(يُقَدِّمُ دَاخِلُ الْخَلَاءِ يَسَارَهُ وَالْخَارِجُ يَمِينَهُ) لِمُنَاسِبَةِ الْيَسَارِ لِلْمُسْتَقْذَرِ وَالْيَمِينِ لِغَيْرِهِ، وَالْخَلَاءُ بِالْمَدِّ الْمَكَانُ الْخَالِي نُقِلَ إلَى الْبِنَاءِ الْمُعَدِّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ عُرْفًا (وَلَا يَحْمِلُ) فِي الْخَلَاءِ (ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ مَكْتُوبَ ذِكْرٍ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ تَعْظِيمًا لَهُ وَحَمْلُهُ.
قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ، وَالصَّحْرَاءُ كَالْبُنْيَانِ فِي هَذَيْنِ الْأَدَبَيْنِ. (وَيَعْتَمِدُ) فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ (جَالِسًا يَسَارَهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــSفَائِدَةٌ) قَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يُرْفَعُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ إلَّا فِي أَرْبَعِ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا: الشَّكُّ فِي خُرُوجِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ فَيُصَلُّونَ ظُهْرًا. الثَّانِيَةُ: الشَّكُّ فِي بَقَاءِ مُدَّةِ الْمَسْحِ فَيَغْسِلُ. الثَّالِثَةُ: الشَّكُّ فِي وُصُولِ مَقْصِدِهِ فَيُتِمُّ. الرَّابِعَةُ: الشَّكُّ فِي نِيَّةِ الْإِتْمَامِ فَيُتِمُّ أَيْضًا.
قَالَ بَعْضُهُمْ: لِأَنَّ هَذِهِ رُخَصٌ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الْيَقِينِ وَحِينَئِذٍ فَكُلُّ رُخْصَةٍ كَذَلِكَ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمَذْكُورَاتِ بَلْ إنَّ غَيْرَ الرُّخَصِ يَقَعُ فِيهَا ذَلِكَ كَمَا مَرَّ آنِفًا فِي اللَّمْسِ وَالْمَسِّ، وَانْظُرْ الْيَقِينَ الْمُقَابِلَ لِلشَّكِّ فِي الْأَخِيرَةِ مَا هُوَ فَتَأَمَّلْ.
[فَصْلٌ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ]
(فَصْلٌ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ) حَقِيقَةً وَشُرُوطًا وَآدَابًا. وَالْآدَابُ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ جَمْعُ أَدَبٍ، وَهُوَ مَا يُطْلَبُ الْإِتْيَانُ بِهِ نَدْبًا أَصَالَةً، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا يُطْلَبُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا لِأَجْلِ غَيْرِهِ صِحَّةً أَوْ كَمَالًا، وَقَدَّمَ هَذَا الْفَصْلَ عَلَى الْوُضُوءِ لِأَنَّهُ الْأَكْمَلُ، وَأَخَّرَهُ فِي الرَّوْضَةِ إشْعَارًا بِجَوَازِهِ فِي حَقِّ السَّلِيمِ، وَأَعَادَ الْعَامِلَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ دَفْعًا لِتَوَهُّمِ إرَادَةِ آدَابِهِ فَقَطْ. قَوْلُهُ: (دَاخِلُ الْخَلَاءِ) أَيْ مَنْ أَرَادَ دُخُولَهُ وَلَوْ صَغِيرًا بِأَمْرِ وَلِيِّهِ أَوْ حَامِلًا لِغَيْرِهِ لِغَيْرِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ الْمَخْصُوصَةِ كَوَضْعِ مَاءٍ وَإِزَالَةِ قَذَرٍ، فَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ بِقَاضِي الْحَاجَةِ، وَالْجَوَابُ بِأَنَّ هَذَا أَعَمُّ لِشُمُولِهِ الصَّحْرَاءَ قَدْ يُرَدُّ بِأَنْ يُرَادَ بِالْخَلَاءِ مَا يَشْمَلُهُ، وَسَيَأْتِي مَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَعَ أَنَّ تَعْمِيمَ الْحُكْمِ دُونَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ فَتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (يَسَارَهُ) أَوْ بَدَلَهَا وَكَذَا الْيَمِينُ.
قَوْلُهُ: (وَالْيَمِينِ لِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْمُسْتَقْذِرِ وَشَمِلَ مَا لَا شَرَفَ فِيهِ وَلَا خِسَّةَ فَيُقَدِّمُ يَمِينَهُ كَالشَّرِيفِ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ عَنْ شَيْخِنَا الرَّمْلِيِّ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ شَرْحِهِ خِلَافَهُ، لَكِنْ فِي تَصْوِيرِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْأَقْسَامَ ثَلَاثَةٌ إمَّا مِنْ مَكَان لِمَا دُونَهُ فَيُقَدِّمُ الْيَسَارَ، أَوْ لِمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ فَيُقَدِّمُ الْيَمِينَ، أَوْ لِمَا يُسَاوِيهِ فَيَتَخَيَّرُ كَأَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ، وَمِنْهُ صُعُودُ الْخَطِيبِ إلَى الْمِنْبَرِ، أَوْ نَحْوَ بَيْتَيْنِ مِنْ دَارٍ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ. نَعَمْ يُقَدِّمُ يَمِينَهُ فِي خُرُوجِهِ مِنْ الْكَعْبَةِ إلَى الْمَسْجِدِ كَعَكْسِهِ قَالَهُ شَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ.
(فَرْعٌ) يَحْرُمُ دُخُولُ الصَّاغَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَمْكِنَةِ الْمَعَاصِي إلَّا لِحَاجَةٍ بِقَدْرِهَا. قَوْلُهُ: (وَالْخَلَاءُ) بِالْمَدِّ الْمَكَانُ الْخَالِي أَيْ لُغَةً. قَوْلُهُ: (نُقِلَ) أَيْ عُرْفًا. قَوْلُهُ: (إلَى الْبِنَاءِ) لَوْ قَالَ إلَى الْمَكَانِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ لَكَانَ أَعَمَّ، وَكَانَ يُسْتَغْنَى عَنْ إيرَادِ الصَّحْرَاءِ فِيمَا يَأْتِي، وَلَعَلَّهُ رَاعَى الظَّاهِرَ وَسُمِّيَ بِاسْمِ شَيْطَانٍ يَسْكُنُهُ. قَوْلُهُ: (مَكْتُوبَ) قَدَّرَهُ لِصِحَّةِ نِسْبَةِ الْحَمْلِ إلَى الذِّكْرِ لِأَنَّهُ مَعْنًى لَكِنْ فِيهِ تَغْيِيرُ إعْرَابِ الْمَتْنِ اللَّفْظِيِّ وَهُوَ مَعِيبٌ، فَلَوْ أَخَّرَ لَفْظَ مَكْتُوبٍ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ كَمَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَسَلِمَ مِنْ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرِهِ) كَمَنْسُوخِ تِلَاوَةٍ وَتَوْرَاةٍ لَمْ تُبَدَّلْ وَأَسْمَاءِ اللَّهِ الْخَاصَّةِ بِهِ أَوْ الْمُشْتَرَكَةِ بِقَصْدِهِ بِمَا فِي التَّمَائِمِ وَأَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَلَوْ عَوَامَّهُمْ.
قَالَ شَيْخُنَا: وَكَذَا أَسْمَاءُ صُلَحَاءِ الْمُؤْمِنِينَ كَالصَّحَابَةِ وَالْأَوْلِيَاءِ، فَإِنْ دَخَلَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ غَيَّبَهُ فِي نَحْوِ عِمَامَتِهِ وَيَحْرُمُ تَنْجِيسُهُ وَلَوْ فِي غَيْرِ الِاسْتِنْجَاءِ فَرَاجِعْهُ. قَوْلُهُ: (مَكْرُوهٌ) وَلَوْ نَحْوَ مُصْحَفٍ وَإِنْ حَرُمَ مِنْ حَيْثُ الْحَدَثُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ بِالْحُرْمَةِ.
(تَنْبِيهٌ) مَا نُقِلَ عَنْ الْجَلَالِ السُّيُوطِيّ مِنْ حُرْمَةِ نَقْشِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى الْخَاتَمِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ الْحَدِيثِ، أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ عَلَى قَوْلٍ فِي الْكُنْيَةِ أَوْ عَلَى زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى قَوْلٍ فِيهَا أَيْضًا، أَوْ عَلَى إرَادَةِ الْمُضَاهَاةِ.
قَوْلُهُ: (وَالصَّحْرَاءُ كَالْبُنْيَانِ) أَوْرَدَهَا نَظَرًا لِلظَّاهِرِ وَإِنْ أَمْكَنَ شُمُولُ الْمَكَانِ لَهَا كَمَا مَرَّ. نَعَمْ قَالَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَيْنِ الْأَدَبَيْنِ: فِيهِمَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَاَلَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَرَاهَةُ الْحَرْقِ لَا غَيْرُ.
(فَصْلٌ فِي آدَابِ الْخَلَاءِ وَفِي الِاسْتِنْجَاءِ) قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَالصَّحْرَاءُ كَالْبُنْيَانِ) نَظِيرُ ذَلِكَ الصَّلَاةُ فِي الصَّحْرَاءِ فَيُقَدِّمُ الْيَمِينَ عِنْدَ قَصْدِ الْمَكَانِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَالْيَسَارَ عِنْدَ قَصْدِ الِانْصِرَافِ عَنْهُ.
(فَائِدَةٌ) مِنْ الْآدَابِ أَنْ لَا يُطِيلَ الْقُعُودَ عَلَى الْخَلَاءِ لِأَنَّهُ يَحْدُثُ مِنْهُ الْبَاسُورُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: