دُونَ يَمِينِهِ فَيَنْصِبُهَا لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ وَلَوْ بَالَ قَائِمًا فَرَّجَ بَيْنَهُمَا فَيَعْتَمِدُهَا (وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا) أَدَبًا فِي الْبُنْيَانِ (وَيَحْرُمَانِ بِالصَّحْرَاءِ) قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَرَوَيَا أَيْضًا «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى حَاجَتَهُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ، مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةَ» . وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - ذُكِرَ عِنْدَهُ أَنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ أَوَقَدْ فَعَلُوهَا حَوِّلُوا بِمَقْعَدَتِي إلَى الْقِبْلَةِ» فَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِحَمْلِ أَوَّلِهَا الْمُفِيدِ لِلتَّحْرِيمِ عَلَى الصَّحْرَاءِ لِأَنَّهَا لِسَعَتِهَا لَا يَشُقُّ فِيهَا اجْتِنَابُ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ بِخِلَافِ الْبُنْيَانِ فَقَدْ يَشُقُّ فِيهِ اجْتِنَابُ ذَلِكَ فَيَجُوزُ فِعْلُهُ كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِبَيَانِ الْجَوَازِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى لَنَا تَرْكَهُ. نَعَمْ يَجُوزُ فِعْلُهُ فِي الصَّحْرَاءِ إذَا اسْتَتَرَ بِمُرْتَفَعٍ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ فَأَكْثَرَ وَقَرُبَ مِنْهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَأَقَلَّ وَيَحْرُمُ فِعْلُهُ فِي الْبُنْيَانِ إذَا لَمْ يَسْتَتِرْ فِيهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْبِنَاءِ الْمُهَيَّأِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ فَلَا يَحْرُمُ وَإِنْ بَعُدَ السَّاتِرُ، وَقَصَرَ ذِكْرَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ أَرْخَى

ـــــــــــــــــــــــــــــSخِلَافٌ، فَهُمَا وَارِدَانِ مِنْ حَيْثُ الْخِلَافُ فَلْيُرَاجَعْ. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَالَ قَائِمًا إلَخْ) اعْتَمَدَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ مُخَالِفًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَعْضِ فِي عِبَارَتِهِ الْجَلَالُ وَالشَّارِحُ، وَخَرَجَ بِالْبَوْلِ الْغَائِطُ قَائِمًا فَهُوَ كَالْجَالِسِ فِي اعْتِمَادِ يَسَارِهِ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَامُ مَكْرُوهًا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. نَعَمْ إنْ خَشِيَ التَّنْجِيسَ فِي حَالَةِ تَعَيُّنِ خِلَافِهَا. قَوْلُهُ: (الْقِبْلَةَ) أَيْ عَيْنَ الْكَعْبَةِ وَلَوْ بِالِاجْتِهَادِ لَا جِهَتِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَخَرَجَ بِهَا بَيْتُ الْمَقْدِسِ، فَاسْتِقْبَالُهُ وَاسْتِدْبَارُهُ مَكْرُوهٌ مَعَ عَدَمِ السَّاتِرِ، وَيُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الْقَمَرَيْنِ، لَا اسْتِدْبَارُهُمَا.

قَوْلُهُ: (بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ) هُوَ عَلَى اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ أَيْ لَا تَسْتَقْبِلُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِغَائِطٍ، لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ جَعْلُ الشَّيْءِ قِبَالَةَ الْوَجْهِ، وَالِاسْتِدْبَارَ جَعْلُ الشَّيْءِ جِهَةَ دُبُرِهِ أَيْ خَلْفَهُ، فَلَوْ اسْتَقْبَلَ وَتَغَوَّطَ أَوْ اسْتَدْبَرَ وَبَالَ لَمْ يَحْرُمْ، وَكَذَا لَوْ اسْتَقْبَلَ وَلَوَى ذَكَرَهُ يَمِينًا أَوْ يَسَارًا بِخِلَافِ عَكْسِهِ لِوُجُودِ الِاسْتِقْبَالِ بِالْعَوْرَةِ وَالْخَارِجِ مَعًا فِي الْعَكْسِ دُونَ مَا قَبْلَهُ، وَبِمَا ذُكِرَ عُلِمَ سُقُوطُ مَا شَنَّعَ بِهِ بَعْضُ أَكَابِرِ الْفُضَلَاءِ وَالْعُلَمَاءِ عَلَى بَعْضِ الطَّلَبَةِ حِينَ تَوَقَّفَ فِي حِكْمَةِ تَعَارُضِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ وُجُودُهُمَا مَعًا فَضْلًا عَنْ تَعَارُضِهِمَا، فَذِكْرُ شَيْخِنَا لَهُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ غَفْلَةٌ عَنْ الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا لَوْ نَزَلَا مَعًا فَلَيْسَ مِنْ التَّعَارُضِ، بَلْ يُقَالُ أَيُّهُمَا أَشَدُّ حُرْمَةً فَيَتَجَنَّبُهُ إذَا تَعَذَّرَ اجْتِنَابُهُمَا مَعًا، فَرَاجِعْ وَحَرِّرْ وَافِهِمْ.

قَوْلُهُ: (وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) أَيْ مِيلُوا عَنْ عَيْنِ الْكَعْبَةِ إلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ أَوْ إلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ، وَهُوَ خِطَابٌ خَاصٌّ بِمَنْ قِبْلَتُهُمْ الْجَنُوبُ كَأَهْلِ الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ أَوْ الشَّمَالُ كَأَهْلِ عَدَنٍ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَخْرُجُونَ عَنْ عَيْنِ الْقِبْلَةِ لَوْ شَرَّقُوا أَوْ غَرَّبُوا بِخِلَافِ نَحْوِ أَهْلِ مِصْرَ مِمَّنْ قِبْلَتُهُمْ الْمَشْرِقُ، أَوْ أَهْلِ السِّنْدِ مِمَّنْ قِبْلَتُهُمْ الْمَغْرِبُ، وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ يُؤْخَذُ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ فِي هَذَا كَمَا فِي الْخِطَابِ فِي صَدْرِهِ اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ يَرُدُّهُ التَّعْبِيرُ بِالِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ حَقِيقَةً إلَّا فِي بَلَدٍ مُسَاوٍ لِمَكَّةَ فِي الطُّولِ أَوْ الْعَرْضِ كَمَا يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ دِرَايَةٌ بِذَلِكَ، وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ مَنْعُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ فِي عَدَمِ السَّاتِرِ وَيُنْدَبُ مَعَهُ.

قَوْلُهُ: (فَعَلُوهَا) أَيْ الْكَرَاهَةَ بِمَعْنَى اعْتَقَدُوهَا أَوْ بِمَعْنَى فَعَلُوا مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، أَوْ بِمَعْنَى وَقَعَتْ مِنْهُمْ، فَهُوَ تَوْبِيخٌ لَهُمْ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: حَوِّلُوا بِمَقْعَدَتِي إلَى الْقِبْلَةِ إلَى أَنَّهُمْ إنَّمَا كَرِهُوا مَا نُقِلَ عَنْهُمْ اعْتِمَادًا عَلَى فِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ جَعْلِهِ مَقْعَدَتَهُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَهُوَ تَأْكِيدٌ فِي رَدِّ مَا فَهِمُوهُ. وَالْمَقْعَدَةُ اسْمٌ لِنَحْوِ حَجَرَيْنِ يَجْلِسُ قَاضِي الْحَاجَةِ عَلَيْهِمَا، وَبَيْنَهُمَا مُنْخَفَضٌ. قَوْلُهُ: (فَجَمَعَ الشَّافِعِيُّ) فَنِسْبَةُ الْجَمْعِ لِلْأَصْحَابِ كَمَا فِي عِبَارَةِ بَعْضِهِمْ كَالْمَنْهَجِ عَلَى ضَرْبٍ مِنْ التَّجَوُّزِ.

قَوْلُهُ: (أَوَّلِهَا) وَهُوَ حَدِيثُ: " لَا تَسْتَقْبِلُوا " إلَخْ. وَقَوْلُهُ: (كَمَا فَعَلَهُ) أَيْ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ وَهُوَ فِي غَيْرِ الْمُعَدِّ لَكِنَّهُ مَعَ السَّاتِرِ بِدَلِيلِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِكَوْنِهِ خِلَافَ الْأَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَسَكَتَ عَنْ الْمُعَدِّ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " حَوِّلُوا " إلَخْ لِعِلْمِهِ مِمَّا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَيْسَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ تَرْكَهُ حَيْثُ سَهُلَ غَيْرُهُ. قَوْلُهُ: (نَعَمْ إلَخْ) فِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّحْرَاءِ مَا لَيْسَ بِسَاتِرٍ مُعْتَبَرٍ وَإِنْ كَانَ فِي الْبُنْيَانِ وَعَكْسِهِ، وَالسَّاتِرُ فِي الْمُسْتَقْبِلِ لِلْبَوْلِ يَكُونُ أَمَامَهُ وَفِي الْمُسْتَدْبِرِ لِلْغَائِطِ يَكُونُ مِنْ خَلْفِهِ.

قَوْلُهُ: (بِمُرْتَفَعٍ) وَلَوْ مِنْ زُجَاجٍ وَمَاءٍ صَافٍ إنْ أَمْكَنَ، أَوْ بِذَيْلِهِ كَمَا يَأْتِي، وَتَقْدِيرُهُ بِثُلُثَيْ ذِرَاعٍ نَظَرًا لِلْغَالِبِ، فَلَوْ كَفَاهُ دُونَهُمَا فَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ، أَوْ احْتَاجَ إلَى زِيَادَةٍ وَجَبَتْ، فَلَوْ بَالَ قَائِمًا وَجَبَ سَتْرُ عَوْرَتِهِ وَمَا تَحْتَهَا إلَى آخِرِ قَدَمَيْهِ لِكَوْنِهِ مِنْ حَرِيمِ الْعَوْرَةِ، قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ عَنْ إفْتَاءِ وَالِدِهِ، وَالْوَجْهُ الِاكْتِفَاءُ بِمَا حَاذَى الْعَوْرَةَ لِمَا مَرَّ، وَقَالَ أَيْضًا لَا بُدَّ فِي السَّاتِرِ أَنْ يَكُونَ عَرِيضًا يَسْتُرُ جَوَانِبَ الْعَوْرَةِ فَلَا يَكْفِي نَحْوُ الْعَنَزَةِ وَالْوَجْهُ خِلَافُهُ وِفَاقًا لِابْنِ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

قَوْلُهُ: (الْمُهَيَّأِ) أَيْ الْمُعَدِّ وَهُوَ يَحْصُلُ

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) أَيْ إذَا كَانَ قَاضِي الْحَاجَةِ فِي الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ وَمَا سَامَتَهَا وَإِلَّا فَقَدْ يَكُونُ التَّشْرِيقُ وَالتَّغْرِيبُ عَلَى سَمْتِ الْكَعْبَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (بِمُرْتَفَعٍ إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ السَّاتِرَ فِي هَذَا الْبَابِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ عَرِيضًا بِحَيْثُ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ. قَوْلُ الشَّارِحِ:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015