الصَّوْمُ وَلَمْ يُفَرِّعُوهُ عَلَى شَيْءٍ. (وَإِذَا صُمْنَا بِعَدْلٍ وَلَمْ نَرَ الْهِلَالَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ أَفْطَرْنَا فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الشَّهْرَ يَتِمُّ بِمُضِيِّ ثَلَاثِينَ. وَالثَّانِي لَا نُفْطِرُ لِأَنَّهُ إفْطَارٌ بِوَاحِدٍ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِلَالِ شَوَّالٍ وَاحِدٌ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الشَّيْءَ يَثْبُتُ ضِمْنًا بِمَا لَا يَثْبُتُ بِهِ مَقْصُودًا وَقَوْلُهُ: (إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي حَالَتَيْ الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ. وَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ بِالْإِفْطَارِ فِي حَالَةِ الْغَيْمِ دُونَ الصَّحْوِ
(وَإِذَا رُئِيَ بِبَلَدٍ لَزِمَ حُكْمُهُ الْبَلَدَ الْقَرِيبَ دُونَ الْبَعِيدِ فِي الْأَصَحِّ) وَالثَّانِي يَلْزَمُ فِي الْبَعِيدِ أَيْضًا. (وَمَسَافَةُ الْبَعِيدِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ وَقِيلَ) الْبَعِيدُ (بِاخْتِلَافِ الْمُطَالِعِ، قُلْت: هَذَا أَصَحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) لِأَنَّ أَمْرَ الْهِلَالِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ: اعْتِبَارُ الْمُطَالِعِ يُحْوِجُ إلَى حِسَابِ وَتَحْكِيمِ الْمُنَجِّمِينَ، وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ تَأْبَى، ذَلِكَ بِخِلَافِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ الَّتِي عَلَّقَ الشَّرْعُ بِهَا كَثِيرًا مِنْ الْأَحْكَامِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فَإِنْ شَكَّ فِي اتِّفَاقِ الْمُطَالِعِ لَمْ يَجِبْ الصَّوْمُ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يَرَوْا
ـــــــــــــــــــــــــــــSعَلَيْهَا وَكَانَ مِنْ غَيْرِ الرَّائِي وَإِلَّا وَقَعَا قَوْلُهُ: (صَدَّقَهُ) أَيْ الْمَوْثُوقُ بِهِ، وَكَذَا غَيْرُهُ كَمَا مَرَّ. قَوْلُهُ: (أَفْطَرْنَا) أَيْ وُجُوبًا وَإِنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَلَمْ يُرَ الْهِلَالُ أَوْ دَلَّ الْحِسَابُ عَلَى رُؤْيَتِهِ عَلَى مَا مَرَّ، وَمِثْلُ ذَلِكَ كَمَا مَرَّ مَنْ صَامَ بِخَبَرِ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَوْ مَنْ صَدَّقَهُ وَلَوْ فَاسِقًا أَوْ بِحِسَابِهِ أَوْ مَنْ صَدَّقَهُ، أَوْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ لَكِنْ يُنْدَبُ لِهَؤُلَاءِ إخْفَاءُ فِطْرِهِمْ. وَلِلْحَاكِمِ تَعْزِيرُ مَا أَظْهَرَهُ إنْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ. وَإِذَا ظَنَّ هَذَا وَجَبَ الْإِخْفَاءُ كَمَا قَالَهُ الْعَبَّادِيُّ.
فَرْعٌ: تَرَدَّدَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ سُؤَالُ مَنْ ظَنَّ مِنْ الرُّؤْيَةِ أَوْ عَلِمَ بِحِسَابِهِ فَرَاجِعْهُ. وَلَا يَجُوزُ الصَّوْمُ بِإِخْبَارِ الْمَعْصُومِ فِي النَّوْمِ لِعَدَمِ ضَبْطِ النَّائِمِ أَفْعَالَهُ
. قَوْلُهُ: (رُئِيَ) لَوْ قَالَ ثَبَتَ كَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (وَهُوَ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِلَالِ شَوَّالٍ وَاحِدٌ) مُقْتَضَى هَذَا أَنَّ عَدَمَ الْفِطْرِ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَبِ. وَتَقَدَّمَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ اعْتِمَادُ خِلَافِهِ.
قَوْلُهُ: (وَقِيلَ الْبَعِيدُ) ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْمَصْدَرِ لِيُنَاسِبَ مَا بَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ) أَيْ بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْمَغَارِبِ. وَالْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ طُلُوعُ الشَّمْسِ أَوْ الْفَجْرِ أَوْ الْكَوَاكِبِ أَوْ غُرُوبُ ذَلِكَ فِي مَحَلٍّ مُتَقَدِّمًا عَلَى مِثْلِهِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَوْ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فَتَتَأَخَّرُ رُؤْيَتُهُ فِي بَلَدٍ عَنْ رُؤْيَتِهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ أَوْ تَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ. وَذَلِكَ مُسَبَّبٌ عَنْ اخْتِلَافِ عُرُوضِ الْبِلَادِ أَيْ بُعْدِهَا عَلَى خَطِّ الِاسْتِوَاءِ وَأَطْوَالِهَا أَيْ بُعْدِهَا عَنْ سَاحِلِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ الْغَرْبِيِّ فَمَتَى تَسَاوَى طُولُ بَلَدَيْنِ لَزِمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي أَحَدِهِمَا رُؤْيَتُهُ فِي الْآخَرِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ عَرْضُهُمَا أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ شُهُورٍ أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي أَقْصَى الْجَنُوبِ وَالْآخَرُ فِي أَقْصَى الشَّمَالِ. وَمَتَى اخْتَلَفَ طُولُهُمَا بِمَا سَيَأْتِي امْتَنَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الرُّؤْيَةِ وَلَزِمَ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي الْبَلَدِ الشَّرْقِيِّ رُؤْيَتُهُ فِي الْبَلَدِ الْغَرْبِيِّ دُونَ الْعَكْسِ. كَمَا فِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ وَمِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ فَيَلْزَمُ مِنْ رُؤْيَتِهِ فِي مَكَّةَ رُؤْيَتُهُ فِي مِصْرَ لَا عَكْسُهُ، لِأَنَّ رُؤْيَةَ الْهِلَالِ مِنْ أَفْرَادِ الْغُرُوبِ لِأَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ. وَمَا ذَكَرَ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَعَنْ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُخَالِفُ هَذَا لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ. وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ: وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ بِهِ اخْتِلَافُ الْمُطَالِعِ مَسَافَةُ قَصْرٍ وَنِصْفُهَا وَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَرْسَخًا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ بَلْ بَاطِلٌ. وَكَذَا قَوْلُ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ إنَّهَا تَحْدِيدٌ كَمَا عَلِمْت.
تَنْبِيهٌ: اعْتِبَارُ الْمَسَافَةِ وَاخْتِلَافُ الْمُطَالِعِ مُعْتَبَرٌ بَيْنَ كُلِّ بَلَدٍ وَأُخْرَى بَعِيدَةٍ عَنْهَا بِذَلِكَ الْمِقْدَارِ مَثَلًا فَقَوْلُ بَعْضِهِمْ يَلْزَمُ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُطَالِعِ دُخُولُ الْبَلَدِ الْقَرِيبِ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ وَخُرُوجُ الْبَعِيدِ عَنْهُ خَطَأٌ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: (وَالْإِمَامُ قَالَ إلَخْ) وَأَجَابَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ فِي الْأُصُولِ وَالْأُمُورِ الْعَامَّةِ عَدَمُ اعْتِبَارِهِ فِي التَّوَابِعِ وَالْأُمُورِ الْخَاصَّةِ انْتَهَى. وَفِي الْجَوَابِ تَسْلِيمٌ لِمَا قَالَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارُ الْمَسَافَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ مَسَافَةِ قَصْرٍ وَلَا يُمْكِنُ اخْتِلَافُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبَعْدَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمِ عُوِّلَتَا عَلَيْهِ قَوْلُ الْمَتْنِ: (مُصْحِيَةً) يُقَالُ أَصْحَتْ السَّمَاءُ إذَا انْقَشَعَ الْغَيْمُ عَنْهَا
قَوْلُ الْمَتْنِ: (وَإِذَا لَمْ نُوجِبْ) احْتَرَزَ عَمَّا إذَا أَوْجَبْنَا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ أَهْلَ الْبَلَدِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ مُوَافَقَتُهُ إنْ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ رُؤْيَتُهُ فِي الْبَلَدِ الْمُنْتَقِلِ عَنْهَا، أَمَّا بِقَوْلِهِ أَوْ بِطَرِيقٍ آخَرَ وَيَقْضُونَ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُمْ لَزِمَهُ هُوَ الْفِطْرُ، كَمَا لَوْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَالْمُتَّجِهُ اعْتِبَارُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي بَلَدِ الرُّؤْيَةِ وَقْتَ الْغُرُوبِ لَا أَوَّلَ الصَّوْمِ وَهُوَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ اهـ.
وَقَوْلُهُ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ مِثْلُهَا فِيمَا يَظْهَرُ مَا لَوْ كَانَ فِي مَكَان