(وَ) يُسَنُّ (لِكُلٍّ) مِنْ الْمُؤَذِّنِ وَسَامِعِهِ (أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ فَرَاغِهِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ» وَيُقَاسُ الْمُؤَذِّنُ عَلَى السَّامِعِ فِي الصَّلَاةِ (ثُمَّ) يَقُولُ: (اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ ذَلِكَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ حَصَلَتْ. وَالْمُؤَذِّنُ يَسْمَعُ نَفْسَهُ وَالدَّعْوَةُ الْأَذَانُ، وَالْوَسِيلَةُ مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ رَجَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَكُونَ لَهُ، وَالْمَقَامُ الْمَذْكُورُ هُوَ الْمُرَادُ فِي قَوْله تَعَالَى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] وَهُوَ مَقَامُ الشَّفَاعَةِ فِي فَصْلِ الْقَضَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمَدُهُ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ. وَقَوْلُهُ: " الَّذِي وَعَدْته " بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ، لَا نَعْتٌ.

ـــــــــــــــــــــــــــــSالْمُصَنِّفِ بِاعْتِبَارِ النَّوْعِ. قَوْلُهُ: (فَيَقُولُ صَدَقْت إلَخْ) وَتَقَدَّمَ مَا يَزِيدُهُ فِي نَحْوِ اللَّيْلَةِ ذَاتِ الْمَطَرِ وَنَحْوِهَا. وَيَقُولُ الْمُجِيبُ لَهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ كَالْحَيْعَلَةِ.

قَوْلُهُ: (وَيُسْتَحَبُّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُؤَذِّنِ وَسَامِعِهِ) أَيْ وَالْمُقِيمِ وَسَامِعِهِ وَلَوْ أَدْخَلَهُ فِي كَلَامِهِ كَمَا مَرَّ. لَكَانَ أَوْلَى وَإِنْ خَالَفَ الظَّاهِرَ. قَوْلُهُ: (أَنْ يُصَلِّيَ) وَيُسَلِّمَ كَمَا فِي الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ.

(فَائِدَةٌ) أَوَّلُ حُدُوثِ السَّلَامِ الْمَشْهُورِ كَانَ فِي مِصْرَ فِي عَامِ أَحَدٍ وَثَمَانِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ عَقِبَ عِشَاءِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِالْخُصُوصِ ثُمَّ حَدَثَ فِي بَقِيَّةِ الْأَوْقَاتِ إلَّا الْمَغْرِبَ لِقِصَرِ وَقْتِهَا فِي عَامِ أَحَدٍ وَتِسْعِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ، أَحْدَثَهُ الْمُحْتَسِبُ نُورُ الدِّينِ الطُّنْبُذِيُّ وَاسْتَمَرَّ إلَى الْآنَ. وَيُنْدَبُ أَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ وَالْمُقِيمُ وَمَنْ يَسْمَعُهُمَا بَعْدَ الْمَغْرِبِ: اللَّهُمَّ هَذَا إقْبَالُ لَيْلِك وَإِدْبَارُ نَهَارِك وَأَصْوَاتُ دُعَاتِك، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَيَعْكِسُ أَوَّلَهُ بَعْدَ الصُّبْحِ، وَيُطْلَبُ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَا وَرَدَ أَنَّ الدُّعَاءَ بَيْنَهُمَا لَا يُرَدُّ.

(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي كُلٍّ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ، وَالتَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ، وَعَدَمُ بِنَاءِ الْغَيْرِ، وَدُخُولُ الْوَقْتِ وَالْعَرَبِيَّةُ لِمَنْ فِيهِمْ عَرَبِيٌّ، وَإِسْمَاعُ نَفْسِهِ لِلْمُنْفَرِدِ، وَإِسْمَاعُ غَيْرِهِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَيَنْفَرِدُ الْأَذَانُ بِاشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ، وَأَنَّهُ يُنْدَبُ فِيهِمَا الطَّهَارَةُ وَالْعَدَالَةُ، وَالْقِيَامُ وَالِاسْتِقْبَالُ، وَالِالْتِفَاتُ فِي الْحَيْعَلَاتِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَالْإِجَابَةُ لَهُمَا، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقِبَهُمَا، وَانْفِرَادُ الْإِقَامَةِ بِالْإِدْرَاجِ، وَانْفِرَادُ الْأَذَانِ بِالتَّرْجِيعِ وَالتَّرْتِيلِ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ وَكَوْنُهُ عَلَى عَالٍ، وَوَضْعُ الْأُصْبُعِ فِي الْأُذُنِ وَالْإِدَارَةُ حَوْلَ الْمَنَارَةِ إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ. نَعَمْ إنْ اُحْتِيجَ فِي الْإِقَامَةِ إلَى رَفْعِ صَوْتٍ أَوْ عُلُوٍّ نُدِبَ فِيهَا أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ: (الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ) لَمْ يَقُلْ كَأَصْلِهِ وَالدَّرَجَةَ الْعَالِيَةَ الرَّفِيعَةَ، لَمَّا قَالُوا إنَّهَا لَمْ تَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ، وَعَطْفُ الْفَضِيلَةِ عَلَى الْوَسِيلَةِ، مُرَادِفٌ أَوْ مُغَايِرٌ، لِمَا قِيلَ إنَّهُمَا قُبَّتَانِ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ، إحْدَاهُمَا لِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَالْأُخْرَى لِإِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ، وَالْأُولَى مِنْ يَاقُوتَةٍ بَيْضَاءَ، وَالثَّانِيَةُ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ، وَفَائِدَةُ سُؤَالِهِمَا مَعَ تَحَقُّقِ أَنَّهُمَا لَهُمَا، إظْهَارُ شَرَفِهِمَا، وَحُصُولُ الثَّوَابِ لِلدَّاعِي بِهِمَا. قَوْلُهُ: (وَالْمُؤَذِّنُ يَسْمَعُ نَفْسَهُ) أَيْ فَيَدْخُلُ فِي حَدِيثِ الصَّلَاةِ الْمَذْكُورَةِ لَا مُطْلَقًا فَلَا يُجِيبُ نَفْسَهُ كَمَا مَرَّ. وَلِذَلِكَ أَدْخَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ بِالْقِيَاسِ، وَلَوْ فَعَلَ الشَّارِحُ مِثْلَهُ لَكَانَ أَوْلَى، إذْ دُخُولُهُ فِي هَذَا دُونَ مَا قَبْلَهُ تَرْجِيحٌ بِلَا مُرَجِّحٍ فَتَأَمَّلْهُ.

(فَرْعٌ) يُنْدَبُ الْفَصْلُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ، بِقَدْرِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ، وَفِعْلُ الرَّاتِبَةِ الْقَبْلِيَّةَ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فِيمَا إذَا تَعَدَّدَ الْمُؤَذِّنُونَ، إنَّ الْإِمَامَ لَا يُبْطِئُ بِالْخُرُوجِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ بَعْدِ الْأَوَّلِ، بَلْ يَخْرُجُ وَيَقْطَعُ عَلَيْهِ الْأَذَانَ عَلَى مَا إذَا خِيفَ فَوَاتُ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ فَلْيُتَأَمَّلْ. قَوْلُهُ: (وَالدَّعْوَةُ) الْأَذَانُ التَّامَّةِ السَّالِمَةِ مِنْ النَّقْصِ. قَوْلُهُ: (لَا نَعْتٌ) لِفَقْدِ شَرْطِهِ مِنْ التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مَفْعُولًا لَا لِمَحْذُوفٍ أَوْ خَبَرًا كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ـــــــــــــــــــــــــــــQوَفِي وَجْهٍ يَقُولُ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ» قَالَ: أَعْنِي الْإِسْنَوِيَّ: وَهُوَ وَجْهٌ مُنْقَاسٌ.

قَوْلُ الشَّارِحِ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجِيبَ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ عَقِبَهَا) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَيْ لَا يُقَارِنُ وَلَا يَتَأَخَّرُ، وَمُقْتَضَاهُ الِامْتِنَاعُ عِنْدَ التَّقَدُّمِ، وَلَوْ كَانَ السَّامِعُ فِي صَلَاةٍ أَوْ جِمَاعٍ وَنَحْوِهِ أَجَابَ بَعْدَ الْفَرَاغِ، وَلَوْ كَانَ فِي قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ اُسْتُحِبَّ قَطْعُهُ لِيُجِيبَ وَفِي الْمُهِمَّاتِ لَوْ قَارَنَهُ كَفَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُ الْمَتْنِ: (أَنْ يُصَلِّيَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إفْرَادُهَا عَنْ السَّلَامِ. قَوْلُ الْمَتْنِ: (الَّذِي وَعَدْته) وَالْحِكْمَةُ فِي سُؤَالِهِ مَعَ وُقُوعِهِ لَا مَحَالَةَ إظْهَارُ شَرَفِهِ وَعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ. قَوْلُ الشَّارِحِ: (بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ لَا نَعْتٌ) وَذَلِكَ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ مُنَكَّرٌ، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا مُنَكَّرًا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَجَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ حِكَايَةً لِمَا فِي الْقُرْآنِ.

(تَتِمَّةٌ) يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015