فِطْرَتَهَا دَيْنٌ وَالدَّيْنُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْفِطْرَةِ عَلَى طَرِيقٍ تَقَدَّمَ وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا أَوْ صَاعَيْنِ أَخْرَجَهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَزَوْجَتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْقَرِيبِ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا آكَدُ إذْ لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ بِخِلَافِ نَفَقَتِهِ وَقِيلَ: يُؤَخِّرُهَا عَنْ الْقَرِيبِ لِأَنَّ عَلَقَتَهُ لَا تَنْقَطِعُ وَعَلَقَتُهَا يَعْرِضُ لَهَا الِانْقِطَاعُ. وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا أَوْ ثَلَاثَةُ آصُعٍ فَأَكْثَرُ، أَخْرَجَ الثَّالِثَ عَنْ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ، وَالرَّابِعُ عَنْ الْأَبِ وَالْخَامِسُ عَنْ الْأُمِّ.
وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْإِمَامِ وَغَيْرُهُ حِكَايَةُ وَجْهٍ بِتَقْدِيمِ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ عَلَى الْأَبَوَيْنِ، وَوَجْهُ بِتَقْدِيمِ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ، وَوَجْهُ بِأَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا كَالْخِلَافِ فِي نَفَقَتِهِمَا لَكِنَّ الْأَصَحَّ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْأُمِّ. قَالَ: وَالْفَرْقُ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِسَدِّ الْخُلَّةِ وَالْأُمُّ أَحْوَجُ وَأَقَلُّ حِيلَةً. وَالْفِطْرَةُ تَجِبُ لِتَطْهِيرِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ وَتَشْرِيفِهِ، وَالْأَبُ أَحَقُّ بِهَذَا فَإِنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَيَشْرُفُ بِشَرَفِهِ
(وَهِيَ) أَيْ فِطْرَةُ الْوَاحِدِ (صَاعٌ وَهُوَ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ وَثُلُثٌ) لِأَنَّهُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ. وَالرِّطْلُ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا (قُلْت: الْأَصَحُّ سِتُّمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ لِمَا سَبَقَ فِي زَكَاةِ النَّبَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ) مِنْ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ رِطْلَ بَغْدَادَ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ.
قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ: الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ الْكَيْلُ. وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ الْعُلَمَاءُ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: يَخْتَلِفُ قَدْرُهُ وَزْنًا بِاخْتِلَافِ جِنْسِ مَا يُخْرَجُ كَالذُّرَةِ وَالْحِمَّصِ وَغَيْرِهِمَا. وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الدَّارِمِيُّ أَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْكَيْلِ بِصَاعٍ مُعَايَرٍ بِالصَّاعِ الَّذِي كَانَ يُخْرَجُ بِهِ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ لَمْ يَجِدْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ إخْرَاجُ قَدْرٍ يَتَيَقَّنُ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ عَنْهُ. وَعَلَى هَذَا فَالتَّقْدِيرُ
ـــــــــــــــــــــــــــــSشَيْخُنَا كَابْنِ حَجَرٍ قَالَ: وَلَا نَظَرَ لِاحْتِمَالِ التَّلَفِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَقَاءُ، وَلَوْ أَخْرَجَ الصَّاعَ الْمَذْكُورَ عَنْ غَيْرِ نَفْسِهِ لَمْ يَقَعْ عَنْ الْمُخْرَجِ عَنْهُ، وَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ إنْ شَرَطَهُ وَتَبْقَى فِطْرَةُ نَفْسِهِ عَلَيْهِ. وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا بَعْدَهُ.
وَلَوْ قَدَّمَ الْمُؤَخَّرَ فِي حَالَةِ النَّدْبِ فَتَلِفَ الَّذِي أَخَّرَهُ لِلْمُقَدَّمِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ عَنْهُ تَبَيَّنَ عَدَمُ إجْزَاءِ الَّذِي أَخْرَجَهُ، قَالَهُ شَيْخُنَا، نَعَمْ إنْ كَانَ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ وَقْتِ الْوُجُوبِ فَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (تَقَدَّمَ الْأُمُّ) أَيْ فِي النَّفَقَةِ. قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ إلَخْ) أَبْطَلَ الْإِسْنَوِيُّ الْفَرْقَ بِتَقْدِيمِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ عَلَى الْأَبِ وَأَجَابَ عَنْهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ بِأَنَّ الْوَلَدَ جُزْءٌ مِنْهُ فَهُوَ كَنَفْسِهِ، وَبِأَنَّ النَّظَرَ لِلشَّرَفِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِهَةِ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الْجَوَابِ الْأَوَّلِ بِتَأْخِيرِ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ. وَقَدْ يُقَالُ شَأْنُ الْوَلَدِ الْكَبِيرِ عَدَمُ الْحَاجَةِ، وَفِيهِ بُعْدٌ فَتَأَمَّلْهُ.
فَرْعٌ: لَوْ اسْتَوَى جَمَاعَةٌ فِي مَرْتَبَةٍ وَنَقَصَ وَاجِبُهُمْ كَصَاعٍ فَأَقَلَّ عَنْ زَوْجَتَيْنِ يُخَيَّرُ فِي إخْرَاجِهِ عَنْ إحْدَاهُمَا وَلَا يُقَسِّطُهُ بَيْنَهُمَا وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ نَدْبُ الْقُرْعَةِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ تَعَدَّدَ مَنْ تَلْزَمُهُ كَوَلَدَيْنِ عَنْ أَبٍ لَزِمَ كُلًّا نِصْفُ صَاعٍ فَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ الصَّاعِ احْتَاجَ فِي صِحَّةِ إخْرَاجِهِ إلَى إذْنِ الْآخَرِ أَوْ الْأَبِ.
كَذَا بَحَثَهُ الْعَلَّامَةُ ابْنُ قَاسِمٍ وَارْتَضَاهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ، وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لِإِذْنٍ وَأَنَّهَا تَسْقُطُ عَنْ الْآخَرِ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ عَنْ الْعَلَّامَةِ الْبُرُلُّسِيِّ أَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ مَنْ لَزِمَتْ فِطْرَتُهُ لِغَيْرِهِ وَأَخْرَجَ عَنْ نَفْسِهِ كَفَى. وَلَا يَرْجِعُ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى إذْنٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: إنَّ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي إخْرَاجِ الشَّخْصِ عَنْ نَفْسِهِ. وَحُمِلَ هَذَا عَلَى مَا لَوْ أَعْسَرَ مَنْ لَزِمَتْهُ فِيهِ بُعْدٌ فَرَاجِعْهُ
. قَوْلُهُ: (صَاعٌ) قَالَ الْقَفَّالُ: وَحِكْمَةُ الصَّاعِ أَنَّ الْفَقِيرَ لَا يَجِدُ مَنْ يَسْتَعْمِلُهُ فِي يَوْمِ الْعِيدِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ فِي الْغَالِبِ وَالْمُتَحَصِّلُ مِنْ الصَّاعِ وَمَا يُضَمُّ إلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ فِي عَجْنِهِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ، وَذَلِكَ كِفَايَةُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِكُلٍّ يَوْمٍ رِطْلَانِ. وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي هَذِهِ الْحِكْمَةِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمُوجَبُ دَفْعُهَا لِثَلَاثَةٍ فَأَكْثَرَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ أَوْ لِصِنْفٍ مِنْ الْأَصْنَافِ السَّبْعَةِ مَثَلًا قَوْلُهُ: (وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ) وَيُعْلَمُ مِقْدَارُهُ مِنْ مِقْدَارِ الرِّطْلِ عَلَى الْخِلَافِ، وَسَيَأْتِي فِي النَّفَقَاتِ التَّصْرِيحُ بِقَدْرِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْمَنْهَجِ. قَوْلُهُ: (وَالصَّوَابُ إلَخْ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ. قَوْلُهُ: (بِصَاعٍ مُعَايَرٍ إلَخْ) وَقُدِّرَ بِالْكَيْلِ الْمِصْرِيِّ فَكَانَ مِقْدَارَ قَدَحَيْنِ تَقْرِيبًا فَهُوَ الْمُعْتَبَرُ، وَلَا نَظَرَ لِلْوَزْنِ، وَإِنْ اخْتَلَفَ وَزْنُ الْحُبُوبِ وَلِأَنَّهُمَا يَزِيدَانِ عَلَى أَرْبَعَةِ الْأَمْدَادِ الَّتِي هِيَ الصَّاعُ بِنَحْوِ سُبْعَيْ مُدٍّ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْقَدَحِ بِالدَّرَاهِمِ الْمِصْرِيَّةِ مِائَةُ دِرْهَمٍ، وَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَيَكْفِي عَنْ الْكَيْلِ بِالْقَدَحِ أَرْبَعُ حَفَنَاتٍ بِكَفَّيْنِ مُنْضَمَّيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَادَ لَكَانَ أَوْلَى. قَوْلُهُ: (لِمَعْنَى النَّمَاءِ) أَيْ الَّذِي يَفُوتُهُ فِي الْغَيْبَةِ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ، لَكِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ إنَّمَا عَلَّلَ بِهِ مَنْ مَنَعَ الْوُجُوبَ فِي الْمَالِ الْغَائِبِ، وَأَمَّا تَأْخِيرُ الْإِخْرَاجِ فِيهِ، فَعُلِّلَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الْإِخْرَاجِ مِنْهُ وَالتَّكْلِيفُ مِنْ غَيْرِهِ خَرَجَ لِاحْتِمَالِ