَا تَبَيَّنَ) وَلَوْ بَعْدَ زَمَنٍ طَوِيلٍ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: إنَّهُ مِنْهُ أَنْ لَا يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ. قَوْلُهُ: (الْأَصَحُّ لَيْسَ بِشَكٍّ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ تَنْبِيهٌ: مِثْلُ يَوْمِ الشَّكِّ بَقِيَّةُ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ شَعْبَانَ فَيَحْرُمُ صَوْمُ شَيْءٍ مِنْهُ بِلَا سَبَبٍ إنْ لَمْ يَصِلْهُ بِمَا قَبْلَهُ وَلَوْ بِيَوْمٍ، وَلَوْ وَصَلَهُ ثُمَّ أَفْطَرَ يَوْمًا امْتَنَعَ الصَّوْمُ بَعْدَهُ قَالَهُ شَيْخُنَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ بِمَا صَامَهُ مِنْهُ عَادَةً فَرَاجِعْهُ.
فَائِدَةٌ: يَحْرُمُ الْوِصَالُ بِالصَّوْمِ لِأَنَّهُ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَكَذَا الْإِمْسَاكُ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَهُوَ أَنْ لَا يَتَعَاطَى مُفْطِرًا بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ وَلَوْ بِنَحْوِ جِمَاعٍ.
قَوْلُهُ: (تَعْجِيلُ الْفِطْرِ) بِغَيْرِ الْجِمَاعِ وَلَوْ عَلَى الْمَاءِ وَإِنْ رُجِيَ غَيْرُهُ وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ، وَإِنْ اعْتَقَدَهُ فَضِيلَةً كَمَا فِي الْأُمِّ قَوْلُهُ: (عَلَى تَمْرٍ) وَالْأَفْضَلُ كَوْنُهُ وَتْرًا وَكَوْنُهُ بِثَلَاثٍ فَأَكْثَرَ وَيُقَدِّمُ عَلَيْهِ الرُّطَبَ وَالْبُسْرَ وَالْعَجْوَةَ وَبَعْدَهُ مَاءُ زَمْزَمَ، ثُمَّ غَيْرُهُ، ثُمَّ الْحَلْوَاءُ بِالْمَدِّ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ. وَيُقَدِّمُ اللَّبَنَ عَلَى الْعَسَلِ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ. وَيُكْرَهُ مَجُّ الْمَاءِ وَأَنْ يَتَقَايَاهُ، كَمَا فِي شَرْحِ شَيْخِنَا.
قَوْلُهُ: (وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ إلَخْ) هِيَ أَوْلَى عَنْ عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ لِأَنَّهَا تُفِيدُ أَنَّ تَعْجِيلَ الْفِطْرِ سُنَّةٌ بِرَأْسِهَا وَأَنَّهُ عَلَى التَّمْرِ كَذَلِكَ، وَأَنَّهُ عَلَى الْمَاءِ عِنْدَ فَقْدِ التَّمْرِ.
قَوْلُهُ: (وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ) عَطْفٌ عَلَى تَعْجِيلٍ، وَيُسَنُّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الْفِطْرِ مِنْ تَمْرٍ وَغَيْرِهِ نَعَمْ إنْ خَشِيَ مِنْهُ ضَرَرًا لَمْ يُسَنُّ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمَأْكُولُ، وَبِضَمِّهَا الْأَكْلُ، وَتَأْخِيرُهُ مُوَافِقٌ لِحِكْمَةِ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّوْمِ مِنْ الْإِعَانَةِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ) قَصَرَهُ الشَّارِحُ مَعَ إمْكَانِ رُجُوعِهِ إلَى الْغُرُوبِ أَيْضًا وَلَعَلَّهُ لِأَنَّهُ لَمَّا فُرِضَ الْأَوَّلُ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْغُرُوبِ لَمْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَمَا جَزَمَا بِهِ مِنْ تَحْرِيمِ الصَّوْمِ فِيهِ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ، وَكَأَنَّ اعْتِرَاضَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ يَوْمَ شَكٍّ، وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ عَقِبَ ذَلِكَ.
فَرْعٌ إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ حَرُمَ الصَّوْمُ بِغَيْرِ سَبَبٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ. قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَصِلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ قَبْلَهُ أَمْ لَا اهـ. ثُمَّ قَضِيَّةُ التَّحْرِيمِ الْفَسَادُ كَمَا فِي يَوْمِ الشَّكِّ قَوْلُ الْمَتْنِ: (عَنْ الْقَضَاءِ) وَلَوْ عَنْ مُسْتَحَبٍّ وَلَوْ كَانَ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ تَعَيَّنَ فِعْلُهُ فِيهِ فِيمَا يَظْهَرُ. قَوْلُهُ: (أَيْ بَانَ الْهِلَالُ) أَيْ أَمَّا إذَا قَالَ أَحَدٌ رَأَيْته فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ. قَوْلُهُ: (وَظَنَّ صِدْقَهُمْ) عِبَارَةُ الْإِسْنَوِيِّ وَإِنْ ظَنَّ صِدْقَهُمْ. قَوْلُهُ: (أَوْ قَالَ عَدَدٌ) يُرِيدُ بِهَذَا عَدَمَ اشْتِرَاطِ لَفْظِ شَهَادَةٍ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَصِحُّ صَوْمُهُ إلَخْ) إنْ كَانَ مُرَادُهُ لَا يَصِحُّ، وَلَا يَجُوزُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَظُنَّ صِدْقَ الْمُخْبِرِ، وَيَكُونُ ظَنُّ الصِّدْقِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ نَفْيَ الصِّحَّةِ فَقَطْ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ ظَنَّ الصِّدْقَ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ كَوْنَهُ مِنْ رَمَضَانَ وَبِهَذَا يَحْصُلُ عَدَمُ الْمُنَافَاةِ. قَوْلُهُ: (فَلَا تَنَافِي بَيْنَ مَا ذُكِرَ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ مَا هُنَا وَجْهُهُ عَدَمُ الثُّبُوتِ، وَاَلَّذِي قَالَهُ الْبَغَوِيّ مُفِيدٌ لِوُجُودِ الصَّوْمِ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ، وَاَلَّذِي فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ نِيَّةَ الْمُعْتَقِدِ صَحِيحَةٌ، وَأَنَّهُ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْهُ فَيَكُونُ هَذَا الثَّالِثُ مُقَيِّدًا لِكَلَامِ الْبَغَوِيّ، فَيَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى كَلَامِ الْبَغَوِيّ وَلَكِنْ لَا يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ كَوْنُهُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِمَنْ ذَكَرَ هَذَا مَا ظَهَرَ فِي مَعْنَى كَلَامِهِ وَيَجُوزُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يُحْمَلَ مَا هُنَا عَلَى مُجَرَّدِ الظَّنِّ، وَكَلَامُ الْبَغَوِيّ إنَّمَا هُوَ مَفْرُوضٌ فِي الِاعْتِقَادِ وَهُوَ أَعْلَى.
قَوْلُهُ: (فَلَمْ يَتَحَدَّثْ بِرُؤْيَتِهِ) يُفْهَمُ أَنَّهُ إذَا تَحَدَّثَ بِرُؤْيَتِهِ يَكُونُ يَوْمَ الشَّكِّ. كَمَا لَوْ تَمَحَّضَ الصَّحْوُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ فِيمَا سَلَفَ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ فَقَيَّدَ بِهِ لِأَخْذِهِ مِنْ أَطْبَاقِ الْغَيْمِ الْآتِي فِي الْمَتْنِ بَعْدَهُ.
قَوْلُهُ: (وَعِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ) أَيْ فَهِيَ أَحْسَنُ لِأَنَّهَا تُفِيدُ أَنَّ التَّعْجِيلَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ.
قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يَقَعْ إلَخْ) أَيْ لِحَدِيثِ دَعْ مَا يَرِيبُك. قَوْلُهُ: (فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ) إنْ قُلْت: هَلَّا، قَالَ: