رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَرَ بِفِعْلِهِ بِقَوْلِهِ فِيمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: «وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» الْمُوَافِقُ لَهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ «نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» ، فَكَانَ الْوَاجِبُ وَاحِدًا مِنْ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ (وَجَمْعُهُمَا) بِأَنْ يُقَدِّمَ الْحَجَرَ (أَفْضَلُ) مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا. وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَاءِ أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْحَجَرِ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ بِخِلَافِ الْحَجَرِ.

(وَفِي مَعْنَى الْحَجَرِ) الْوَارِدِ (كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ قَالِعٍ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ) كَالْخَشَبِ وَالْخَزَفِ وَالْحَشِيشِ، فَيُجْزِئُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ.

وَاحْتَرَزَ بِالْجَامِدِ الَّذِي زَادَهُ عَلَى الْمُحَرَّرِ عَنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَنَحْوِهِ كَمَا قَالَهُ فِي الدَّقَائِقِ وَبِالطَّاهِرِ عَنْ النَّجِسِ كَالْبَعْرِ، وَبِالْقَالِعِ عَنْ غَيْرِهِ كَالْقَصَبِ الْأَمْلَسِ، وَبِغَيْرِ مُحْتَرَمٍ عَنْهُ كَالْمَطْعُومِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ «النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ» زَادَ مُسْلِمٌ «فَإِنَّهُ طَعَامُ

ـــــــــــــــــــــــــــــSبِالِاسْتِنْجَاءِ مِنْ الرِّيحِ عَلَى وَجْهٍ كَمَا يَأْتِي، وَقَدْ يَحْرُمُ كَمَا فِي النَّقْدِ الْمَطْبُوعِ، وَقَدْ لَا يُجْزِئُ كَمَا فِي الْمَطْعُومِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ مِنْ خَارِجٍ مُلَوَّثٍ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ آخِرِ الْفَصْلِ وَإِنْ كَانَ قَدْرًا لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ خِلَافًا لِلْخَطِيبِ. وَخَرَجَ بِالْمُلَوَّثِ خُرُوجُ الرِّيحِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الِاسْتِنْجَاءُ بَلْ يُكْرَهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ رَطْبًا لِأَنَّهُ طَاهِرٌ عَلَى الرَّاجِحِ، بَلْ يَحْرُمُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ فَاسِدَةٌ فَرَاجِعْهُ.

قَوْلُهُ: (إزَالَةً لِلنَّجَاسَةِ) فَهُوَ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْإِثْمُ عِنْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهَا فَقَطْ. نَعَمْ يَجِبُ الْفَوْرُ لِعُذْرٍ أَوْ عَلَى مَنْ عَلِمَ عَدَمَ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ كَمَا مَرَّ، وَيَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ بِإِرَادَةِ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا وَمُوجِبُهُ الْخُرُوجُ بِشَرْطِ الِانْقِطَاعِ، وَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْوُضُوءِ فِي حَقِّ صَاحِبِ الضَّرُورَةِ وَعَلَى الْمُتَيَمِّمِ مُطْلَقًا. قَوْلُهُ: (بِمَاءٍ) شَمِلَ مَاءَ زَمْزَمَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الْخَطِيبِ وَابْنِ حَجَرٍ.

وَقَالَ شَيْخُنَا خِلَافَ الْأَوْلَى لِمَا قِيلَ إنَّهُ يُورِثُ الْبَاسُورَ، وَيُلْحَقُ بِهِ فِي خِلَافِ الْأَوْلَى وَالْكَرَاهَةِ مَا نَبَعَ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَاءُ الْكَوْثَرِ وَالْمَاءُ الْمَغْضُوبُ عَلَى أَهْلِهِ. قَوْلُهُ: (أَوْ حَجَرٍ) .

قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ: وَهُوَ رُخْصَةٌ وَمِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ بِمَا وَرَدَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَأَلَ أَهْلَ قُبَاءَ بِمَاذَا أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِقَوْلِهِ {فِيهِ رِجَالٌ} [التوبة: 108] فَقَالُوا لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا نَعْرِفُ شَيْئًا إلَّا أَنَّنَا كُنَّا نُتْبِعُ الْحِجَارَةَ بِالْمَاءِ» ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّ الْخُصُوصِيَّةَ مِنْ حَيْثُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ. وَشَمِلَ حِجَارَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَإِنْ حَرُمَ بِالْمُهَيَّأِ مِنْهُمَا، وَشَمِلَ حِجَارَةَ الْحَرَمِ وَيُكْرَهُ بِهَا.

وَقَالَ شَيْخُنَا: لَا كَرَاهَةَ، وَشَمِلَ الْمَوْقُوفَةَ غَيْرَ الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا، وَيُجْزِئُ بِهَا لَكِنْ مَعَ الْحُرْمَةِ فِيهَا، وَسَيَأْتِي مَا فِي الْمَسْجِدِ، وَشَمِلَ نَحْوَ الْجَوَاهِرِ.

قَوْلُهُ: (الْمُوَافِقِ) هُوَ مَجْرُورٌ نَعْتٌ لِمَا وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ دَلِيلُ الْجَوَازِ، وَالثَّانِي دَلِيلُ الْوُجُوبِ، وَالثَّالِثُ دَلِيلُ عَدَمِ جَوَازِ النَّقْصِ عَنْ الثَّلَاثِ، وَمَا بَعْدَ الْأَوَّلِ دَافِعٌ لِتَوَهُّمِ الْخُصُوصِيَّةِ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يُقَدِّمَ الْحَجَرَ) هُوَ تَصْوِيرٌ لِلْجَمْعِ.

قَالَ شَيْخُنَا: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْجَمْعِ طَهَارَةُ الْحَجَرِ وَلَا كَوْنُهُ ثَلَاثًا، فَيَكْفِي بِالنَّجَسِ وَلَوْ مِنْ مُغَلَّظٍ، قَالَ: وَلَا يُسَنُّ جَمْعُ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ فِي غَيْرِ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَيُقَدِّمُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ قُبُلَهُ، وَفِي الْحَجَرِ وَلَوْ مَعَ الْجَمْعِ دُبُرَهُ لِسُرْعَةِ جَفَافِهِ، وَالْمُسْتَعْمَلُ مِنْ الْمَاءِ قَدْرٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ زَوَالُ النَّجَاسَةِ بِهِ وَعَلَامَتُهُ زَوَالُ النُّعُومَةِ، وَلَا يُنْدَبُ الِاسْتِعَانَةُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِنَحْوِ أُشْنَانٍ وَلَا شَمِّ الْيَدِ بَعْدَهُ، فَإِنْ شَمَّهَا فَوَجَدَ رِيحَ النَّجَاسَةِ لَمْ يَضُرَّ إنْ كَانَ مِنْ بَيْنِ الْأَصَابِعِ، وَيَضُرُّ إنْ كَانَ مِنْ الْمُلَاقِي لِلْمَحَلِّ لِدَلَالَتِهِ عَلَى بَقَائِهَا فَتَجِبُ إعَادَتُهُ. قَوْلُهُ: (وَفِي مَعْنَى الْحَجَرِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَيْهِ بِجَامِعِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَفِيهِ الْقِيَاسُ عَلَى الرُّخَصِ، وَهُوَ صَحِيحٌ حَيْثُ اُسْتُنْبِطَ لَهَا مَعْنًى كَمَا هُنَا. قَوْلُهُ: (الْوَارِدِ) دُفِعَ بِهِ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ. قَوْلُهُ: (كُلُّ جَامِدٍ) دَخَلَ فِيهِ الْحَرِيرُ كَالدِّيبَاجِ وَلَوْ لِلرِّجَالِ فَيَحِلُّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.

قَوْلُهُ: (وَبِغَيْرِ مُحْتَرَمٍ عَنْهُ) أَيْ الْمُحْتَرَمِ فَيَحْرُمُ وَلَا يُجْزِئُ وَمِنْهُ تَوْرَاةٌ وَإِنْجِيلٌ لَمْ يُبَدَّلَا، وَكُلُّ عِلْمٍ شَرْعِيٍّ وَآلَتُهُ كَالْمَنْطِقِ الْآنَ لَا مَا كَانَ لِأَنَّهُ كَانَ فَلْسَفَةً، وَمِنْهُ جُزْءُ حَيَوَانٍ مُتَّصِلٍ مُطْلَقًا وَلَوْ نَحْوَ صُوفٍ، أَوْ مُنْفَصِلٍ مِنْ آدَمِيٍّ وَلَوْ مُهْدَرًا كَحَرْبِيٍّ وَمُرْتَدٍّ، وَمِنْهُ جُزْءُ مَسْجِدٍ وَإِنْ انْفَصَلَ وَجَازَ بَيْعُهُ عِنْدَ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ.

وَقَالَ شَيْخُنَا بِصِحَّتِهِ فِيمَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَمِنْهُ حِجَارَةُ الْكَعْبَةِ بِالْأَوْلَى مِنْ الْمَسْجِدِ، وَلَا نَظَرَ لِمَنْ تَرَدَّدَ فِيهَا، وَمِنْهُ جِلْدُ مُصْحَفٍ وَلَوْ مُنْفَصِلًا حَيْثُ نُسِبَ إلَيْهِ، وَجِلْدُ عِلْمٍ حَالَ اتِّصَالِهِ. قَوْلُهُ: (كَالْمَطْعُومِ) وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِيهِ الرِّبَا، وَمِنْهُ جِلْدُ حُوتٍ جَفَّ وَخَشُنَ بِحَيْثُ لَوْ بُلَّ أُكِلَ، فَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ جَازَ، وَبِهَذَا يُجْمَعُ التَّنَاقُضُ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا الرِّوَايَةُ) الْأَوْلَى فَإِنَّهُ وَلَعَلَّ الشَّارِحَ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى.

قَوْلُهُ:

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْحَجَرِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَجَمْعُهُمَا إلَى آخِرِهِ) وَمَا فِي قِصَّةِ أَهْلِ قُبَاءَ مِنْ أَنَّ الثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ لِجَمْعِهِمْ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: لَا أَصْلَ لَهُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: بَلْ وَجْهُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ اسْتِعْمَالُهُمْ الْمَاءَ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَقْتَصِرُ عَلَى الْحَجَرِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَفِي مَعْنَى الْحَجَرِ كُلُّ جَامِدٍ طَاهِرٍ إلَخْ) نَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْخَطَّابِيِّ جَوَازَ اسْتِعْمَالِ النُّخَالَةِ وَدَقِيقِ الْبَاقِلَّا فِي غَسْلِ الْأَيْدِي وَنَحْوِهَا.

قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ اسْتِعْمَالِ الْمَطْعُومِ لَا يَتَعَدَّى الِاسْتِنْجَاءَ إلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ، فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الْمِلْحِ مَعَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015